مؤمن سلام
في 8 يونيو 1992 قتل الإسلاميين د. فرج فودة وأُلقى القبض على عبدالشافى أحمد محمد رمضان «26 سنة»، بائع سمك تم اعدامه، وأشرف السيد إبراهيم صالح «29 عامًا»، أعمال حرة أفرج عنه نظام مبارك وباقي المتهمين ما بين 1993 و 2006، وأبوالعلا عبدربه الذى أفرج عنه محمد مرسى وظهر في مناظرة على قناة القاهرة والناس.

وفي محاولة من المحاميين لتبرأة المتهمين في القضية باعتبار أنهم نفذوا الشريعة الإسلامية التي هى المصدر الرئيسي للتشريع وفقاً للمادة الثانية للدستور، فلجأوا إلى حيلة ربما تكون الأولى من نوعها بأن طلبوا شهادة الدكتور محمود مزروعة – رئيس قسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر – وفي يوم شهادة الدكتور مزروعة تطوع للشهادة الشيخ محمد الغزالي. وبالرغم من أن شهادة الغزالي كانت تطوعاً واستمرت نصف ساعة فقط إلا أنها كانت الأشهر ربما لشهرة الرجل أكثر من الدكتور مزروعة الذي جاء بناء على طلب محاميين المتهمين واستمرت شهادته ثلاث ساعات.

وكانت أشهر كلمات الشيخ الغزالي في المحاكمة هى:
"إن فرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسئول عن تطبيق الحد، وأن التهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد."

كما شهد الدكتور مزروعة بنفس ما شهد به الغزالي قائلاً:
"إن فرج فودة كان يحارب الإسلام في جبهتين … وزعم أن التمسك بنصوص القرآن الواضحة قد يؤدي إلى الفساد، إلا بالخروج على هذه النصوص وتعطيلها. أعلن هذا في كتابه (الحقيقة الغائبة)، وأعلن رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية، ووضع نفسه وجندها داعيا ومدافعا ضد الحكم بما أنزل الله. وكان يقول: لن أترك الشريعة تطبق ما دام فيّ عرق ينبض. وكان يقول: على جثتي. ومثل هذا مرتد بإجماع المسلمين. ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده."  كان هذا من 29 سنة.

وبالأمس في 15/6/2021 شهدنا حدث مماثل في المقدمات ولكنه مختلف في النهايات.

حيث أدلى الشيخ محمد حسين يعقوب، بشهادته أمام الدائرة الخامسة إرهاب بمحكمة جنايات أمن الدولة طوارئ، خلال محاكمة 12 متهما فى القضية المعروفة إعلاميا بـ"خلية داعش إمبابة"، والشيخ يعقوب مواليد إمبابة. هذه هى المقدمات المتشابه، ارهابيين يستشهدون بشيوخ للحصول على البراءة لكونهم لم يرتكبوا جريمة ولكن طبقوا الشريعة الإسلامية، فاستدعت المحكمة الشيخين محمد حسين يعقوب ومحمد حسان، إلا أن النتائج كانت مختلفة.

1- ففي الوقت الذي لم يتردد فيه الدكتور مزروعة في تلبية نداء المحكمة وتطوع الشيخ الغزالي بالشهادة حتى بدون طلب أو استدعاء، جاء الشيخ يعقوب مُكرهاً ومازال الشيخ حسان هارباً. فبعد تكرار تغيب محمد حسين يعقوب ومحمد حسان، أصدرت المحكمة، برئاسة المستشار محمد السعيد الشربيني، قراراً بضبطهما وإحضارهما.

2- وعندما ذهب الشيخين مزروعة والغزالي إلى المحكمة عبرا عن قناعتهم الشخصية وأفكارهم الإسلامية دون إنكار أو تزييف أو تغيير ودعما القتلة في جريمتهم، نجد الشيخ يعقوب قد ذهب بعيداً في التنصل من أفكاره حد ادعاء الجهل بالدين والتبرؤ من ابن تيمية وسيد قطب وداعش، لقد تحول الرجل في دقائق من عضو مجلس شورى العلماء صاحب مقولة غزوة الصناديق و"قالت الصناديق للإسلام نعم" و"اللي مش عاجبه يروح كندا" إلى رجل عادي لا يفتى ويسأل العلماء ويستشيرهم وليس له علاقة بالسياسة، وينكر إنتمائه للسلفية من الأساس. وفى نهاية الجلسة أعفت المحكمة الشيخ يعقوب من الغرامة المقررة في حقه وقدرها ألف جنيه بعد أن التمس دفاعه إلغائها نظراً لظروفه الصحية. وكأن كل ما يهم الشيخ هنا هو عدم دفع الغرامة البسيطة بالنسبة لرجل في ثراءه تزوج 22 مرة في 7 سنوات.

فما الذي تغير لتكون شهادة الغزالي بهذا الحسم والجرأة وتجعل شهادة يعقوب بهذه الميوعة والخوف؟
1- بالرغم أن الدولة مازالت لا تحارب الفكر الإسلامي المتطرف، إلا أنها لم تعد متصالحة مع الإرهاب الناتج عن هذا الفكر. فبعد أن ارتد العنف الإسلامي في صدر الدولة وأصبحت أول المصابين به، وليس المواطنين العاديين مسلمين ومسحيين وسُياح أو قادة الرأى مثل فرج فودة ونجيب محفوظ، تسعى الدولة الأن إلى نزع هذا العنف عن الفكر الإسلامي لكن في نفس الوقت دون التخلي عن الفكر الإسلامي التقليدي القائم على أن الإسلام دين ودولة. هذه الصرامة في مواجهة العنف الإسلامي الآن في مقابل الميوعة السابقة هى من منحت الغزالي ومزروعة في السابق هذه الشجاعة والقت في قلب يعقوب وحسان الرعب.

2- على مدار 29 سنة جرى في النهر ماء كثير خاصة في العشر سنوات الأخيرة، خسر فيها الإسلاميين الكثير من رصيدهم الشعبي، واكتسبت فيها العلمانية الكثير من الأرضية والانتشار بفعل الإعلام البديل ومواقع التواصل الإجتماعي، ما جعل قدرة هذا التيار على قول وفعل ما يشاء تضعف بعد أن فقد الكثير من حاضنته الإجتماعية القادرة على تبرير ودعم أقولهم وافعالهم. فقال الغزالي ما شاء معتمداً على دعم الرأي العام، وخاف يعقوب من الرأي العام فخرجت شهادته مرتعشة ومع ذلك لم تسلم من نقد وسخرية الرأي العام المصري.

وهكذا بعد 29 سنة من اغتيال فرج فودة نرى معسكر قتلته في تراجع ومعسكره في تقدم وانتشار.