سليمان شفيق 

يحل علينا شهر رمضان المعظم، ذلك الشهر الكريم الذى يذكر المصريين بانتصاراتهم علي الاعداء، سواء على التتار فى موقعة عين جالوت أو على الصهاينة في حرب اكتوبر المجيدة، ويتعانق الشهر الكريم مع الاربعين المقدسة وعيد القيامة ، مما يجعل المصريين يربطون بين النسك والروحانية والصيام للتغلب على المحن والصعاب
 
وهكذا يشترك المصريين مسلمين ومسيحيين بالصيام ،المسلمين الاقباط بالشهر الكريم والمسيحيين الاقباط بالاربعين المقدسة  ، فى دلالة ربانية موحية بحب الله سبحانه وتعالى لهذه الأرض المباركة وهذا الشعب العظيم، الذى ذكر فى كل كتبه المقدسة من توراة وإنجيل وقرآن. ولا أعتقد أنه يوجد شعب فى العالم يتميز عن الشعب المصرى فى علاقته بالصوم، فنجد -وفق كتاب «فقه السنة» العبادات، المجلد الأول- أن المسلمين يصومون -بالإضافة إلى شهر رمضان المعظم- ثلاثة أيام فى شهر شعبان (13، 14، 15) ووقفة عرفات، ويُزيدون اختياريا إلى عشرة أيام، وفى شوال الستة أيام البيض، وأول ونصف والسابع والعشرين من رجب، بالإضافة إلى 104 أيام اختيارياً، وهى الاثنين والخميس،
 
ليصل الإجمالى ما بين 147 يوماً يزيد اختيارياً إلى 201 يوم. أما الأقباط فيصومون 55 يوماً هى الصيام الكبير و3 أيام و42 يوماً الصيام الصغير، و40 يوماً هى صيام الرسل، و15 يوماً هى صيام السيدة العذراء، ومن الممكن أن يزيدوا اختياريا إلى 21 يوماً، إضافة إلى الأربعاء والجمعة إلى 256 يوماً كل عام واختياريا 266 يوماً فى العام، ومن ثم نجد أن إجمالى صوم المصريين 406 أيام فى العام، وفى حالة الزيادات التطوعية تصل إلى 467 يوماً من 365 يوما هى أيام السنة. أى أن الشعب المصرى تتجاوز فيه سنة الصيام أيام العام بأكثر من 100 يوم! ولم يدرس أحد هذه العلاقة بين المصريين والصيام من منظور حضارى واجتماعى. ترى هل هى حب أو خوف من الله سبحانه وتعالى، أم أن الأمر ارتبط بتكرار شدة المظالم، التى وقعت على المصريين على مر العصور فلم يعد أمامهم من ملاذ آمن سوى اللجوء لله سبحانه وتعالى، أم أن قيم الحرمان النسبى والتحديات الجسورة الاجتماعية دفعتهم إلى ازدياد قدرتهم فى الانقطاع عن الطعام؟ كل هذه الأسئلة مشروعة وما يمكن أن يضاف لها من ارتباط الصوم روحيا ودينيا وحضاريا بالهوية المصرية، فالمصريون المسلمون من أهل السنة، لكنهم يصومون عاشوراء ويحبون آل البيت ويتقربون من الأعتاب. والصيام كذلك ليس سرا من أسرار الكنيسة القبطية، لكنه يرقى فى الحياة الروحية للأقباط إلى مرتبة السر. والمصريون جميعاً يؤمنون بشفاعة الرسل وأولياء الله الصالحين والقديسين. والمصريون، مسلمين وأقباطا، يحتفلون سنوياً بما يزيد على مائة مولد واحتفالية بولى أو قديس أو قديسة، إضافة إلى الأذكار التى يذكر فيها اسم الله وتروى فيها قصص السلف الصالح. إن هذه الهوية الروحية لأبناء الشعب المصرى العظيم بما لها وعليها لا يمكن أن تمحى من جبين مصر وقلوب المصريين. هذا النيل الذى يفيض روحيا ووجدانيا وإنسانيا ليزيح القهر والكرب عن مصر كل مصر حماها الله وكل عام أنتم بخير.