كتب – روماني صبري 

تحل اليوم الأربعاء 12 مايو، ذكرى وفاة الفنان الكبير إستيفان روستي، إذ غيبه الموت في مثل هذا اليوم عام 1964 عن عمر 72سنة، وكان تعرض الراحل لموقف غريب، إذ حضر حفل تأبينه! .. ضجت الصحف في عام 1964 بأنباء وفاته، بينما كان يزور أحد أقاربه في الإسكندرية وأقامت نقابة الممثلين حفل تأبين بعد أن صدقت الإشاعة وفي منتصف الحفل جاء استيفان روستي إلى مقر النقابة ليسود الذعر الحاضرين وانطلقت ماري منيب ونجوى سالم وسعاد حسين،  في إطلاق الزغاريد فرحاً بوجوده على قيد الحياة، وما ان انقضت أسابيع قليلة ودع روستي العالم في العام نفسه.
 
10 جنيهات فقط
 رحل الرجل بالفعل ولم يجدوا في جيبه بعد كل هذا العمر والنجاح والكفاح سوى 10 جنيهات فقط، كان أخر أفلامه : حكاية نص الليل مع عماد حمدي وزيزي البدراوي، وقد وصل عدد الأفلام التي شارك في تمثيلها وإخراجها والتمثيل فيها إلى 380 فيلما سينمائيا على مدى 40 عاما هي عمره الفني.
 
 
الشرير الكوميديان
نجح روستي في أن يجمع بين الشر والكوميديا لذلك أحب الجمهور أعماله، وأن يُصبح وحده تقريبا الشرير الكوميديان بين الأخيار أو لنقل أكثر الكوميديانات شرا على الشاشة أو أكثر الأشرار حضورا خفة ومرحا، وهي البصمة الخاصة التي ظل يتفرد بها على شاشة السينما حتى اليوم لم ينازعه فيها أحد سوى الفنان الكبير عادل أدهم.
 
 
علبه السردين وشعوره بالذنب 
سكنه الشعور بالذنب، هو الرجل الذي برع في تقديم ادوار الشر وجعل شخصية الشرير تزخر بخفة الظل، وإطلاق الإفيهات المرحة، كذلك في شخصية الإنسان العادي، ولما لا فهو كان يدرك ان جوهر السينما ترفيهي قبل أي شيء، في طفولتنا نرتكب الحماقات أيضا، وحكى روستي قبل أن يغيبه الموت انه حين كان طفلا وقعت عليه عقوبة بتناول وجبة واحدة من "العيش الحاف" طوال يومه الدراسي بمدرسة "رأس التين"، بمحافظة الإسكندرية.
 
 حينذاك أدرك ان الجوع سيدركه بعض انقضاء ساعات، فكلف "الفراش" بشراء "علبة سردين" له فلبى، وبعدما انتهى منها، وضع العلبة الفارغة  تحت (التختة)، صادف اليوم قيام سعد زغلول وزير المعارف حينها بزيارة رسمية للمدرسة.  
 
 ويضيف الفنان الذي مزج كل أدواره بالكوميديا لبرنامج "كرسي الاعتراف"، أبصرني سعد باشا، والتفت لعلبة السردين، رغم إنني كنت اجلس في نهاية الفصل، فإذا به يقترب مني شيئا فشيئا، وحين وصل، شرع ينحني والتقط العلبة، فاختصني بالانجليزية :" ما هذا؟، فأجبت :" علبة سردين، فتابع يقول :" لماذا هي هنا ومتى أكلتها ومن سمح لك بذلك ؟، قلت :" لأنني كنت جائعا فأكلتها مع العيش"، واستطرد روستي يقول للبرنامج :" في تلك اللحظة ارتكبت جريمة في حق إنسان.
 
موضحا :" فعلبة السردين في الحقيقة كنت تناولتها في حصة الرسم للأستاذ الطيب عبد الهادي، ولأنه كان بيني وبين مدرس الانجليزي كما يقول القول المأثور – ما صنع الحداد-، فقلت لسعد باشا إنني تناولتها في حصة الانجليزي، وعلى اثر ذلك وبخ هذا المدرس ونال عقابا بالنقل إلى مدرسة في الصعيد، واختتم معتذرا :" أنا أسف حتى اليوم على جريمتي، وان كان المدرس سامعني بطلب منه يسامحني."  
 
زوج وفي 
حصل كذلك على لقب الزوج الوفي، كونه أحب زوجته الايطالية ماريانا ولم يتركها والذي تزوجها حين كان عمره 45 عاما بعد سنوات طويلة رفض خلالها الزواج، حيث كانت عصفت تجارب مؤلمة بحياتهما حين فقدا ابنهما الأول بعد ولادته بأسبوع، كذلك طفلهما الثاني ومات في عمر 3 سنوات، فأصيبت الزوجة بانهيار عصبي، وقتها راعاها روستي وكان يتنقل معها في المستشفيات، حتى تركها ومات فعادت لأهلها في ايطاليا.
 
 
ابن السفير 
روستي من مواليد عام1891 ، ظهر في الأفلام الأبيض والأسود  بخفة ظل لا مثيل لها، والدته ايطالية، ووالده نمساوي، وكان والده سفير النمسا في القاهرة، انفصل والده عن أمه بسبب المشاكل التي قابلت عمله كدبلوماسي،  فانتقل للعيش طفلا مع والدته الإيطالية والتحق بمدرسة رأس التين الابتدائية إلى أن تزوجت والدته من رجل إيطالي آخر ليترك المنزل شابا ويلتقي صدفة بـ "عزيز عيد "الذي أعجب به لطلاقته في اللغة الفرنسية والإيطالية فقدمه في فرقته، بعدها قصد النمسا ليبحث عن والده.
 
اشتغل راقصا  في الملاهي الليلية، وجمعته الصدفة بمحمد كريم الذي كان يدرس الإخراج السينمائي في ألمانيا، كما جمعته بسراج منير، الذي قرر ترك الطب للتفرغ لدراسة الفن، قال روستي حينها في نفسه لالتحق أنا أيضا بالمعهد لدراسة التمثيل، حين عاد للقاهرة التقى  المنتجة عزيزة أمير، والتي أبدت إعجابها بثقافته السينمائية الكبيرة، فعرضت عليه إخراج فيلم "ليلى" 1927 فلبى، بعدها اخرج : البحر بيضحك ليه عام 1928، جمال ودلال، ابن البلد، الورشة، عنتر أفندي.