الأب رفيق جريش
الشائعة أو شبه الشائعة الأولى التى أعلنت نقل عيد شم النسيم من الإثنين إلى الخميس أسوة بالأعياد غير الدينية الأخرى أقامت الدنيا ولم تقعدها فى وسائل التواصل الاجتماعى وبعض الصحف، على اعتبار أنه تقليديًّا عيد ورثناه من أجدادنا الفراعنة وكان له اهتمام كبير، إذ إن عيد «شمو» الفرعونى هو عيد الحصاد أو عيد بداية الخلق، ويحتفل به المصريون منذ آلاف السنين. فلم يتصور أغلب المصريين أن يُنقل هذا العيد، خاصة أنه مع الوقت أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بعيد القيامة لدى المسيحيين، إذ هو ثانى يوم لعيد القيامة.

فمع هذا الضغط الشعبى، تراجعت الحكومة ووضعت برنامجًا للإجازات، فأبقت مشكورة شم النسيم كما هو، ولكن الخطأ السياسى والوطنى الفادح هو اعتبار عيد المسيحيين الواقع يوم الأحد 2 مايو إجازة «لعدم التكدس»، وأنا متأكد أن هناك موظفًا ما ورط رئيس الوزراء المحترم الدكتور مصطفى مدبولى فى وسط أشغاله بهذه التسمية، وبعد عدة ساعات من النكت والهجوم على وسائل التواصل الاجتماعى، هنأ السيد رئيس الوزراء المصريين المسيحيين بعيد «القيامة»، بعد أن كان الكثيرون قد توجسوا لماذا الدولة لا تسمى العيد باسمه «عيد القيامة». فهل هى واقعة تحت ضغط سلفى أو إخوانى أو شىء من هذا القبيل؟ ولكن تهنئة رئيس الدولة الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس الوزراء أثلجت الصدور وأصبحت الفرحة فرحتين.

هذه الأخطاء تسببت فى تعميق الوعى الشعبى لدى كثيرين من إخوتنا المسلمين. فليس فقط قاموا بتهنئة إخوانهم المسيحيين كما يفعلون كل عيد وكل عام بتعبيرات مثل «كل سنة وأنتم طيبين» أو «نهنئكم بالأعياد المجيدة» وغيرها، ولكن انكسر التابو الذى وضعه بعض المتعصبين عن عدم إجازة تعييد المسيحيين بعيد القيامة، وأصبحت التهانى ترسل «المسيح قام» أو «كل عيد قيامة وأنتم طيبين»، مصحوبة بصور دينية مسيحية، وهذا هو الجديد، وليس فقط من شخصيات عامة، بل من الأصدقاء والأحباء والجيران. فقد وصلتنى أنا شخصيًّا هذه التهانى الرقيقة من أصدقاء ومنهم علماء دين وكم كانت فرحتى عظيمة!.

فتعدى المصريون المسلمون بحسهم الوطنى وشعورهم بإخوانهم المسيحيين هذا التابو ولم يجدوا أى غضاضة فى تسمية اسم العيد كما هــو.. «عيد القيامة».

أحيانًا الصدف أو الأخطاء غير المقصودة تُكَوِّن رأيًّا عامًّا شعبيًّا إيجابيًّا تجاه المواطنة «المعاشة» بين أفراد الشعب الواحد. وقد لعب بعض المثقفين دورًا تنويريًّا فى هذا الصدد. فالمواطنة ليست شعارات أو لوائح أو قوانين فقط لا غير، ولكنها «حالة معاشة» يعيشها المواطنون، خاصة بعد ثورة 30 يونيو، حيث أعاد المصريون اكتشاف إخوانهم فى الوطن. إنهم إخوة حقيقيون، حتى لو اختلفوا فى الدين، فرجعوا من تلقاء أنفسهم إلى الشعار الخالد «الدين لله والوطن للجميع».
نقلا عن المصرى اليوم