د .نادر نور الدين محمد

 رغم قوة كلمة الوزير سامح شكرى فى مجلس الأمن وإيضاحه أن مشكلة السد تعتبر أمرا وجوديا يمس الحياة فى مصر ثم إيضاحه لبعض أضرار السد على القطاع الزراعى فى مصر من تصحر وتدهور وتملح، إلا أن جميعها أمور عامة يسمع عنها أعضاء مجلس الأمن غير المتخصصين فى الموارد المائية، والتى كان ينبغى إيضاح بعضها للأعضاء ووضعهم فى الصورة لما سيسفر عنه السد من أخطار جسيمة على مصر، وألا يسمح للوزير الإثيوبى بتسول تعاطف المجلس والتدليس عليهم بعبارات مثل: أليس حقنا أن نشرب من نهر النيل، وأن الشعب الإثيوبى عطشان وهو يقف وسط الأنهار، وأن السد الإثيوبى أقل من نصف السد المصرى فى مقارنة خادعة بين سد دولة مصب لا يضر أحدًا، وآخر لدولة منبع يضر دولتين. وهذا ما كان ينبغى لوزير خارجيتنا أن يتوقعه وأن يسبقه فى الأحداث ليحرق كلمات الوزير الإثيوبى المتوقعة، خاصة أن وزير خارجيتنا غير متخصص بالطبع فى أمور السدود والموارد المائية وأصبغ الأمور بصبغة سياسية، بعكس الوزير الإثيوبى الذى عمل على الكذب والخداع.

 

لا أدرى إن كان وزير الخارجية المصرى قد استعان بخبراء المياه والسدود المصريين من أصحاب الخبرة والروية الحديثة وخبراء وزارة الرى قبل إعداد كلمته، أم اعتمد فقط على المعلومات التى عايشها منذ عشر سنوات، وأخرى منذ خمس سنوات يوم أن صاغ بنفسه إعلان مبادئ السد الإثيوبى. فكلمة وزيرنا كان ينبغى أن تتضمن اعتماد مصر الكامل على مياه نهر النيل وبنسبة 95%، حيث إننا دولة صحراوية جافة تعيش على مساحة 7% فقط من أراضيها بسبب الجفاف والقحط، وأن سكان مصر يتكدسون على ضفتى نهر النيل كنهر وحيد بلا رافد وبلا بديل، فى حين تنعم إثيوبيا بأحواض تسعة أنهار وفيرة المياه، بالإضافة إلى مياه بحيرة تانا الغزيرة التى ينبع منها النيل الأزرق وألف مليار متر مكعب من الأمطار سنويا ونصيب الفرد من المياه يتجاوز حد الفقر المائى بحجم 1650 مترا مكعبا مقارنة بنصيب 600 متر للفرد فى مصر؟
 
 
بالإضافة إلى مناخ شديد الحرارة جاف معدوم الأمطار فى مصر. وعليه أن يوضح أن مصر تستورد 65% من أغذيتها الأساسية بسبب شح المياه ونقصها وعدم قدرتنا على زراعتها فى بلادنا بسبب الشح المائى وأن أراضينا الزراعية لا تزيد على عُشر الأراضى الزراعية فى إثيوبيا، وأن ثروتنا الحيوانية لا تزيد على 12% من مثيلاتها فى إثيوبيا بسبب الوفرة المائية التى تتمتع بها إثيوبيا والفقر المائى الذى تعانى منه مصر.
 
وكيف أن لا أحد يطلب ولا طلب من إثيوبيا ألا تستفيد من مياه النيل الأزرق، لكن هذا ليس معناه أن تصادر إثيوبيا كل مياه النيل الأزرق وضعفها بعزمها تخزين 75 مليار متر مكعب من المياه من نهر صغير لا تتجاوز مياهه 49 مليار متر مكعب فقط، ضاربة عرض الحائط بخصم هذا الكم المائى الضخم من مياه تعودت مصر والسودان على تسلمها عبر آلاف السنين، وأن تخزين هذا القدر الهائل الذى يقدر بنصيب عدة دول كبرى فى العالم دون اتفاق ولا توافق ولا حكمة مع شركائها فى النهر، ولا أن تستمع إلى احتياجاتهم من المياه خلال سنوات التخزين سواء لمحطات الشرب أو لسدود توليد الكهرباء أو لرى الأراضى الزراعية، وليس اتخاذ قرارات منفردة بتحديد حجم الملء كل عام وتحديد عدد سنوات الملء بسياسة فرض الأمر الواقع وطبقا لمدى التقدم فى بناء السد وليس طبقا للاتفاق مع شركاء النهر.
 
إن إثيوبيا تتصرف وكأنها هى مالكة النيل الأزرق، الشريان الأكبر لنهر النيل وللحياة فى مصر والسودان، طبقا لما قاله وزير مياهها من أن النهر أصبح لنا!، متناسيا قانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار الدولية العابرة للحدود لعام 1997 والذى حدد الملكية المشتركة للأنهار العابرة للحدود، والذى خالفت إثيوبيا كل بنوده، فهى بنت سدًا ضخمًا، وهذا محظور على دولة منبع حتى لا تقطع المياه عن جيرانها التالين لها فى النهر، وتناست المبدأ السابع بعدم التعمد بإحداث ضرر بالغ على دول المصب، وهذا السد يخزن كميات هائلة من المياه ويسبب خطرا داهما على دولتى المصب، فبينما لا تزيد احتياجات توليد الكهرباء فى السد عن 15 مليار متر مكعب من المياه، إلا أن إثيوبيا قررت تخزين 75 مليارا بلا داع، وفقط من أجل تعمد إحداث الضرر بجيرانها وما لا يفيدها أبدا فى توليد الكهرباء.
 
وينص أيضا قانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار الدولية العابرة للحدود على سبعة بنود للإخطار المسبق قبل بناء السد وتسليم دولتى المصب كل الدراسات الخاصة بالسد ومعامل أمانه وأخطاره على البيئة النهرية وعلى تدفقات المياه وعلى الأضرار الاجتماعية والاقتصادية على البطالة وتبوير وتصحر الأرض الزراعية، وهذا ما لم تفعله إثيوبيا واتخذت قرارا منفردا ببناء السد، ولم تلتزم بعد ذلك بوجود مكتب استشارى دولى يحدد شروط الملء والتشغيل للسد وأضراره على دولتى المصب، وتحديد التعويضات اللازمة عن الأضرار، بل إنها قامت بإبعاد المكتب الاستشارى الفرنسى المتفق عليه مسبقا والمنوط به تحديد شروط الملء والتخزين لهذا السد العملاق حتى يكون لها وحدها اليد العليا وفرض سياسة الأمر الواقع فى ملء وتشغيل السد.
 
إن إثيوبيا رفضت طمأنة مصر والسودان وضمان حد أدنى من مياه النيل الأزرق بعد الانتهاء من بناء السد بما يوضح أطماعها فى كل مياه النيل الأزرق، وقد طلبنا تكرارا تحديد ما ستؤول إليه مياه النيل الأزرق بعد الانتهاء من بناء السد والكمية التى تضمن إثيوبيا تدفقها إلى مصر والسودان، إلا أن إثيوبيا رفضت بحجة الحصص المائية، بينما النيل الأزرق هو فرع من أربعة فروع لنهر النيل لا يطبق عليه نظام الحصص والتى تخص النيل الموحد فقط.
 
إن إثيوبيا بسياستها التعسفية ومصادرتها لكل مياه النيل الأزرق وعدم ضمانها لأى قدر من مياه النهر لمصر والسودان لتأخذ المنطقة إلى حرب مياه، لأنها تمثل قضية وجود وحياة للشعب المصرى.. من يحارب من أجل استرداد الأرض يحارب أكثر من أجل استرداد مياه.. فهى حياة واقتصاد لشعبى مصر والسودان.