حمدى عبد العزيز

هناك الكثيرون ممن ساهموا في نقل زاوية رؤيتي لعالم الفيسبوك من مجرد الرؤية السطحية التي كانت تراه مجرد عالم افتراضي يسير علي خط وهمي مواز للواقع  .. إلي رؤية أعمق تراه عالماً إتصالياً فاعلاً عبر عمق تأثير وظيفته الإتصالية بالواقع ودقة حساسيته تجاه الأحداث وماتفعله من ردود فعل حية تشعر بلحظيتها وحرارتها وتستطيع أن تتفاعل معها بنفس اللحظية والحس الحاضر  .. لكنني مدين أكثر بهذا لهؤلاء الأصدقاء الذين يمتلكون حضوراً إنسانياً صادقاً لايمكن للوجدان إلا أن يتعامل معه بإحساس صادق حقيقي لدرجة أن الإنسان يشعر أنه أمام تجسد حي للجوهر والروح الإنسانية الكامنة في هذا الشخص أو ذاك بالقدر الذي قد يطمسه بعض من غبار الواقع .. 
 
ومن هؤلاء الأب صرابامون الشايب الذي تصادف ارتباطه بحسابي منذ سنوات ، وجدت نفسي أمام شخصية إنسانية في منتهي التفتح العقلي والتسامح والرقة الشديدة والرقي الأخلاقي والجمال الإنساني لدرجة أنني كنت اتعامل مع حضوره عبر المداخلات والنقاشات سواء هلي الصفحة العامة أو علي الخاص باعتباره حضوراً ملموساً  ..
 
كان - كما خبرته بصيرتي - يتمتع بأفق رحيب وفكر منفتح يناقش ويحاور في كل الموضوعات بحس وطني صادق وعقل متقد وثقافة موسوعية عميقة تجعل المتحاور معه يخرج رابحاً افكاراً وابعاداً وأعماقاً جديدة في كل حوار  ..
 
باستمرار كان يتابع كل مااكتب ويكتب لي رأيه محفزاً أو ناقداً سواء عبر المداخلة المباشرة أو عبر مايوفره الخاص من مساحة أكبر لتعميق الحوار علي نحو كنت اعتبره فرصة للتعلم وتجديد وتنشبط وتعميق بعض المعارف والأفكار  ، كثيراً مادعمني وشجعني وكان مدداً لي في الحفاظ علي شغف قراءة الأحداث والقضايا والموضوعات والكتابة عنها ..
 
لم تفته أية مناسبة أو فرصة ليؤكد لشخصي المتواضع مشاعر حقيقية صادقة من المودة والمحبة ..
 
كان دائم الإطمئنان علي في الأوقات التي كان يتلاحظ فيها عدم الحضور والتغاعل مع الأحداث من قبلي ، كان يتصل بي علي الخاص أو يكتب لي يطلب الإطمئنان  ..
 
في العام الماضي عندما علم أنني أصبت بفيروس الكرونا ظل يؤازرني طوال مرضي لدرجة أنه لم ينقطع يوماً عن التواصل معي علي الخاص 
 
.. لكنني انذكر من بين كل ماكتب لي هذه الرسالة التي تركها لي علي الخاص ، والتي أعتبرها قطعة من الأدب الإنساني الرفيع سأستأذن روحه النقية الطاهرة في نشرها نصاً لكونها تعبير صادق عن الحس الإنساني النقي والتواضع الجم .. 
 
((صديقي واستاذي الجميل ،
في غاية القلق علي غالي صحتكم ، اتضرغ واصلي للرب الحنون بلجاجة أن يمن عليكم بالشفاء العاجل وتعود وتهل علينا بمقالات
التي تنير وتنور عقولنا  ،
ختاما الرب معك 
أخيك الصغير 
القمص صرابامون الشايب رئيس دير القديسين الطود ... ))
 
وهكذا 
وهكذا عرفته  ..
وهكذا كانت تساعدني كلماته علي النفاذ لجوهره الإنساني النبيل  ..
 
في فترة مرضه الأخير كنت أطمئن عليه باستمرار  ، وكان كعادته يشكرني بكل المحبة لكنني شعرت بأنه يعاني معاناة شديدة ويتحمل آلام كبيرة علي النحو الذي جعلني لاأثقل عليه ولااحاول التوغل في الاستفسار عن طبيعة مرضه والتفاصيل المتعلقة بعلاجاته ، كل ماكنت أقوم به هو محاولة طمأنته إلي أنه سيقوم في أفضل صحة وحيوية تعبيراً عن تمن صادق في صميم عمقي الوجداني ..
 
في الرسالة الأخيرة منذ أيام قبل أن يتوقف تماماً عن الرد علي اسنفساراتي عن صحته كتب لي في الرابع من هذا الشهر 
((الأمر فظيع جداً صليلي..))  
 
شعرت ساعتها بأن الرجل يعاني معاناة وصلت لذروة من التعب الجسدي والإعتلال الصحي ، وأن وطأة الألم قد وصلت إلي القدر الذي يصعب علي الجسم مقاومة المرض وتفاقم أثره في إنهاك البنيان  ..
 
لااعرف هل أن عبارة مثل (شعر ساعتها بانقباض ما)  تصلح لوصف مشاعري فعلاً أم لا  .. في لحظة قرائتي لرسالة صديقي الإنسان الجليل الأب صرابامون .
 
لكنني ادركت أنها الرسالة الأخيرة  ، وأن وقت تخفف الروح تخفف الروح من الامها وأحمالها قد حان  ، وأنه لم يتبق لي سوي تضرعاتي انتصاراً لهذه الروح النقية التي لايمكن لي تحمل عدم حضورها  ..
 
تضرعاتي التي لن يتوقف عنها صميمي الوجداني لروحك الطاهرة الرائعة العظيمة بالرحمة والخلود في نعيم أبدي ياصديقي الذي ادركت - عبر بصيرتي - روعة روحه وجماله الإنساني رغم أن يدي لم تصافحك مصافحة الجلد للجلد .. 
 
سأظل فخوراً أنني عرفتك وأننا كنا أصدقاء وكنت لي شقيقاً جليلاً  ..