حمدي رزق
«وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ..» (الكهف/ ٢٩).. لم يغادر الرئيس السيسى نص هذه الآية الكريمة وهو يتحدث إلى المصريين عن حرية المعتقد كحق أصيل من حقوق الإنسان، وكان شجاعًا وهو يرفض المصادرة على الحق فى المعتقد، ومن وصايا الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لا تَخَفْ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ».

إلحاح الرئيس على تصدير هذه القضية إلى المجتمع، وبصيغ مختلفة، كلما أُتيحت الفرصة يقتنصها؛ لأن المصادرات على حق الاعتقاد مرض مزمن متوطن، من الأمراض المجتمعية السارية، يهتبلها المتهوسون دينيًا لتكفير بعضهم البعض، وتصير المجتمعات «بعضى يمزق بعضى»!.

حصيف فى سؤاله: ماذا يضيرك من إقامة كنيسة أو حتى معبد، فضلًا عن المسجد؟!، سؤال استنكارى، يرفض الرئيس بوضوح هذا الذى يعتمل فى نفوس البعض كراهية لمعتقدات الآخرين، وتضييقهم على المختلفين دينيًا فى الطرقات.

الرئيس صادق لا يتخفى، ويواجه بشفافية وعلانية، ويفكر بصوت عالٍ، على الهواء مباشرة، ويُشرك الجموع، كعصف ذهنى، ويقرن القول بالفعل، قانون توفيق أوضاع الكنائس نموذج ومثال، تم توفيق ما يقرب من ألفى كنيسة ودُور خدمة فى غضون عامين، وبناء المسجد والكنيسة متجاورين فى المدن الجديدة، الجمهورية الجديدة تؤسَّس على حرية المعتقد.

البعض لايزال يخشى مغَبّة التفكير بصوت عالٍ خشية المصادرة، ولكن الرئيس صوته عالٍ فى قضايا جد حسّاسة، ويفتح الجروح المتقيحة بمبضع جراح أعصابه فولاذية، يملك إرادته ويُجلسها فى مكانها الصحيح.

رؤية الرئيس واضحة تمامًا سواء فى قضية الزيادة السكانية المقلقة، أو توثيق الطلاق الشفهى.. أو زواج القاصرات.. وغيرها مما تضجّ به جنبات البيوت المصرية، فقط يصبر على نضج الوعى المجتمعى بخطورة هذه الأمراض المتوطنة، الناس ولِّفت على عادات موروثة وتخشى التخارج منها.

إيجابيًا، الحق فى المعتقد، مثله الحق فى التعبير، من حقوق أساسية صارت محل نقاش علنى، وهذا من حسن الطالع. إفشاء مصطلح حقوق الإنسان، وإطلاق المصطلح من عقاله النخبوى، وشيوعه بين الناس كثقافة، ضرورة قصوى.

حقوق الإنسان كاستراتيجية وطنية يتوجب تنزيلها من سمائها إلى الأرض لاستزراعها ورعايتها إنباتًا وإزهارًا وإثمارًا.

يتوجب ألّا نُضيع رسالة الرئيس فى جدل سفسطائى، فلينفر المثقفون إلى المهمة الجليلة. فرصة سانحة تستوجب جهدًا مضاعفًا. نثر بذور حقوق الإنسان يستوجب حرثًا. تهوية التربة العطِنة من مخلفات القمع المجتمعى. الأرض طبِّلت نشعًا. تشكلت سلطة تحريمية تقمع العقل، تحُول دون التفكير الصحى فى أجواء صحية، وهذا ما يتوجب مقاومته، بل هزيمته، والخلاص من ربقته، فى ظل إرادة سياسية مواتية.

التسلط على العقل من الأمراض السارية التى استشرت مع تراجع الاجتهاد بمعناه الفكرى قبل الدينى، تحرير الفكر يبدأ بتحرير إرادة التفكير من عقالها، فليكلف الرئيس من المشتغلين بالفكر مَن يتوفر على إزاحة معوقات حرية التفكير، وإطلاق الأفكار بعيدًا عن كهوف الماضوية المظلمة، هناك قمع قانونى للتفكير بتهمة ازدراء الأديان، وقمع مجتمعى بالحسبة، وتسلط دينى بالتقديس!.
نقلا عن المصري اليوم