( 306- 373 )

إعداد/ ماجد كامل
يمثل القديس العظيم مار أفرام السرياني ؛والملقب ب"قيثارة الروح القدس " حلقة هامة وفارقة في تاريخ آباء الكنيسة الجامعة بصفة عامة ؛ وتاريخ آباء الكنيسة السريانية بصفة خاصة . وما زالت كتاباته وأشعاره تعتبر ترانيم هامة في الكنيسة السرياية الشقيقة . أما عن مارأفرام السرياني نفسه ؛ فلقد ولد في نصيبين نحو سنة 306 في أسرة مسيحية ؛ ولقد أهتما بتثقيفه بكل العلوم  المسيحية المتاحة في ذلك العصر . ولقد تتلمذ في بداية حياته  علي يد يعقوب أسقف نصيبيبن ؛واستفاد من علمه كثيرا   ؛ وقيل أنه أصطحبه معه  إلي مجمع نيقية . وقام بتاسيس مدرسة لاهوتية وذاع صيتها كثيرا ؛ ونظم  فيها  أعظم القصائد .

ولكنه  أجبر علي النزول من نصيبين بعد سقوطها في  أيد الاعداء ؛ فانتقل الي مدينة الرها  التي كانت خاضعة تحت الحكم الروماني ؛ وهناك تنسك في مغارة في الجبل ؛كما عمل بالتدريس في مدرستها الشهيرة هناك ؛كما أسس أول فريق ترانيم  من الفتيات السريانيات ؛وعندما حدثت مجاعة كبري في مدينة الرها ؛ أخذ القديس ما رأفرام يدور علي بيوت ومنازل الفقراء يجمع منهم التبرعات من أجل ضحايا المجاعة ؛كما أسس دارا للمسنين . وكان يشرف بنفسه علي الاعتناء بهم ورعايتهم ؛ولكن مع الأسف وبعد انتشار المجاعة ؛ حل بالمدينة مرض الطاعون ؛ فأنهمك القديس في علاجهم ومداوتهم ؛حتي أصيب هو أيضا بنفس المرض (الطاعون )  حتي تنيح  به عن عمر يناهز 67 عاما تقريبا ( لمزيد من التفصيل راجع :- البطريرك زكا عيواص:- سيرة مار أفرام السرياني ؛سيرته – مؤلفاته – أقول مأثورة له – بعض ما قيل عنه ) .
 

ومن القصص المتداولة عنه أنه في يوم من الأيام شاهد عمود من نور  ممتدا من الأرض للسماء  ؛فتعجب من ذلك كثيرا ؛فسمع صوت من السماء يقول  "هذا العمود الذي رأيته هو القديس باسيليوس أسقف قيصرية الكبادوك " فقرر مارأفرم أن يزور هذا  القديس ؛وعندما توجه إلي الكنيسة شاهد القديس باسيليوس وهو يعظ ومرتديا كامل ملابسه الكهنوتية  ملابس زاهية ؛فشك في قداسته ؛فأراه ملاك الرب رؤيا حمامة بيضاء حلت علي رأسه وهو يعظ . وإذ علم القديس باسيليوس به رحب كثيرا ؛وأصطحبه إلي غرفته الخاصة ؛ وهناك كشف له عن الملابس الخشنة التي  يرتديها تحت الجلد ؛وشرح له أن هذه الملابس الفاخرة التي رأه بها هي من أجل الكرامة الكهنوتية فقط  .

أيضا من القصص المتداولة عنه أنه  ذهب إلي برية شيهيت لزيارة آباء شيهيت (منطقة وادي النطرون حاليا )  وكان يتوكأ علي عصا من فرط النسك الشديد ؛فظن رهبان برية شيهيت  أنه يتظاهر بالضعف متشبها بالشيوخ ؛فعرف بالروح فكرهم ؛فقام بغرس عصاه في الأرض بكل قوة ؛ فنيتت وصارت شجرة تمر هندي ضخمة ما زالت موجودة حتي الآن في دير السريان العامر ( وللعلم هذه الشجرة غير قصة شجرة الطاعة المنسوبة  للقديس يوحنا القصير ؛ وكانت توجد قرب اطلال دير الأنبا يؤحنس القصير ؛ولكنها قطعت حاليا وذلك لأن كثيرين يخلطون بين القصتين   ) .

ولقد أثري القديس مارأفرام السرياني المكتبة اللاهوتية بالعديد والعديد من الكتب والأشعار والميامر سوف نحاول تلخيصها  فييما يلي :-
1- تفسيرات الكتاب المقدس :-

قيل أن ما أفرام السرياني قام بتفسير الكتاب المقدس كله ؛متتبعا المدرسة الأنطاكية في التفسير ؛ القائمة علي التفسير الحرفي (عكس مدرسة الإسكندرية التي قامت علي التفسير الرمزي )  . ولكن  لم  يصل إلينا من التفاسير إلا تفسير سفر التكوين وجزء من سفر الخروج . وشذرات أخري متنوعة ( راجع :- كيرلس سليم بسترس ؛ تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ؛ منشورات المكتبة البولسية ؛ طبعة أولي ؛2001 ؛ صفحة 560 ) .

2- رسائل وخطب نثرية :-
ويوجد له رسائل مختلفة منها رسالة وجهها إلي الرهبان المتنسكين في جبال الرها ؛ وخطبة في "التأنيب والدعوة إلي التوبة علي أثر سقوط نصيبن " ؛ وخطب ألقيت في حفلات وصلوات عامة تشمل موضوعات متنوعة مثل "مخافة الله – باطل الأباطيل .... الخ " . ( نفس المرجع السابق ) .

3- الأناشيد  والأشعار :-
ولعلها أهم إنجاز يحسب لمار أفرام السرياني ؛ وله فيها إنجازات متعددة  يصعب حصرها  ؛يقدر البعض منها بحوالي " 78 نشيدا " ضد الأريوسين ؛و"51 نشيدا " في الفردوس يتغني فيها بجمال السماء التي يمثلها فردوس آدم . و"52 نشيد "  في الكنيسة  . و"51 نشيدا " في الصليب وآلام السيد المسيح . و"8 أناشيد في الصوم " .

وحول أهمية  أشعاره من الناحية الأدبية ؛يقول عنه المتنيج البطريرك زكا عيواص " هو شاعر فحل ؛طويل النفس؛يمتاز أسلوبه بالاسهاب ؛وشعره عامة سلس  ؛يرسله علي السليقة فيتدفق كالسيل العارم . ولقد تناول شعره شتي المواضيع الدينية العقائدية منها والروحية .... ولأهمية مؤلفات ما أفرام نقلت إلي اليونانية وهو حي في العقد الاول بعد وفاته ؛كما نقلت بعدئذ إلي لغات شتي نخص بالذكر منها لغة الضاد فقد نقل إليها إبراهيم بن  يوحنا الأنطاكي سنة 930 م عددا من مقالاته في الرهبنة  . كما وصل إلينا منها أيضا أحدي وخمسين مقالة نقلت من اليونانية  إليها حوالي القرن الحادي عشر نقلا فيه الجيد وفيه الغير الجيد وأصلها السرياني مفقود . ومنذ القرن الثامن عشر وحتي اليوم حقق علماء  الاستشراق الأفذا"ذ  أغلب مؤلفات مار افرام الشعرية والنثرية ونشروها وترجموها إلي اللغات اللاتينية المختلفة . ..... كما زينت آثار مار أفرام مكتبات الشرق والغرب وهي تعتبر من نفائس المخطوطات في دنيا المكتبات ؛ وتوجد في  معظم مكتبات حواضر الشرق العربي الشهيرة ؛ومدينة الفاتيكان ؛ والمتحف البريطاني ؛ وأوكسسفورد ؛ وبرمنهجام ؛وكميردج ؛وباريس ؛ وشيكاغو وغيرها ( لمزيد من التفصيل راجع :- سيرة ما أفرام السرياني ؛ البطريرك زكا عيواص – بطريرك انطاكية وسائر المشرق علي السريان – موقع علي شبكة الأنترنت ) . والجدير بالذكر أن بعض المراجع ذكرت أنه يوجد له حوالي 12 الف قصيدة وخمسين نشيدا ( مار افرام السرياني – أوتار السماء ) .


ويبقي لنا في المساحة المتبقية من المقالة تقديم بعض نماذج مختصرة من أشعاره في بقية المساحة المتبقية من المقالة :-
1-] إلهنا أخضع قوته ؛وقبضوا عليه . حتي بموته المحيي يعطي الحياة لآدم . لقد اسلم يديه لتثقب بالمسامير . عوضا عن اليد التي قطفت الثمرة . لطم علي خده عند المحاكمة . عوضا عن الفم الذي اكل في عدن . وحينما كانتا قدما آدم طليقة . كانت قدماه مسمرة . لقد تعري إلهنا حتي نستر نحن . بالمر والخل كسر سم الحية الذي قد لدغ به آدم {  . ( من أناشيد نصيبين ) .

2- ] اللهم أخلق لي قلبا قلبا نقيا؛ عفيفا ؛ طاهرا ؛ بسيطا ؛ لا يفكر بالشر ؛ولا تأوي إليه الشهوات . قلبا نقيا ؛يملأه الحب دائما ؛وفي كل حين يبتغي الأمان والسلام لكل إنسان .قلبا نقيا ؛يحب الصوم والصلاة والسهر واذلال الجسد  والعمل والتعب دائما . قلبا نقيا أكلته غيرة بيتك ؛ يحب الصدقات ويوزعها ويشفق علي المحتاجين .يا محب البشر ضع فيي مثل هذا القلب { . ( قصيدة القلب النقي ) .

ولقد صدرت له ترجمة عربية كاملة لأحدي دوايين شعره بعنوان " منظومة الفردوس "؛ قام بترجمتها إلي اللغة العربية الأب روفائيل مطر اللبناني ؛ وصدرت عن رابطة الدراسات اللاهوتية في الشرق الأوسط ؛ الكسليك 1980 . سوف نقتبس منها مقتطفات متفرقة فقط علي سبيل العينة :
3-} موسي علم الجميع أسفاره السماوية ؛  زعيم العبرانيين لقننا دروسه ؛  التوراة كنز الوحي ؛ من خلالها تكشفت قصة الجنة ؛ موصوفا مرئيها ؛ممدوحا خفيها ؛ مقتضبا خبرها ؛مذهلة أشجارها  .    المرد  :- المجد لبرك رافع الظافرين { .

4- الشطر الأول من النشيد الثاني حيث يقول }  طوبي لمن أصيح  مشتهي الفردوس ؛ الفردوس يشتهي الجميل ؛بين حناياه يدغدغه ؛ يفتح له ويحله في أحشائه ؛ فإن كره أمرا ؛أنكره ونبذه ؛ لأنه باب الامتحان محب البشر . المرد :- مبارك من طعن فحول السيف عن الفردوس {  .
5- مواصفات الجنة :- }  فكل نوع أبدع من نوع ؛ وما علت درجة علي درجة ؛ علا مجدها علي مجد سالفتها ؛ فهو يصنفه أسفله للسفلييين ؛ ووسطه للأوساط ؛ وقمته للعلويين ؛ في الدرجة التي يستحقها ؛ كل واحد فيها يقيم ؛ لان درجاته تكفي للجميع ؛ أرضه للتائهين ؛ ووسطه للصديقين ؛ وقمته للمجلين وقبته سكني الله { .

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1-السنكسار القبطي تحت يوم 15 ابيب الموافق 22 يوليو .
2-الراهب القمص سمعان السرياني :- سيرة وأقوال مار افرام السرياني  قيثارة الروح ؛ الطبعة الأولي ؛يونية 1988 .
3-كيرلس سليم بسترس وآخرون :_ تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة  منشورات المكتبة البولسية ؛ الطبعة الأولي ؛ 2001 ؛ الصفحات من (555- 568 )

6- أفرام السرياني – المعرفة .
7- سيرة حياة مار افرام السرياني – موقع قنشرين – دائرة الدرسات السريانية .
8- مار أفرام – دائرة الدراسات السريانية .
9- البطريك زكا عيواص – سيرة مار أفرام السرياني سيرته – مؤلفاته – أقوال مأثورة له – بعض ما قيل عنه – American Foundation for Syrian Studies

10- عيلة مار شربل – مار افرام السرياني – ملفان البيعة .
11- مار افرام السرياني من الأرض السورية ..... شرورو الحقيقة السريانية .
12- ما رأفرام السرياني – أوتار السماء .
13- مار افرام السرياني – كتاب منظومة الفردوس – ترجمة الأب روفائيل مطر اللبناني – رابطة الدراسات اللاهوتية في الشرق الأوسط – الكسليك 1980 .
14- جون لوريمر :- تاريخ الكنيسة ؛عصر الآباء من القرن الأول وحتي السادس ؛ دار الثقافة ؛ 2013 ؛ صفحة ( 326 ) .