د. مينا ملاك عازر

تتلخص نظرية الخنزير بأن أحد الحكام الظلمة أمر باعتقال مواطن وحبسه انفرادياً في زنزانة مساحتها ثلاثة أمتار مربّعة دون أي سبب، فغضب المواطن وظل يركل باب زنزانته ويصرخ :  أنا بريء ، لماذا تم اعتقالي وإيداعي السجن ؟! ولأنه تجرأ ورفع صوته قائلًا: أنا بريء! وأحدث بعض الضجيج، أتت الأوامر بنقله إلى زنزانة مساحتها متر مربع فقط، فعاود صراخه   لكن هذه المرّة لم يقُل أنا بريء، وإنما قال: حرام تسجنونني في زنزانة لا يمكنني النوم فيها إلا جالساً.
 
صراخ المواطن مرة أخرى أزعج سجانه.
فأمر الأخير بإدخال تسعة سجناء آخرين معه في نفس الزنزانة، ولأن الوضع أصبح غير محتمل، نادى المساجين العشر مستغيثين: هذا الأمر غير مقبول، وكيف لعشرة أشخاص أن يُحْشروا في زنزانة مساحتها متر مربع واحد ؟ هكذا سنختنق ونموت، أرجوكم انقلوا خمسة منا على الأقل إلى زنزانة أخرى،  فما كان من السجان الذي غضب منهم كثيراً بسبب صوتهم المرتفع، إلّا أن أمر بإدخال خنزير في زنزانتهم وتركه يعيش بينهم!
 
حينها جُن جنون هؤلاء المساكين وأخذوا يرددون: 
كيف سنعيش مع هذا الحيوان القذر في زنزانة واحدة، شكله مقزز،  ورائحة فضلاته التي ملأت المكان تكاد تقتلنا  أرجوكم لا نريد سوى إخراجه من هنا، فأمر الحاكم السجّان بإخراج الخنزير وتنظيف الزنزانة لهم! وبعد أيام  مرّ عليهم وسألهم عن أحوالهم، فقالوا : حمداً لله  لقد انتهت جميع مشاكلنا، هكذا تحولت القضية إلى المطالبة بإخراج الخنزير من السجن فقط ونُسيت قضية مساحة السجن والقضية التي قبلها والتي قبلها والتي قبلها حتى القضية الرئيسية الأولى وهي سجن المواطن الأول ظلماً، لم يعد أحد يتذكرها!
 
وهذه هي_نظرية_الخنزير باختصار، وهكذا هو واقع الحال في دولة أرغندان  حيث يخلقون مشاكل جديدة حتى تنسى المشاكل الاصلية، ثم يطبقون نظرية الخنزير والإلهاء بكل براعة، جربت في تلك الدولة ونجحت بامتياز ومازالت التجارب مستمرة، فهناك في تلك الدولة وقعت، فجأة عدة حوادث صادمة، ولكي ينسى الناس فداحة المصيبة الأولى حدثت الثانية والثالثة، وكل مرة الناس يلهون في الضحايا ومحاسبة وإقالة بعض المسؤولين والمطالبة بهذا، وذاك لكن أحد لم يفكر في القضية الرئيسية والأولى، وهي سر وقوع الحوادث، مستوى تعليم العامل البشري وقدرات المعدات، ومدى الالتزام في صيانتها، وكأن الخنزير يكاد لو خرج،  سيقول الجميع أن كل مشاكلهم تم حلها ونسى الجميع أن عدم وجود المسؤول المتخصص والقادر على الحل هو سر المشكلة، واختيار الذين نجحوا ربما في مجالات بعينها لا يعني بالضرورة نجاحهم في مجالات أخرى، وتظل الدائرة تتسع على قاطني أرغندان حيث غياب أهل الخبرة عن المشهد وتصدر المشهد من قبل أهل الثقة الذين وإن نجحوا في أمر ليسوا بالضرورة قادرين على النجاح في كل شيء.
المختصر المفيد المسجون بريء مع احترامي للضحايا التاليين، علينا أولاً نعمل لإنقاذ الضحايا القادمين.