د. نادر نور الدين محمد
تعرف الصحارى زراعيًا بأنها الأراضى التى تعانى من ندرة المياه وضعف خصوبة التربة وندرة الغطاء النباتى، وبالتالى فإن زراعتها تتطلب إما توصيل المياه السطحية إليها كما حدث فى ترعتى النصر والحمام فى منطقة النوبارية وغرب الإسكندرية أو ترعة الصالحية ثم ترعتى توشكى والسلام، أو أن يتم حفر آبار جوفية يمكنها أن تمد هذه الأراضى بالمياه اللازمة للزراعة وتربية الحيوان. الأمر الثانى أنه ليس كل الأراضى الموجودة فى الصحارى قابلة للزراعة أو تصنف على كونها أراضى رملية، ولكن هناك الأراضى الهامشية ثم الأراضى المغمورة بالمياه مثل أغلب أراضى واحة سيوة وبعض مناطق وادى النطرون والمُغرة بالساحل الشمالى، علمًا بأن كل الصحراء الغربية منخفض.

وقبل البدء فى مشروعات استصلاح الأراضى ينبغى التمييز بين الأراضى الصحراوية القابلة للزراعة وبين تلك الهامشية أو المغمورة والغدقة. فالأراضى الهامشية هى أراضٍ لا تصنف على كونها أراضى زراعية، وعند زراعتها لا تعطى أكثر من 25% فقط من المحصول المتوقع، بالإضافة إلى كونها أراضى غير ثابتة وسهلة الانجراف بالرياح بما يؤدى إلى تكشف الجذور وموت النباتات مع تأثير الرياح على المبانى الثابتة والمتنقلة والمهمات الزراعية، وعادة ما تكون أراضى خشنة قليلة الخصوبة سطحية ولا تتسع لامتداد الجذور على سجيتها وبأقصى نمو لها، بالإضافة إلى احتوائها على العديد من محددات الزراعة مثل الحرارة الشديدة أو الرياح العاتية والبعد عن العمران. وهنا يتبين أن الأراضى الهامشية عندما تتوافر المياه لها تُوهم المستغل غير العلمى بنجاح زراعة محصول بعينة، ولكن فى الزراعة لا يعنينا إلا كمية المحصول ونوعيته واقتصاديات الزراعة وألا تكون خاسرة. هذه الأراضى الهامشية منتشرة فى الصحارى المصرية، ويعلمها خبراء استصلاح الأراضى، ومنها أراضى مناطق غرب غرب المنيا وتوشكى، ولا ينبغى الإسراف فى الإنفاق عليها كأراض صحراوية زراعية منتجة، لأنها لا تتعدى كونها أراضى هامشية، ولا تصنف على كونها أراضى زراعية، وهى منخفضة المحصول والخصوبة.

النوع الثانى من الأراضى المتواجد بالصحارى وقرب السواحل، هى الأراضى الغدقة أو الأراضى المغمورة بالمياه أو تلك التى فى طريقها للغمر بالمياه، حيث تتواجد المياه الجوفية بالقرب من سطح التربة بما يعوق نمو النباتات ويقلل من توافر الأكسجين اللازم لتنفس الجذور بسبب ظروف غمر منطقة نمو الجذور بالماء. هذه الأراضى عديدة ومتنوعة، ومنها مثلًا أراضى تجفيف البحيرات الشمالية التى قام بها الأهالى فى بحيرات الدلتا الأربع: المنزلة والبرلس وإدكو ومريوط، والتى أنتجت أراضى عالية الملوحة غدقة قليلة العمق وتحيط المياه المالحة بها وبمنطقة الجذور.. ثم منطقة سهل الطينية فى شمال سيناء والتى تتلقى نشعًا مالحًا من كل من البحر المتوسط وقناة السويس جعلت من ملوحة أراضيه أضعاف ملوحة مياه البحر نفسها، ولا سبيل لإيقاف هذه النشع لكونها أراضى منخفضة تستقبل نشع ما حولها من بحار وأراضٍ، وبالتالى لا تصلح إلا للمزارع السمكية.. هناك أيضًا بعض أراضى منطقة وادى النطرون فى المنطقة المحيطة بالأديرة التاريخية، حيث تحتوى على عدة بحيرات سطحية، وأيضا مياه جوفية سطحية مالحة جعلت القدماء يطلقون عليها اسم وادى النطرون، أى وادى أملاح الصوديوم، وبالتالى فإن الزراعة على هذه المياه الجوفية المالحة سواء بأملاح الصودا أو أيضا بملح الطعام، وبالتالى فإن زراعة منطقة البحيرات والمياه الجوفية السطحية تحول دون الوصول إلى اقتصاديات مرضية فى زراعة هذه الأراضى.

ومثلها أيضا، تأتى أراضى منخفض المُغرة الأقل انخفاضًا من مستوى سطح البحر وعالية الملوحة لمياه الآبار الجوفية والتى تتجاوز عشرة آلاف جزء فى المليون، بينما الحد الأقصى المقبول لملوحة مياه الرى لا يتجاوز ألفى جزء فى المليون، ويمكن التجاوز وصولًا إلى ثلاثة آلاف جزء فى المليون مع الرى الحديث المقنن، وبالتالى فإن الزراعة والرى بمثل هذه المياه مرتفعة الملوحة فى الأراضى المنخفضة الخشنة لن يحققا أى اقتصاديات فى الزراعة مع اختيار بعض الحاصلات القليلة المتحملة للأملاح.

وأخيرًا، تأتى أراضى واحة سيوة التى ينتشر بها كل أنواع البحيرات السطحية والعيون المتدفقة مائيا، وبعضها ساخن، وبعضها بارد.. وأيضا بعضها مالح، والآخر عذب، وكذا تنوع بحيراتها أيضا بين المالح والعذب. ومن أهم عيوب أراضى واحة سيوة كأراضٍ غدقة مغمورة بالمياه أنها منخفض داخل منخفض الصحراء الغربية، وبالتالى فليس لها منفذ للصرف الزراعى، حيث مستواها يقل عن مستوى البحر المتوسط وكذلك عن الهضبة الليبية المجاورة، ولا سبيل لزراعة الأراضى التى لم تغمر بعد بالمياه إلا بصرفها على البحيرات أو على الأراضى المغمورة بالمياه المجاورة.

هذا التصور قد يوضح لصناع القرار أنه ليست كل الأراضى الصحراوية يمكن التوسع فيها زراعيًا حتى وإن بدت منبسطة، ولكنها قد تكون أراضى هامشية أو أراضى غدقة.

* أستاذ الأراضى والمياه بجامعة القاهرة