كتب – روماني صبري 
لم تنجو "داليدا" المغنية العالمية بنت حي شبرا من الاكتئاب، إذ قررت ذات يوما تناول جرعة زائدة من أقراص الباربيتورات المهدئة، وتم الإعلان عن انتحارها يوم الأحد الموافق 3 مايو 1987عن عمر يناهز 54 عاما،  بعد أن تركت رسالة قالت فيها " سامحوني الحياة لم تعد تحتمل "، لتدفن بعدها في مقبرة مونمارتر بالعاصمة الفرنسية باريس،  وقد تم صنع تمثال لها على القبر بنفس الحجم الطبيعي لها وهو يعتبر أحد أكثر الأعمال المنحوتة تميزًا في المقابر الخاصة بالمشاهير.
ملكة جمال مصر 
اسمها يولاندا كريستينا جيجليوتي، من مواليد 17 يناير عام 1933، في حي شبرا بمصر، أصابت نجاحا عظيما في الغناء، وهي ايطالية مصرية ولدت في شبرا لأبوين من المهاجرين وتعود أصولهما إلى جزيرة كالابريا في جنوب إيطاليا، بدأت حياتها بالمشاركة في مسابقة ملكة جمال مصر وفوزها بها سنة 1954، بدأت حياتها الفنية في فرنسا وغنت بتسع لغات: العربية والإيطالية والعبرية والفرنسية واليونانية واليابانية والإنجليزية والإسبانية والألمانية.
تمصرت 
هاجر أجدادها إلى مصر باحثين عن الرزق كما كان حال الكثير من الأجانب في بداية القرن العشرين الذين هاجروا بدافع الفقر والهرب من الحروب في بلدانهم آنذاك حيث كانت مصر بلدا آمنا ومزدهرا اقتصاديا.
 
ربما ورثت الموهبة من قريبتي 
تعلمت (يولاندا)، العزف وأخذت دروسًا في الغناء، لكن حلمها بأن تصبح ممثلة مشهورة لم يفارقها، لاسيما بعد أن سمعت بأنه كانت لديها قريبة هي الممثلة الإيطالية Eleanor Duse، التي كانت وفاتها في العام 1924، كانت الوحي لستانيسلافسكي لتأسيس مبادئ مدرسته الشهيرة في التمثيل إذ كان يمضي ساعات يشاهد أداءها ومنه يستقي المبادئ، ومن هنا ولد لديها شعور بأنها تمتلك موهبة ربما تكون قد ورثتها من عمتها.
حبها الأول 
عاشت داليدا طفولة طبيعية بين أسرتها، تذهب إلى المدرسة والكنيسة، كأية طفلة، وما إن أصبحت بالغة حتى أخذ والدها الحاد الطباع يمنعها من الخروج مع أصدقائها وصديقاتها، لاسيما بعد أن قضى عدة أشهر في السجن لأنه كان إيطاليًا ومصر كانت إبان الحرب العالمية الثانية تحت حماية المملكة المتحدة، وبعد مرور الوقت وجدت داليدا طريقة للهروب من مراقبة والديها، فكانت تذهب إلى الكنيسة الصغيرة وهما مطمئنان عليها، لكنها لم تكن تذهب للصلاة، بل كانت تنتظر فتىً من أصل إيطالي اسمه (أرماندو)، كانت تأتي إلى الكنيسة وتقف في مكانها المفضل البعيد عن الناس، حيث اعتادت ان تقف فيه في طفولتها لأنها كانت تشعر بالحرج من عينها المحولة التي أجرت لها ثلاث عمليات جراحية فيما بعد.
 
 كانت تسمع وأرماندو القداس، كان الفتى حب داليدا الأول، وقد اقتنعت بالحياة الاعتيادية كأية امرأة في البداية بسبب ضغط والدها في أن تصبح زوجة وأما كما هو الأمر الطبيعي، ولكن الوالد توفى إثر جلطة في الدماغ، فبدأت تتطلع لحياة أخرى بعيدة عن القناعة بالبيت البسيط وكل ما يتعلق به من أمور.
لنترك شبرا 
ومرت الأيام وقررت داليدا السفر إلى فرنسا بحثًا عن الشهرة، برغم اعتراض والدتها، وفعلًا في 24 كانون الأول سنة 1954 سافرت إلى باريس وهناك  دأهمها شعور بالقلق والوحدة، حالما حطت اقدامها ارضها، فقد كانت المدينة مغطاة بالثلج وكانت الرياح تعصف بها فاشتاقت إلى الشمس الدافئة في مصر، لكنها كانت تعلم أن سفرها وتغربها هو ضريبة الرغبة في الشهرة.
 
فاستبدلت قلقها فورًا إلى ثقة مطلقة عندما تخيلت مستقبلها، نزلت في فندق بسيط في منطقة قريبة من شانزليزيه، وفي صباح اليوم التالي كان لديها موعد مع (هنري فيدال) الرجل الذي وعدها بالمساعدة، ولكن اتضح ان علاقات هذا الرجل كانت بمنتجين يعملون في حقل الأفلام الضعيفة جدًا، فتيقنت أنه لن يستطيع مساعدتها فقررت ان تعتمد على نفسها، فقامت بتقديم طلبات إلى وكالات مختلفة تبحث عن مواهب في مجال التمثيل، لكن المتقدمين كانوا أكثر مما تصورت.
 
أخذت تبعث برسائل لوالدتها في مصر تشرح لها كل ما يجري، فتمنت الام ان تعود ابنتها إلى مصر ثانية، لكن داليدا لم تعترف بالهزيمة مطلقًا، وفي النهاية لم يكن لديها خيار سوى العودة وذلك بعد نفاذ المال، فحزمت حقائبها وتوجهت إلى مكتب الحجز لتحصل على تذكرة عودة إلى القاهرة.

تملكين صوت مميز 
أدركها رجل يدعى (رولاند برجر)، هذا الرجل أعجبه قوامها وشعرها، فاقتنع انها لابد ان تكون تملك مواهب بحاجة لمن يكتشفها، فتقدم إليها وتعرف بها، كان الرجل مدربًا للصوت، فتطورت علاقتهما فحاول اقناعها بالغناء وان تصرف النظر عن فكرة التمثيل، فهي تتمتع بصوت مميز، وان الغناء سيفتح لها أبواب الشهرة، لم تتقبل الفكرة، لكن الرجل استمر باقناعها حتى وافقت، فبدأ باعطائها دروسًا في الصوت، وتحمل كل عصبيتها ومشاحناتها معه بسبب حدة طباعها التي ورثته من والدها، حتى تمكن من تقوية صوتها فأصبحت قادرة على الغناء بشكل جيد، فأخذت تغني في الكباريهات الفرنسية.
 
ذات مساء اعتلت المسرح فشاهدت شخصًا مهمًا كان يجلس مع اصدقائه وتعرفت عليه بسرعة مما سبب لها مزيجًا من الفرحة والخوف، كان هذا الرجل يدعى”برونو “ مدير أولمبيا أشهر قاعة موسيقى في باريس. 
 
كان برونو يبحث عن مواهب جديدة وشابة فرأت فيه فرصة عمرها، فأدركت ان عليها ان تكون في أفضل حالاتها على المسرح حتى يلاحظها فغنت بشكل رائع لدرجة ان برونو قطع محادثته مع الاصدقاء وبقى يسمع بأذنيه ذاك الصوت المميز فأخرج ورقة وكتب عليه اسمها وهي تشاهده من بعيد.
 
من أحبتهم ماتوا منتحرين
تزوجت من أول رجل حبته بصدق "Lucien Morisse" انفصلا عن بعضهما بعد زواج دام عدة أشهر فقط رغم أن حبهما كان حديث المجتمع في ذاك الوقت، فقد كان كل واحد منهما يصرح للآخرين بأنه متيم بالآخر ولا يمكنه أن يعيش بدونه لأنه حب حياته وما إلى ذلك.
 
 وكان سبب الانفصال هو بعد أن عثرت داليدا على حبها الحقيقي بعد أن اعتقدت أن حبها هو في من تزوجته وكان الرجل الذي تركت داليدا زوجها من اجله هو الرسام " Jean Sobieski " (فيما بعد تزوج امراة أخرى، بعد سنوات قليلة زوج داليدا الأول لوسيان توفي بعد أن اطلق النار على نفسه بعد فشله بزواجه الثاني ومحاولاته أيضًا لرجوع لحبه الأولى.
 
سنة 1967 دخل العشق إلى قلب داليدا عندما التقت بالشاب الإيطالي "Luigi Tenco" وكان مغني لا يزال في بداية طريقه وقد دعمته دليدا ليصبح نجمًا لكن الفشل طرق بابه بعد مشاركته بمهرجان سان ريمو سنة 1967 فأنتحر بمسدسه في أحد الفنادق والمؤسف في الأمر ان داليدا كانت أول من رأى جثته ممددة ومغطاة بالدماء، عندما ذهبت لتواسيه بعدم نيله التقدير في المهرجان والذي شاركا فيه! وعندما تمكنت من نسيان الماضي أحبت رجل بفترة السبعينات ولكنه هو الآخر توفي منتحرا.