فاروق عطية
   استمر حكم الملك فاروق مدة 16 عاما إلى أن أرغمته حركة ضباط 23 يوليو1952م على التنازل عن العرش لإبنه الطفل أحمد فؤاد الذي كان عمره حينها ستة أشهر. تقدم اللواء محمد نجيب إلي جلالته بطلب التنازل عن العرش بالوثيقة التالية:
 
من اللواء أركان حرب محمد نجيب باسم ضباط الجيش ورجاله إلي جلالة الملك فاروق الأول، أنه نظرًا لما لاقته البلاد في العهد الأخير من فوضى شاملة عمت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور وامتهانكم لإرادة الشعب حتى أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن على حياته أو ماله أو كرامته. ولقد ساءت سمعة مصر  بين شعوب العالم من تماديكم في هذا المسلك حتى أصبح الخونة والمرتشون يجدون في ظلكم الحماية والأمن والثراء الفاحش والإسراف الماجن على حساب الشعب الجائع الفقير، ولقد تجلت آية ذلك في حرب فلسطين وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة وما ترتب عليها من محاكمات تعرضت لتدخلكم السافر، مما أفسد الحقائق وزعزع الثقة في العدالة وساعد الخونة على ترسم هذا الخطأ فأثرى من أثرى وفجر من فجر وكيف لا والناس على دين ملوكهم. لذلك قد فوضني الجيش الممثل لقوة الشعب أن أطلب من جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولي عهدكم الأمير أحمد فؤاد على أن يتم ذلك في موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم السبت الموافق 26 يوليو 1952م  والرابع من ذي القعدة سنة 1371هـ ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه. والجيش يحمل جلالتكم كل ما يترتب على عدم النزول على رغبة الشعب من نتائج.
فريق أركان حرب محمد نجيب. 
 
الإسكندرية في يوم السبت 4 من ذي القعدة 1371 هـ، 26 يوليو سنة 1952م.
 
   لو لم يكن جلالته وفيا لشعبه محبا له كان بأمكانه باتصال تليفوني بقيادة الجيش الإنجليزي المرابط بالقنال أن يقضي علي التمرد العسكري، لكنه اجتمع مع قيادات القصر وأعلن موافقته على الوثيقة العسكرية حقنا لدماء المصريين، وطلب من على ماهر باشا كتابة وثيقة ملكية توضح أنه نزولا على إرادة الشعب يوافق على التنازل عن عرش مصر. وكان له مطلب وحيد بأن يحافظ على كرامته فى وثيقة التنازل عن العرش، فطمأنه على ماهر باشا، وأعلن فاروق ملك مصر نزوله عن عرش المملكة المصرية، وتنازله لولى عهده الأمير أحمد فؤاد في الوثيقة التالية
 
أمر ملكي رقم 65 لسنة 1952م.
نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان. لما كنا نتطلب الخير دائما لأمتنا ونبتغي سعادتها ورقيها. ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقية. ونزولا على إرادة الشعب. قررنا النزول عن العرش لولي عهدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه.
 
صدر بقصر رأس التين في 4 ذي القعدة 1371هـ الموافق 26 يوليو 1952م.   
 
   وفي تمام الساعة السادسة والعشرون دقيقة مساء يوم 26 يوليو 1952 غادر الملك فاروق مصر على ظهر اليخت الملكي المحروسة (وهو نفس اليخت الذي غادر به جده الخديوي إسماعيل عند عزله عن الحكم). وأدى الضباط التحية العسكرية وأطلقت المدفعية إحدى وعشرون طلقة لتحية الملك فاروق عند وداعه، وكان في وداعه اللواء محمد نجيب وأعضاء حركة الضباط والذين كانوا قد قرروا الاكتفاء بعزله ونفيه من مصر بينما أراد بعضهم محاكمته وإعدامه كما فعلت ثورات أخرى مع ملوكها.
 
   يقول جلال بك علوبة الذي قاد اليخت المحروسة إلى المنفي: فى صباح يوم الرحيل كان فى وداع الملك السفير الأمريكى جيفرسون كافرى واللواء محمد نجيب ومعه من رجال الحركة صلاح سالم وحسين الشافعى وصلاح فريد. وأبحرت المحروسة من ميناء الإسكندرية وهى ترفع العلم الملكى ولم نجد فى استقبالنا فى نابولى سوى مندوب من وزارة الخارجية الإيطالية وسفير مصر فى إيطاليا وكان من المفروض أن تحتفل بنا إيطاليا كما فعلنا مع ملكهم إيمانويل عندما جاء إلى مصر بعد خلعه..!! غادر الملك فاروق مصر ومعه كل بناته فريـال وفوزية وفادية وابنه الصغير أحمد فؤاد وزوجته الجديدة ناريمان، ولم يأخذ معه سوى حقيبة واحدة بها بدلة صيفى وقميص وشورت، أما الأولاد فلم يكن معهم ما يكفيهم من الملابس كما أنهم نسوا تزويد اليخت بالطعام، فأرسلت أحد الضباط لشراء طعام يكفينا لثلاثة أيام وكان الطعام مكوناً من جبنة بيضاء وفول وطعمية وخبز جاف..!!
 
   ويؤكد علوبة أن الملك فاروق لم يسرق الأموال ولم يقم بتهريب الذهب أو مجوهرات القصور الملكية كما أشيع عنه. وكل ما قيل عن ذلك كذب وافتراء، والحقيقة أن رصيد الملك فى الخارج كان حوالي خمسة ملايين جنيهاً. حدث فيما بعد أن تعرضت القصور الملكية للنهب والسلب، فقد كانت اللوريات تأتى ليلاً لتحمل التحف النفيسة والمجوهرات إلى أين؟ الله وحده أعلم!!..
 
   أما عن حالة الملك أثناء الرحلة يقول علوبة: حبس الملك نفسه فى أول يوم داخل قمرته ولم يتحدث مع أحد، وفى اليوم الثانى كانت نفسيته أفضل وأول شئ فعله أنه خرج إلى سطح السفينة وظل يدعو الله أن يحفظ مصر من كل مكروه..!!. أما الأولاد فكانوا يلهون ويلعبون البنج بونج مع بعضهم البعض. وتناول الملك طعام الغداء مع طاقم السفينة وبعد ذلك جلس حزيناً يفكر فيما حدث له وما هو آتٍ. وطوال الرحلة كان مجلس قيادة الثورة يرسل لى إشارات استعجال حتى أعود فقلت لضابط اللاسلكى: أغلق الجهاز لأننى لا أريد أن أسمع أحداً منهم..!!، وفى اليوم الثالث كان الملك هادئاً وسلم أمره إلى الله وظل يلح علىَّ أن ابقى معه فى إيطاليا، حتى أنه عرض عليّ مليون جنيه لأقبل الحياة بجواره هناك ولكنى رفضت لأننى التزمت بكلمة شرف مع محمد نجيب على العودة باليخت إلى مصر سالما.   
 
   ويؤكد علوبة أن الملك فاروق لم يذق طعم الخمر فى أى يوم من الأيام لأنه كان يؤكد على حرمتها، وإن كان لديه بار فى قصره ليعزم على ضيوفه، لكنه كان لا يشرب معهم..!!أ، ما بالنسبة لعلاقاته النسائية فهذا محض افتراء وإشاعات لا أساس لها، كان يحب أن يحيط نفسه بعدد كبير من النساء إلا أنه لم يقم علاقات معهن..!!، كان يقبل على الأكل بشراهة ويحب أن تكون مائدته عامرة بأصناف الطعام المتنوعة. أما عن علاقته بـ"أنطون بولى" السكرتير الإيطالى الخاص به فكانت هى السبب فى تصرفاته الطائشة فى أواخر أيامه بمصر لأن الملك كان لا يرفض له طلباً وكان يقول لى: أنا وبولى مثل الأخوين لأننا نشأنا معاً..!!
 
فقد كان والد بولى يعمل كهربائياً فى القصر الملكى. وقد رفض مجلس قيادة حركة الضباط أن يسافر بولى مع فاروق، وتم اعتقاله، ثم أفرج عنه، وافتتح مطعماً شهيراً فى مصر الجديدة حتى مات ودفن فى مصر.
 
   يقول علوبة إن من سيئات الملك فاروق أنه لعب القمار فى أواخر أيامه، ذلك لأنه لميجد من ينصحه، كما أصابه اليأس بعد انفصاله عن الملكة فريدة واضطر للزواج من الملكة ناريمان من أجل إنجاب ولد ولكى يحبه الشعب، لأنه كان يقول إن ناريمان من عامة الشعب (كان والدها موظفاً بالسكة الحديد)، تزوجها الملك بعد أن أمرها بفسخ خطبتها من زكى هاشم المحامى. ويكمل علوبة: بعد عودتي لمصر التقيت بمحمد نجيب الذى شكرنى وعلمت منه أننى قد أحلت إلى المعاش وكنت أصغر لواء فى القطر المصرى. وانقطعت صلتى بفاروق تماماً وتم إدراج اسمى ضمن الممنوعين من السفر ولم يتم رفع اسمى إلا عندما أصبح ممدوح سالم رئيساً للوزراء.
 
   يرى البعض أن الملك المخلوع عاش حياة البذخ والسهر في منفاه، وأنه كان له العديد من العشيقات منهم الكاتبة البريطانية باربرا سكلتون . بينما قالت مطلقته الملكة فريدة وكذلك ابنته الأميرة فريال أنه لم يكن يملك الشيء الكثير بعد أن غادر مصر. وأثبت شهود العيان في المحكمة التي عقدتها الحركة لمحاكمة حاشيته ومعاونيه بعد خروجه من مصر، أنه حمل معه إلى إيطاليا 22 حقيبة بها ملابسه وملابس زوجته ناريمان وملابس الأميرات الصغيرات بالإضافة إلى مبلغ 5000 جنيه مصري علمًا بأن حسابه البنكي في سويسرا كان به 20 ألف جنيه. وبعد أقل من عامين في المنفى طلبت الملكة ناريمان الطلاق منه وسافرت إلى مصر دون إذنه، وأذنت لها الحكومة المصرية بذلك. وأعلن عن الطلاق أمام محكمة الأحوال المدنية وفي الصحف الرسمية. وطلب بعدها بأن يحل ضيفًا على إمارة موناكو التي عاش فيها معظم سنوات المنفى ومنحه الأمير رينيه جنسية موناكو وجواز سفر دبلوماسي عام 1960م  قبل وفاته بخمس سنوات. وكشفت ابنته الكبرى الأميرة فريال في برنامج تليفزيوني مع محطة mbc في سبتمبر من عام 2007م  أن والدها كان يتلقى إعانات مالية سنوية من الأسرة المالكة السعودية نظرًا للصداقة التي كانت تربطه بمؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود.
 
   توفي فاروق في ليلة 18 مارس  1965م، في الساعة الواحدة والنصف صباحًا، بعد تناوله لعشاء دسم، دستة من المحار وجراد البحر وشريحتين من لحم العجل مع بطاطس محمرة وكمية كبيرة من الكعك المحشو بالمربى والفاكهة في «مطعم إيل دي فرانس» الشهير بروما، وقيل أنه اغتيل بسم الأكوانتين(الممزوج في كوب من عصير الجوافة (على يد إبراهيم البغدادي أحد أبرز رجال المخابرات المصرية الذي أصبح فيما بعد محافظًا للقاهرة، الذي كان يعمل جرسونًا بنفس المطعم بتكليف من القيادة السياسية التي كانت تخشى من تحقق شائعة عودته لمصر.(روت اعتماد خورشيد في مذكراتها اعتراف صلاح نصر لها بتخطيطه لعملية القتل). شعر بعدها بضيق في تنفس واحمرار في الوجه ووضع يده في حلقه، وحملته سيارة الإسعاف إلى المستشفى حيث أسلم الروح.
 
   كانت وصية الملك فاروق أن يدفن في مصر وتحديدا في مسجد الرفاعي. رفض عبدالناصر الاستجابة لطلب الأسرة بتنفيذ وصية الملك الراحل فتم الإعداد لدفنه في روما. بعد إلحاح شديد استجاب عبد الناصر لوساطة الملك فيصل آل سعود ووافق أن يتم دفنه في مصر لكنه اشترط ألا يدفن في مدافن مسجد الرفاعي. في منتصف ليلة 31 مارس 1965م وصل جثمان الملك فاروق إلى مصر ودفن في تكتم شديد في حوش الباشا حيث مقبرة جده ابراهيم باشا بمنطقة الإمام الشافعي. في السبعينيات وافق السادات على طلب الأسرة وسمح بنقل رفات الملك فاروق ليلًا تحت الحراسة الأمنية المشددة إلى المقبرة الملكية بمسجد الرفاعي ودفن بجانب أبيه الملك فؤاد وجده الخديوي إسماعيل.