زهير دعيم
تواصل معي اليوم رجل مجتمع رائد له بصمات جميلة في كثير من نواحي الحياة ؛ تواصل وفي حروفه شيء من غضب وبعض من امتعاض : " أكتب استاذي ... أكتب عن الناس الطّالعة بالسَّحبة ... بَشَر بمضمون أجوف ، مسخرة ، ويضحي  ( وتضحي ) فجأة مُؤثّرًا ومشهورًا ويقدّم على الشاشات وفي الإذاعات دعايات ، في حين انّ العمالقة الحقيقيين في دنيا الطّبّ والأدب والفنّ الأصيل والرياضة يذوقون الأمرّيْن حتّى يجدوا منبرًا ومِنصّة "
 ضحكت  من رسالة صديقي قائلًا : لقد قلتَ يا هذا كلَ شيء ، ولم تترك لي شيئًا...

نعم ، فهناك مَنْ تمتلكُ صوتًا تشمئزّ منه البومة ، فتروح تتعرّى وتتقزّع  وتتلوى وتتمايل فتضحي بين ليلة وضُحاها نجمةً يُشارُ اليها بالبنان.
 نعم وألف نعم  ، فأنتَ يا صديقي لو دخلت مواقعنا الألكترونية لصُدمتَ وأنت تقرأ العناوين التّالية :  

 الفنّانة فلانة !!! سحرت الدنيا بفستانها  الليلكيّ .
 المطربة علّانة  !!!  لفتت انظار حتى الطليان في مدينة فينيسيا بتنورتها الوردية
 الممثلّة  عجمانة !!! تتغزّل بزوجها الثالث .

 ناهيك عن ذاك الذي يُقدّم برنامجًا تافهًا وهابطًا على شاشة ما،  فيروحُ يغزل على نوْل " الزناخة " شالات مهترئة ، فيقدح بهذا ويذمّ ذاك ويحظى بتصفيق يصل  صداه الى جليلنا الأغرّ..والغريب في الامر انك ترى هذا المبدع !!!  بعد مدّة وإذا به يقدّم دعاية لشركة مشهورة .

 لقد باتت السندويشات في أيامنا الطّعام المُفضّل ، وأضحت النكتة السفيهة تستدرُّ بحرًا من الضحكات ، وصارت الضّحالة مرتعًا للشُّهرة ، وكدنا ننسى فيروز والصافي وعبد الوهاب ، وانبهرنا بمَن " تلبس ولا تلبسُ" وتوزّع الغمزات على مذبح العُري.

  انه زمن السّرعة والطّعام السّريع والمظاهر الجوفاء ، فبمثل هذه الأمور – وللأسف- تأتي الشُّهرة صاغرة ، خاشعة وخاضعة ، في حين يربط الطبيب الجّراح ليله بنهاره في غرف العمليّات ينقذ حياة الناس  ، ويُداوي الأوصاب ويُضمّد الجروح وبالكاد نسمع عنه،  وكذا الأمر مع الكُتّاب والمبدعين الحقيقيين  الذين يصولون ويجولون في دنيا الحرف البهيّ والمعنى الجميل ، فيرسمون لنا أجمل اللوحات ويموسقون أروع السيمفونيات ، فيسمع بهم قلّة قليلة تذوّقت الحرف وهامت به.

 وقل  ايضًا في الرياضيين المبدعين والمعلّمين المعطائين والمطربين والمطربات الذين زرعوا الفضاء نغمًا وفنًّا أصيلًا.

   قد ابدو متشائمًا بعض الشيء ، رغم أنّني بطبيعتي متفائل أرى النّصف الملآن من الكأس، ولكنّ المظاهر الجوفاء طغت على كلّ شيء أو كادت  ، في حين صارت الأصالة ومن ينادي بها عنوانًا للرجعية ورمزًا للتأخّر.

 سقى الله أيام زمان فبالرغم ما كان فيه من فقر وضيق وحرمان ، ولكنّه كان يرفل بالأصالة ، ويميد بالانسانية الحقّة ، ويكتب على جبين المجد ألف  قصيدة.