بقلم الدكتور : مجدى شحاته  
بعد 25 يناير2011  بثلاث أيام ، وبالتحديد فى 28 يناير أدرك الجميع ان هناك من يحاول اختطاف الثورة بل وسرقة الوطن بكامله .
 
كان هناك مخطط دولي لجر مصر وسحبها نحو الثقب الاسود ، حيث الدمار والارهاب وحرب طائفية وفقا لمنظومة " ألثورة الخلاقة " او بالمعنى الاصح " الفوضى الخلاقة " التى كانت تسعى اليها وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليذا رايس ومن بعدها هيلارى كلينتون فى العهد السابق للرئيس الامريكى اوباما ، والهدف اقامة مشروع الشرق الاوسط الجديد . ولولا العناية الالهية التى أنقذت مصر من خلال المد الثورى الشعبى  الحقيقى يومى 30 يونيو و3 يوليو ، حينما خرج أكثر من ثلاثون مليونا من الشعب المصرى ليعلنوا رفضهم للنظام ليسجل التاريخ انه ، لم يجتمع ويتكاتف  المصريون على هدف واحد بهذا الكم والكيف منذ عقود طويلة مثلما حدث فى 30 يونيو . الاقباط كانوا جزءا من الشعب المصرى الاصيل الذى خرج عن صمته ليعبر عن هذا الغضب خارج أسوار الكنيسة للمرة الثانية ، حيث كان خروجهم الاول عقب أحداث العمرانية ، بعدها بدء الحشد ل 25 يناير، وانصهر المصريون جميعا ( مسلمون واقباط ) فى بوتقة الثورة الشعبية مطالبين برحيل النظام . لتنجو مصر من خطر السقوط فى مستنقع الحروب الاهلية الطاحنة كما حدث لدول شقيقة مجاورة فيما أسموه  بالربيع العربى .        
 
شارك قداسة البابا تاوضروس الثانى مع فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الازهر ورموز من ممثلى الشعب المصرى ، فى تأييد الثورة الشعبية يوم 3 يوليو 2013 ووضع خارطة الطريق لثورة 30 يونيو . جاء ذلك بناء على دعوة وطنية كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي .الرئيس الذى يبذل جهودا صادقة ومخلصة ، للحفاظ على تماسك الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والاعلاء من قيمة المواطنة وبناء دولة مدنية قوية .
جاء انتقام التنظيم الارهابى سريعا ضد الاقباط ، قتلا وتنكيلا وتدميرا . أشعلوا الفتن الطائفية وسقط العشرات من شباب الاقباط ثمنا غاليا للثورة ، وأحرقوا ودمروا أكثر من مائة كنيسة ومبنى ملحق ، فى كافة انحاء البلاد . وتم الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ولأول مرة فى تاريخها . وهو الاعتداء الذى طال المقر البابوى تحت سمع وبصر العالم . بعدها سارعت الدولة ممثلة فى قواتها المسلحة الباسلة الى اعادة بناء وترميم وتعمير كافة الكنائس والمبانى التى تم الاعتداء عليها . كان هذا الانتقام بمثابة الخطوة الاولى فى اجندة ممنهجة ، لهدم الوطن بكامله . واستمرت الضغوط الاعلامية المتطرفة تبث الكراهية ضد الاقباط شركاء الوطن . وضغوط سياسية ضد الكنيسة . وصلت الى ذهاب السفيرة الامريكية فى ذلك  الوقت ( آن باترسون ) الى المقر البابوى بالكاتدرائية للقاء البابا يوم 17 يونيوضمن محاولة من المحاولات بغرض احتواء مظاهرات 30 يونيو. وسألت البابا عن حقيقة مشاركة الاقباط فى المظاهرات القادمة . فأجاب عليها : " المصريون أحرارفيما يريدون . وانه لا يوجد توجيه من الكنيسة فى ذلك " . طوال الاحداث لم ينطق البابا بأى مطالب طائقية ، أو يتحدث عن مشاكل تخص الاقباط وحدهم . وحرصت الكنيسة على اعلاء المصلحة الوطنية للمجتمع ، ومنع الانزلاق فى حرب أهلية . كان قداسة البابا تاوضروس الثانى  صمام الامن والامان لوحدة وتماسك أبناء الوطن الواحد فى ظل المواقف الصعبة وسط أحداث مأساوية عاصفة كانت تنذر بنشوب نزاع طائفى مدمر لا قدر الله .  وقال عبارتة التاريخية التى أشاد بها قادة الكنائس والدول فى انحاء العالم : " ان حرقوا كنائسنا سنصلى فى المساجد ، وان حرقوا المساجد سنصلى فى الشوارع . وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن . "  وادرك كل المصريون الشرفاء الاوفياء المخلصين لمصر ، مدى وطنية ومحبة واخلاص هذا الرجل لبلده ، وعلى سعة افقه وعقلانيته وحسن تصرفه فى اصعب المواقف التى مرت بها الكنيسة القبطية فى تاريخها المعاصر ولا ابالغ ان قلت منذ نشأتها . وهذا ليس غريبا عن الكنيسة القبطية ... فلم تكن ثورة 30 يونيو أول ثورة يشارك فيها الاقباط بقوة . على سبيل المثال ، هناك ثورة عام 1804 حينما وقف البابا مرقص الثامن وشيخ الازهر الشيخ الشرقاوى والمعلم ابراهيم الجوهرى مع الزعيم عمر مكرم  لخلع الوالى العثمانى خورشيد باشا وتنصيب محمد على باشا مؤسس الدولة المصرية الحديثة . وفى عام 1882 وقف البابا كيرلس الخامس مع شيخ الازهر الشيخ محمد المهدى لمناصرة الزعيم أحمد عرابى ضد الخديوى توفيق خلال الثورة العرابية . قام بعدها الاحتلال الانجليزى بنفى البابا الى دير البراموس عام 1890 لمواقفه الوطنية . ومرة اخرى كان للبابا كيرلس الخامس مع شيخ الازهر الشيخ ابو الفضل الجيزاوى ، مواقف وطنية رائعة مؤيدة للزعيم سعد زغلول خلال ثورة عام 1919 . ونستعرض فيما يلى  بعض أهم ما قدمته ثورة 30 يونيو للأقبط :  
 
كانت الثمار الاولى لثورة 30 يونيو التصدى بكل القوة والحزم للأرهاب الاسود فى كافة أنحاء البلاد وفى سيناء . لعلنا نتذكر حجم الخراب والدمار وحالة الرعب والهلع والخوف والزعر الذى ساد كافة انحاء الجمهورية فى تلك الايام الحالكة الظلمة . وكيف عاد الامن والامان للشارع المصرى من خلال الدور البطولى للقوات المسلحة ورجال الشرطة بجانب وعى وتكاتف وتلاحم كافة أطياف الشعب المصرى الاصيل . بعد ان كان الناس يخشون الخروج من منازلهم الى الشوارع ، وقام الاهالى بوضع المتاريس فى الشوارع والطرقات ، والمزاليق الحديدية خلف الابواب ، وتناوب الشباب حراسة العمارات والشقق بما اسموه اللجان الشعبية تخوفا من هجمات الارهابيين . لكن عنايه الله كانت فوق الجميع وأنقذت مصر من الشر والارهاب والصراعات الطائفية . 
 
يسجل التاريخ بأن يكون الرئيس عبد الفتاح السيسي ، أول رئيس وحاكم مصرى يحرص على المشاركة فى احتفالات الاقباط بعيد الميلاد المجيد بالكاتدرائية المرقسية الكبرى لتهنئة الاقباط . لينشر رسالة السلام والمحبة والطمئنينة فى ربوع الوطن . الخطوة التى تعد انجازا كبيرا لانها غيرت بروتوكول كان متبع دائما ، وهومجرد ايفاد مندوب عن الرئيس الى الكاتدرائية كما تعودنا عبر سنين طويلة . زيارة الرئيس للكاتدرائية اعتبرها انجازا كبيرا ، لأنها ترد بقوة على المتشددين الذين يكفرون الاقباط ويحرمون تهنئتهم فى أعيادهم . زيارة الرئيس للكاتدرائية أعتبرها انجازا كبيرا ، لأنها تؤكد ان الاقباط شركاء فى الوطن وأصحاب حق . زيارة الرئيس للكاتدرائية أعتبرها انجازا كبيرا لانها تؤكد بأن رئيس الدولة رئيس لكل المصريين . زيارة الرئيس للكاتدرائية أعتبرها انجازا كبيرا حيث أصبح حضور الرئيس شخصيا للكنيسة تقليدا يحرص علية الرئيس كل عام . زيارة الرئيس للكاتدرائية أعتبرها انجازا كبيرا لانه صار قدوة ومثالا يحتذى به فى المحبة واحترام الاخر ومعتقداته ، ليغير من المفاهيم المغلوطة لدى البعض مؤكدا ان الدين لله والوطن للجميع . زيارة الرئيس للكاتدرائية اعتبرها انجازا كبيرا لانه كسر حاجزا كان يخشى ان يتخطاه كل ملوك ورؤساء مصر السابقون .    
 قام فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ، بصحبة قداسة البابا تاوضروس بافتتاح كاتدرائية " ميلاد المسيح " لتصبح أكبر كاتدرائية قبطية فى الشرق الاوسط  بالعاصمة الادارية الجديدة على مساحة 63 الف متر مربع وتسع 8 آلاف شخص . وقد قدم الرئيس السيسي للعالم كله مثالا رائعا فى المواطنة حينما اعلن عن قراره ببناء مسجد " الفتاح العليم "  اكبر مسجدا فى الشرق الاوسط بجوار كاتدرائية " ميلاد المسيح " فى العاصمة الادارية الجديدة .                                                                                    
على صعيد التمثيل النيابى ، نجحت ثورة 30 يونيو فى التخلص من فكرة اقصاء الاقباط من البرلمان . وذلك عن طريق خلق تمييز ايجابى بخصوص المجالس النيابية الذى كان أحد أهداف الدستور الجديد . ليحصد الاقباط بالمنافسة الحرة ولأول مرة فى تاريخ البرلمان المصرى على 53 مقعدا تحت قبة البرلمان ، بعد ان كان يمن رئيس الجمهورية ( قبل 30 يونيو ) بتعيين بعض الاقباط لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة . 
لأول مرة فى تاريخ مصر للحكم المحلى يتم تعيين اثنين من المحافظين ونائب محافظ من الاقباط . وهم الدكتورة منال ميخائيل محافظا لدمياط ، اللواء شريف فهمى بشارة محافظا للاسماعيلية ، الدكتورة جاكلين عازر نائبا لمحافظ الاسكندرية . ونتذكر ما حدث عام 2011 عندما عين المجلس العسكرى محافظا قبطيا لمحافظة قنا ، بعدها اعتصم وتظاهر المتشددون لاسابيع اعتراضا على هذا التعيين ، بعدها تم الغاء القرار !!     
 
بناء على قرار رئيس الوزراء الصادر بتاريح 26 يناير 2017 ، تم تشكيل اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس برئاسة السيد رئيس الوزراء وعشرة أعضاء ، من بينهم ستة وزراء . وتختص اللجنة بتقنين أوضاع الكنائس والمبانى الكنسية ، التى تم بناؤها بدون تراخيص وفق تفاهمات بين الامن والكنيسة . وتقوم اللجنة باصدار التراخيص الرسمية المسجلة المعترف بها . وقد تقدمت الكنائس المختلفة ب 3730  طلب لتقنين اوضاع كنائس ومبانى ملحقة فى كافة أنحاء البلاد . وحتى ابريل 2021  تم الموافقة على توفيق أوضاع 1882 كنيسة ومبنى تابعا . وبالتالى تسعى الدولة بكل الجهد للقضاء على مشاكل متأصلة ومتراكمة  لعشرات ومئات السنين ، ابرزها الغاء الخط الهمايونى العثمانى . 
 
خلال عام 2016 صدر القانون رقم 80 بشأن بناء وترميم الكنائس وملحقاتها ، بعد مزيد من الشد والجذب . القانون الذى كان يراود أحلام الاقباط منذ عقود طويلة ، لينهى كابوس قانون الخط الهمايونى منذ العهد العثمانى الذى يصف الاقباط بأهل الذمة ، الامر الذى يتناقض مع مغاهيم المواطنة والدولة المدنية الحديثة . القانون الذى كان يجسد مشكلة ازلية تكرست عبر تاريخ ممتد لعشرات وعشرات السنين . حيث كان الحصول على قرار ببناء كنيسة قبل ثورة 30 يونيو أشبه بالمستحيل ، بل لم يكن فى مقدرة الكنيسة أن ترمم او تبنى دورة مياه ، الا بسلسلة معقدة من الاجراءات تتطلب فى النهاية موافقة رئيس الجمهورية . 
 
فوق كل ذلك ، أصدرالرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهات صريحة ، بضرورة انشاء كنيسة فى كل مدينة جديدة يتم التخطيط لها ، دون الحاجة بان تتقدم الكنيسة بطلب رسمى بذلك ، وهذا يضمن بناء المزيد من الكنائس على الدوام . وقد تم وفقا لذاك ، الاعلان عن تخصيص 41 قطعة أرض  لبناء الكنائس فى المدن العمرانية الجديدة دون الحاجة  لتقدم الكنيسة بطلب لبناء كنيسة . ( وهو الاجراء الاول من نوعه فى تاريخ الكنيسة القبطية ) . وقد أصدرت وزارة الاسكان فى ظل توجيهات رئيس الجمهورية ، ببناء 37 كنيسة جديدة فى مختلف المدن خلال فترة لم تتجاوز 4 سنوات . ومن أبرز المدن التى تم تخصيص كنائس جديدة بها : مدينة العبور ، الفيوم ، طيبة الجديدة ، القاهرة الجديدة ، العبور الجديدة ، اكتوبر ، حدائق اكتوبر ، قنا الجديدة . العاشر من رمضان ، الصالحية ، اسيوط الجديدة ، اسوان الجديدة ، 15 مايو ، المنيا الجديدة ، بدر ، سوهاج الجديدة ، السادات ، العاصمة الادارية  قيام الدولة بترميم وتطوير 13 كنيسة ودير على مستوى الجمهورية . كما تم الاعلان عن ترميم وتطوير 42 كنيسة ودير على مستوى الجمهورية . 
 
 احلال وتجديد 18 كنيسة وملحقاتها بمحافظة المنيا قامت بها الدولة بتكلفة مقدارها 40.4 مليون جنيه . قيام الدولة  بترميم وتجديد كنيسة السيدة العذراء " المعلقة " الاثرية بمصر القديمة بتكلفة مقدارها 101 مليون جنيه . كذلك ترميم دير الانبا " بطابا " بنجع حمادى بتكلفة مقدارها 3 مليون جنيه .
 
  تشكيل لجنة مختصة لأدراج مسار العائلة المقدسة على قائمة التراث غير المادى لهيئة اليونيسكو . كذلك تطوير موقع " شجرة مريم " بالمطرية واضافتها لقطاع الآثار .
 
بعد عقود طويلة من التهميش والاجحاف بحقوق الاقباط ، والاكتفاء بوضع المسكنات والمهدئات دون التوصل الى حلول جذرية على أرض الواقع . جاءت ثورة 30 يونيو ، المشهد الاعظم فى تاريخ مصر الحديث . ليحصد الاقباط ثمار ما زرعوا من مواطنة حقيقية وتضحية واخلاص ووفاء وحب للوطن منذ وجودهم على أرض مصر ، وينال الاقباط حقوق لم يحصلوا على مثلها من قبل . أعلم تماما علم اليقين ، كما يعلم الكل ، ان المشوار نحو تحقيق المواطنة الكاملة طويل وشاق وصعب . مازال هناك خطوات تسير فيها الدولة ، نحو مراجعة شاملة لمناهج التعليم والخطاب الدينى ومراقبة صفحات ومواقع التواصل الاجتماعى . فالامر يتطلب مزيدا من الوقت والوعى والارشاد والجهد والصبر ، خاصة لو كان الامر يحتاج تغيير سلوك البشر و تصحيح  بعض المفاهيم والتعاليم المغلوطة التى ترسخت على مدى أجيال متعاقبة . الامر يحتاج جهد ووقت وصبر  حتى يكون لدينا أجيال واعية مستنيرة تؤمن بحقيقة المواطنة  الكاملة غير المنقوصة وقبول الاخر فى الوطن الواحد . كل عام ومصر وكل المصريين بكل الخير ... تحيا مصر