د.حسين عبد البصير
كان سبب رحلة العائلة المقدسة وقدومها إلى مصر هو هروبها من أرض فلسطين. واختارت العائلة المقدسة مصر؛ لأنها أرض الأمن والأمان؛ ولقربها من فلسطين؛ ولاحتفاء مصر بالدين وحب أهل مصر للدين والصالحين. وفى العام صفر، صدرت أوامر من أغسطس قيصر بأنه على اليهود التوجه إلى الدائرة التابعين لها؛ كى يتم التمكن من تعداد للسكان. فاصطحب يوسف النجار خطيبته إلى بيت لحم. وفى طريقهم، مر ملوك الشرق بملك اليهود هيرودس، وسألوه عن مكان ميلاد الملك الطفل؛ فرحب بهم، وقدم لهم الطعام والضيافة. وقام بواجب الضيافة على أكمل وجه. ولكن اضطرب قلبه خوفًا على عرشه من ذلك المولود الطفل. وجن جنون هيرودس- من أكثر الملوك شرًا فى التاريخ- خشية أن يشب ذلك الرضيع ليأخذ ملكه؛ فأصدر أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين. بيد أن الملاك ظهر ليوسف النجار فى الحلم، وأخبره بأن يأخذ الطفل ومريم إلى مصر؛ لأن هيرودس كان يريد أن يقتله. فقام وأخذ الطفل وأمه ليلاً وانصرفوا إلى أرض مصر.

ووجدت العائلة المقدسة فى مصر المكان الآمن الذى وفره المصريون لتلك العائلة المباركة. وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة كبيرة لأرضها وشعبها، فبسببها قال الرب «مبارك شعبى مصر». واستمرت الرحلة فى مصر ثلاث سنوات. واستمرت تحديدًا طفولة السيد المسيح ثلاث سنوات وأحد عشر شهرًا، وفقًا لبردية أثرية ترجع إلى القرن الرابع الميلادى تتحدث عن فترة وجود السيد المسيح والعائلة المقدسة فى مصر. وأهم المحطات الرئيسة فى رحلة العائلة المقدسة، بداية من الفرما، والتى كانت تعرف بـ«بيليزيوم»، وهى المدينة الواقعة بين مدينتى العريش وبور سعيد حاليًا، حتى جبل قسقام بمحافظة أسيوط فى صعيد مصر. ثم رجعوا مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة هيرودس.

وكان للرحلة، وما يزال، تأثير كبير على مصر والمصريين. واحتمت العائلة المقدسة فى حضن مصر. وباركت أرضها. وقد حلت البركة بمصر. وتم اعتبار شهر بشنس هو أكثر شهور السنة بركة. وتحتفل الكنيسة القبطية فى اليوم الرابع والعشرين منه، والذى يوافق 1 يونيو من كل عام، بذكرى دخول العائلة المقدسة إلى مصر.

واستقبل المصريون العائلة المقدسة بكل الحب والاحترام والتقدير والتقديس. وفى أثناء هروب العائلة المقدسة من بلدة إلى أخرى، كان يؤمن بعض المصريين بيسوع، ولكنه كان يجد الكره والعداوة من بعضهم الآخر، خصوصًا من كهنة الأوثان وخدامها؛ لفقدهم أرزاقهم؛ فحلت بركته على الأولين، وهيبته على الآخرين. وسقطت التماثيل عند مجىء يسوع، فلم تقو على مواجهة حضوره.

وكانت رحلة العائلة المقدسة سببًا فى ترسيخ الديانة المسيحية فى أرض مصر. وحملت تلك الرحلة فى طياتها العديد من الدلالات والمعانى الحضارية، والتاريخية والثقافية، والكثير من المفاهيم الإنسانية الراقية؛ لأنها تمثل تراثًا إنسانيًا عظيمًا ملكًا للإنسانية جمعاء؛ ولأنها تمت فى أرض مصر، قلب العالم. ووردت نصوص عنها فى العهد الجديد، ونبوءات فى العهد القديم. وما تزال هناك آثار تؤكد مجىء العائلة المقدسة لأرض مصر، منها أديرة، وكنائس أثرية، وهياكل، ومذابح أثرية، ومغارات دينية، التى عمرت مصر بالإيمان بالله، وصخور، وأحجار، وآبار وأشجار على مسار الرحلة. وتعد رحلة العائلة المقدسة فى أرض مصر من المكونات الأساسية للحضارة المصرية القبطية. وزادت من أهمية أرض مصر بين العالم؛ لأنها الأرض الطيبة التى قدمت الحماية، واحتضنت العائلة المقدسة. وحملت قيم المحبة، والسلام، والتعايش على أرض مصر المباركة
نقلا عن المصري اليوم