أشرف بشاى
مشكلة مصر الكبيرة مش في مسلميها، بل في مسيحييها الذميين
 
زمان، من ييجي ٢٥ سنة، روحنا حضرنا ندوة في مكان كاثوليكي في السكاكيني بالقاهرة، وكان دكتور رفعت السعيد (رئيس حزب التجمع وقتها) هو المتكلم في الندوة دي،
 
رفعت السعيد كان ماشي أياميها  بالطبنجة في جنبه، ومعاه أمين شرطة وعسكري معينين لحراسته، في وقت كان الإرهاب الله ينوّر والراجل مهدور دمه (بصوت أحمد راتب في الإرهاب والكباب).
 
القصد، حكى رفعت السعيد في الندوة دي إنه في يوم من الأيام جاله (في مظلمة يعني) واحد مسيحي غلبان أوي وحاله يصعب ع الكافر، حكي الراجل الغلبان ده حكايته وطلب المساعدة، فرفعت السعيد سأله: "بتعرف تقرأ وتكتب"، الراجل قال اه، فالسعيد إدّاله ورق وقلم وقاله:  "خد اكتب اسمك وبياناتك هنا،  واكتب في الورقة التانية شكوتك، وأنا هتابع مع المسؤولين، وهنساعدك، وهانتصل بيك نقولك تعمل ايه"، فالراجل المسيحي اترعش كدة وقاله: "لا يا بيه، انت عايزهم يحبسوني؟ أنا مقدرش اكتب اللي بتطلبه مني ده"،
 
فرفعت السعيد (وهوه -لا مؤاخذة- بيخلع جزمته) شتمه وقال له: "ياللا من هنا يا ابن ال #$&@& انت جاي لي هنا عشان أساعدك، وانت مش عايز تساعد نفسك؟! ياللا من هنا لأطلّع تربتيت #&@$&@ .. وأمر الساعي بتاعه يرموه برّة جنب صناديق الزبالة!
 
تحضرني برضه قصة تانية هنا ما زالت مؤلمة لي رغم مرور اكتر من ٣٠ سنة: أستاذ دكتور بجامعة أسيوط، مسيحي الديانة انجيلي المذهب، بيحضر في كنيسة إنجيلية كنت أتردد عليها في الوقت ده. في يوم أخدت معايا صديق لي (وكان ارثوذكسي المذهب وجاي معايا الكنيسة على سبيل المجاملة مش اكتر). المهم، زميلي لمح الاستاذ الدكتور فقالي "دكتور فلان اهو"، قلت له: "طب ياللا نسلم عليه"، فزميلي اتفلت مني وهرول بعيد وهو بيقولّي: "مش ممكن! الدكتور ده معروف انه بيسقّط أي طالب مسيحي في مواده، حتى لو كان الطالب ده متفوّق". فأنا -بكل براءة (وسذاجة)- سألت زميلي: "ازاي يعني يسقطه وهو شاطر ومتفوق"، زميلي قاللي: "هوه كدة، عشان محدش يفتكر انه بيجامل المسيحيين اللي زيه". فأنا قلت: "ما قلناش يجاملهم، بس يدّيهم حقهم"، رد زميلي: "هوه كدة وإذا كان عاجبك"!
 
وفي الوقت اللي احنا فيه ده، وبينما اكتب البوست ده، كل الناس في مصر -مسيحيين ومسلمين- عارفين قصة المستشار المحترم الاستاذ هشام هيكل اللي دافع عن حق مستشارة مسيحية زميلة له اسمها "إحسان لوقا" (على ما أذكر). السلطات تخطّت الأستاذة إحسان في الترقية، لا لسبب إلا لكونها مسيحية، قوم المستشار الخلوق المحترم يدافع عنها، فيتم التنكيل بيه وفصله من عمله وقطع راتبه وبهدلته في المحاكم وعدم تجديد أوراقه الثبوتية ... الخ الخ الخ من أساليب التركيع والإذلال والتخويف. كل ده كوم، لكن الكوم الأكبر هو ان المسيحيين المصريين عاملين ودن من طين والودن التانية من طين برضه ومش عايزين يساعدوا الراجل اللي دافع عن زميلته بالحق، بل ان الاستاذة محاسن نفسها -وبحسب متابعتي للموقف- غلّطت زميلها الخلوق المحترم اللي دافع عنها وأظهرت كل أمارات الذمية والانبطاح! طبعًا ده درس قاسي لأي شخص محترم (مسيحي كان أو مسلم) انه ما يدافعش عن الذميين لأنهم بالتأكيد يستاهلوا كل اللي بيجرالهم وأكتر!
 
عندي عشرات القصص اللي زي دي وكلها بتصب في نفس الخانة: معظم مسيحيي مصر ذميين حتى النخاع، عصور التهميش الطويلة والتضييق والاضطهاد الممنهج خلت معظم المسيحيين في مصر قابلين الظلم، ومتعايشين معاه، وبيبوسوا الايد والرجل والكتف -مشيها الكتف زي بعضه- عشان بس يعيشوا، في تجسيد حي لمتلازمة زفت استكهولم، حتى ولو كانت العيشة دي هباب ومنقوصة الحقوق أو منعدمة الحقوق ولقمة العيش متغمسة بالمر وكسرة القلب. وحتى لو كانت مئات السنين من المذلة وسف التراب مجابتش الا مزيد من الهوان والكرب والمعاملة الحقيرة. يزيد الطين بلة إن السلطات في مصر لا تصعّد أي مسيحي لمنصب ديني أو دنيوي إلا متى أظهر هذا المسيحي كل "أمارات وعلامات وآيات الخنوع والطاعة والولاء"، يعني لازم -بالعربي- يكون المسؤول المسيحي خيشة أو ممسحة أحذية.
 
عشان كدة جائزة أوسكار الذمية المسيحية المصرية، بيتنافس عليها القادة الدينيون المسيحيون الذين استمرأوا طول عمرهم "شغل العصافير والخبص وضرب الأسافين" أحدهم في الآخر عند الأجهزة الأمنية، ومن زمن الخلفاء العباسيين إلى اليوم صارت هذه الأسافين والحروب الخفية بين القادة المسيحيين هي الملعب الذي أجاد فيها أولئك الخلفاء لعبة "التحكيم العادل" بين البطاركة في عصور الانهزام والتراجع والانحطاط! وما أشبه الليلة بالبارحة!
لكن خام الذمية النقي يحظى به دائمًا النصارى -نصارى وليسوا مسيحيين- الذين متى وجدوا شخصًا مسيحيًا يكتب أو يتكلم انتهروه ليسكت.  وأحيانًا يصل الأمر الى الشتيمة بالأب والأم، وقد يلقى المسيحي الشجاع الاتهامات الجزافية بالخيانة والعمالة والتمويل "خاصة من أمريكا واسرائيل والحركة الماسونية" (والمهلبية)، ولعلها حيلة نفسية بشعة بها يحمي الذمي الجبان نفسه لأن العين الرمداء تكره النور!
وفي السياق، خالص التحية للأستاذ الفاضل مجدي خليل، ولمنظمة كوبتك سلودارتي، ولأصدقائي الشجعان المنياوية الثلاثة أربعة اللي عارفين نفسهم (دونًا عن بقية شعب المنيا البار اللي مش عارفين يحموا بناتهم من الغواية أو الخطف)، ولكل مسلم جريء ومستنير ومؤمن بقيم المواطنة.
مش قلت لكم: مشكلة مصر في مسيحييها مش في مسلميها؟
فوتكم بالعافية
#أين_الملح؟
#أين_النور؟
#الذميون_يمتنعون
#الذمية_الحقيرة
#مواطنون_لا_ذميين