سليمان شفيق
 
رغم أنهم يخافون من الفرح، ويقولون فى أمثالهم: «اللهم اجعل عاقبة الفرحة خيرا»، لكنهم يتوقون للفرح قدر عشقهم للحزن، فهم يضحكون حتى البكاء، ويسخرون من أحزانهم ضحكا!
 
إلا أنهم يبحثون عن الفرحة من قلب الحزن، ومن ثم فهم أكثر الأمم احتفالا بالأعياد، «33 عيدا» على مدار العام، أهمها الأعياد الدينية مثل: «رأس السنة الهجرية، عاشوراء، المولد النبوى الشريف، عيد الفطر، عيد الأضحى، عيد الميلاد المجيد، عيد الغطاس، عيد دخول المسيح مصر، عيد دخول المسيح القدس، نياحة العذراء- ذكرى وفاتها- عيد العنصرة، عيد الصعود»، إضافة للأعياد المصرية التى يحتفل بها المصريون جميعا بجميع أطيافه مثل: «عيد الأم، عيد الحب، وفاء النيل، شم النسيم»، كذلك الأعياد الوطنية: «عيد الشرطة، عيد تحرير طابا، عيد تحرير سيناء، 23 يوليو، 6 أكتوبر»، كما توجد مناسبات اجتماعية، وعادات مصرية ترقى إلى درجة الأعياد مثل: السبوع: وهو احتفال بالمولود عند بلوغه 7 أيام من ولادته، ليلة الحنة: احتفال يتم للعروسين فى بيت الأهل فى الليلة السابقة للزواج، ويتم فيها نقش الحنة على يدى ورجلى العروسين، إضافة للطهور للأطفال «الختان» وأعياد الميلاد.
 
كل ذلك مزيج من التداخل المصرى الإنسانى مع رقائق الحضارة القديمة والحديثة شرقا وغربا، فأعياد الميلاد مشتقة من الحضارة الغربية، والختان عادة يهودية، والمصريون رغم أنهم من أهل السنة يحتفلون بيوم عاشوراء فى 10 من محرم حبا فى آل البيت، وتضامنا مع المظلوم.
 
تستهلك أعياد المصريين شهرين من الزمن كل عام، ووفق الإحصائيات الرسمية فإن الأعياد تقطع حوالى %25 من ميزانية الأسرة المصرية، لشراء الملابس الجديدة، أو «العيدية»، وفى أعياد مثل الفطر أو ميلاد المسيح تصنع الأسر المصرية الكعك والحلويات، وتسمى الأعياد الصغرى، أما الأعياد الكبرى مثل الأضحى والقيامة فيتم ذبح الذبائح وإطعام الفقراء والمساكين، عرف المصريون عادة الكعك والحلويات فى ظل حكم الدولة الفاطمية، أما الثقافة «اللحمية» فقد جاءت من العصر العثمانى.
 
وتعود الأعياد إلى قدماء المصريين حتى أن مؤرخا يونانيا مثل «بلوتارخ» يذكر أنه من كثرة أعياد المصريين لم يكن يفرق بين العيد والآخر سوى أيام معدودات.. فما أن ينتهى عيد فى مدينة حتى يبدأ عيد فى مدينة أخرى، فكانت هناك أعياد دينية مثل عيد ميلاد حورس، وكذلك كان قدماء المصريين يحتفلون بأعياد وطنية مثل انتصار أحمس على الهكسوس، إضافة لأعياد ارتبطت بالزراعة مثل عيد الفيضان أو عيد الحصاد، وغيرها من الأعياد، وخلال الأعياد كان المصريون القدماء يلبسون أزهى الثياب ويوزعون المال على الأطفال «العيدية» ويأكلون ويمرحون ويخرجون للتنزه، ومن شابه أجداده فما ظلم، وكل سنة وأنتم طيبون.
 
كثيرون لا يعلمون ماهية أسبوع الآلام عند المواطنين المصريين الأقباط، أسبوع الآلام «هو الأسبوع الذى يحتفل المسيحيون فيه بدخول المسيح القدس، وإنشاء سر التناول وصلب المسيح وموته، ثم القيامة من الأموات فى يوم أحد القيامة، حسب المعتقدات المسيحية، ويكون هذا الأسبوع بعد الصوم الكبير «55 يوما»، ويحتوى فى قراءاته على سفر الرؤيا كاملا، وتتعدد الاحتفالات المسيحية.
 
فى أسبوع الآلام عادة ما تفتح الكنائس أبوابها للصلاة كل يوم، خلال الأسبوع الذى يبدأ بعد ظهر أحد الفرح «السعف»، حيث تتسربل الكنائس بالستائر السوداء، وتوقد الشموع فى أنحاء الكنيسة، كما يمتنع الأقباط عن تناول الحلويات والمعجنات التى تدخل بها «الخميرة» التى تشير إلى «الخطية".
 
وقد تأثر الأقباط المصريون فى احتفالاتهم بهذا الأسبوع بالتراث الفرعونى، ففى «أحد السعف» يبتاع الأقباط سنابل القمح لتزيين جدران منازلهم، مرورًا بالفريك، والفول والترمس يوم شم النسيم.
 
ويسمى يوم الثلاثاء فى الأسبوع بـ«ثلاثاء البقول»، حيث يأكل الصائمون أطعمة من الفول، والذى يحل موسم حصاده عادة فى ذلك الوقت من العام، وهى عبارة عن «بصارة وفول مدمس".
 
ويذكر أن جدران المعابد الفرعونية تمتلئ بصور الاحتفال بهذا الحصاد، حيث نرى الفرعون يقطع السنابل إيذانا بافتتاح موسم الحصاد، وقد وجدت صورة لرمسيس الثالث، على أحد جدران معبده بمدينة «هابو» بالأقصر، وهو يمسك بمنجل ويفتتح موسم الحصاد، إضافة إلى ذلك كان الأمراء والملاك يحتفلون ببدء الموسم، بحصاد جزء من سنابل حقولهم، ثم ترك إتمام العمل للحصادين، حيث كان يتم تقديم بشائر أو باكورة المحصول «البروكة» للإله المحلى، وأيضا تقدم له عروس القمح، التى تضفر من سنابل القمح وسيقانه، فى شكل العلامة الهيروغليفية، وهو تقليد استمر حتى يومنا هذا، حيث مازال أهالى الصعيد يقومون بتضفير سنابل القمح، رمزا للخير.
 
وعادة ما كانت أعياد الحصاد تستمر طوال شهر «برمودة»، حيث كانت تعد فرصة الفلاحين للترويح عن أنفسهم بعد عناء العمل الزراعى طوال الشهور السابقة، كما كانوا يحتفلون فى موسم الحصاد أيضا بالمعبودة «إيزيس» باعتبارها رمزا لخصوبة أرض مصر، فيحملون السلال وهى مليئة بسنابل القمح، اعترافا بفضلها هى وزوجها «أوزوريس» على الزراعة والمزارعين.
 
تأثر الأقباط بالتراث الفرعونى يمكن ملاحظته أيضا فى الاحتفال بـ«عيد القيامة» وهو عيد كان يحتفل به المصريون القدماء، وخلاله كانوا يحتفلون بدفن «أوزوريس» إله الزراعة والبعث، والذى قدس فى «بوزيريس» وهى الواقعة الآن فى قرية «أبوصير» بمركز سمنود بالغربية، حيث كان يتم الاحتفال بعودته إلى الحياة، عندما يخضر الزرع وتورق الأشجار وتزهر الأزهار، باعتبار ذلك عيد قيامته وبعثه كذلك كانوا يقيمون شجرة خضراء رمزا للإله والحياة المتجددة ويزينونها بالحلى.. كل عام ومصر بخير.