يوسف عز الدين

القدسُ، مدينة الألم والمعاناة عبر التاريخ، كانت لوهلةٍ مرَّت قبل ألفي سنة عاصمةً للعبرانيين، وسُميت آنذاك تقديسًا لها وتبجيلًا : أوروشاليم، بيت هميقداش .. ثم صارت عاصمة وثنية على النسق الروماني، ونُصب فوقها تمثال لإله كوكب المشترى "كابيتولين جوبتر"  وصار اسمها آنذاك : إيليا كابيتولينا ، تقديسًا لمعبودها وتكريمًا للإمبراطور الذي دمَّرها على رؤوس اليهود، ثم أعاد بنائها على الطراز الروماني : إيليانوس هادريان .. ثم صارت في الردح المسيحي، واحدة من مدن الله العظمي في الأرض، وارتبطت في عقيدة الكنائس بقيام المسيح من الموت، وسميت آنذاك : إيلياء .. وبعدما فتحها المسلمون صُلحًا (بغير قتال) خملت المدينة لعشرات السنين، ثم بنى فيها الخليفة الأموي الماكر الفاجر، هادم كعبة مكة، عبد الملك بن مروان" قبة الصخرة" وأقيم لاحقًا بجوار هذه القبة، المسجد المعروف بالأقصى وصار اسم المدينة "بيت المقدس"ويقال لها تخفيفًا : القدس
 
وعلى ماسبق، واستنادًا إلى تاريخ هذه المدينة المسماة اليوم " مدينة السلام" مع أنها كانت دومًا مدينة الدم والصراع والقتال والقداسة .. فإنه لا يجوز لأصحاب أي ديانة، المناداة بأنها عاصمتهم الروحية، فالروح لا عواصم أرضية لها .. ولابد في خاتمة المطاف أن يأتي يومٌ يتعقَّل فيه الناس ويتوافقوا على أن هذه المدينة، تاريخيًا، من حق أتباع وأهل هذه المذاهب كلها، والديانات : 
 
اليهودية التوراتية، اليهودية السامرية، اليهودية الأسينية، الوثنية الرومانية، الصابئة وعبدة الكواكب، المسيحية الأرثوذكسية، المسيحية الكاثوليكية، المسيحية البروتستينية، الإسلام السُّني، الإسلام الشيعي
 
القدسُ مدينة كل الأديان بالمنطقة، ما استمر منها وما اندثر، ولن يصح أن تكون مستقبلًا عاصمة لفريق من القرناء الفرقاء .. وإلا دام الدمُ النازف، وبقي القتلُ الجارف، وصار الدمارُ دائمًا أبدًا