محمود العلايلي
من المسائل التى تشغل بال الغالبية هذه الأيام ولا يكاد يخلو منها حديث عائلى أو بين الأصدقاء أو حتى فى محيط العمل هو موضوع اللقاح ضد فيروس كوفيد-19، وتتركز أغلب المناقشات حول آلية التطعيم، بداية من التسجيل، مرورًا بالتواصل، نهاية بشرح كل فرد لتجربته الشخصية فى مكان تلقى التطعيم ووصف المكان ونظامه أو التعليق على النظافة وترتيبات أولوية الدخول، ثم يكلل الحديث بسيرة وزارة الصحة ودورها فى الموضوع الذى غالبا ما يكون الرأى سلبيا حتى لو كانت كل المعطيات السابقة إيجابية، بينما هناك مجموعات قد تجاوزت ذلك إلى الحديث عما بعد اللقاح بالتعليق على النوع الذى تم حقنه به، والمقارنة بين اللقاح الصينى (سينوفارم) واللقاح الأوروبى (أسترازينيكا) ومدى فاعلية كل منهم، إلا أن الكثيرين يأخذهم التعليق على الأعراض الجانبية التى تعرض لها كل منهم وخاصة التعب البدنى وارتفاع درجة الحرارة والشعور بتملك فيروس كورونا منهم، ومحاولة تمرير نصائح خفية للأصدقاء بمحاولة تفضيل لقاح على الآخر، على أساس هذه الأعراض وانتشارها فى حالة «الأسترازينيكا» وعدم حدوثها فى حالة «السينوفارم».

أما المجموعة الثالثة من المواطنين، فهى المجموعة التى مازالت تناقش إن كانوا يسجلون أنفسهم على موقع وزارة الصحة من الأساس أم لا، تحسبًا لكل هذه الأعراض الجانبية، أو على خلفية أن تعاطى المصل لن يغير من حياتهم أو حياة من حولهم شيئا من ناحية عدم القدرة على التخلص من كمامات الوجه وعدم قدرة الحكومات على تجاوز الإجراءات الاحترازية، وخاصة فى التجمعات سواء قبل اللقاح أو بعده، بينما هناك فريق ثالث يعلن بعضه أسباب رفضه الحقيقية ويتحفظ الباقى على ذلك وهى مسألة المؤامرة الكونية الموضوعة بعناية للتحكم فى البشر والتى تبدأ بنشر المرض، وتمر بمرحلة اللقاح وتنتهى حتما- من وجهة نظرهم- إلى الشريحة المدمجة الموضوعة تحت الجلد للتحكم فى البشر بحجة الرعاية الصحية والمتابعة الفورية لكل شخص.

والحقيقة أننا لا يمكننا بأى حال المصادرة على أى فريق من هؤلاء، لأن الحكومات لم تعد لها السيطرة الكاملة على المواطنين كما فى سابق العهود، وخاصة بانتشار تأثير منصات التواصل الإجتماعى وتأثير محتواها على توجيه الرأى العام حتى وإن ساد حاليا تيار الدعوة إلى أخذ اللقاح أيا كان نوعه، ولكن كان للتوجيه السلبى الذى سبق هذه المرحلة تأثيره - وما زال - حيث راق ذلك للمتفلسفين فى الطب وللمتشككين وأصحاب نظريات المؤامرة الأزلية سواء كانت فى السياسة أو فى الاقتصاد والرياضة. أما العامل الآخر الذى لا يجعل الحكومات قادرة على فرضه بالقوة إلى الآن، أنهم لم يوفروا الأعداد الكافية التى تعطى لهم القدرة على إجبار المواطنين عليه وفرض عقوبات على عدم الالتزام بذلك.

وهو ما يأخذنا إلى منحى آخر من النقاش، لأن ما سوى ذلك لا يعد إلا تضييعا للوقت وقتلا للفرص للتسابق على اللقاح قبل مرحلة سيكون فيها إلزاميا، على الرغم من المناقشات الدائرة فى الغالب بين بعض مثقفى منصات التواصل الإجتماعى، والبعض الآخر بين من تم توجيههم من خلال تلك المنصات.. ولذلك فمن المهم أن يكون هناك منطوق مختصر ومفهوم للحث على التطعيم يتلخص فى نقاط محددة، وهو أن اللقاح لن يغير كثيرا فى نمط الحياه الحالية بقدر ما سيمنع خطر الموت نتيجة العدوى من الفيروس، كما أنه سيكون بمثابة الترخيص للسماح بالتحرك وارتياد الأماكن العامة، والالتحاق بالوظائف أو الاحتفاظ بها، بالإضافة طبعًا إلى السفر والتنقل وإقامة العمليات التجارية وعقد الصفقات بالحضور البدنى عوضا عن العمل الافتراضى كما هو حاصل حاليا.
نقلا عن المصرى اليوم