ماجد كامل
أحتل الشاعر الانجليزي الكبير وليم شكسبير ( 1564-1616 )مكانة هامة وكبيرة في تاريخ الأدب الانجليزي والعالمي؛ فالانجليز يعتبرونه هو شاعرهم المفضل . والحق أن مسرح شكسبير تمثل أعماله  كما قال الكاتب المسرحي الراحل الكبير الفريد فرج (   1929-  2005 )                 دنيا كاملة بما في الدنيا من مشاعر الحب والكراهية ؛ والطموح والزهد ؛ والوفاء والغدر . ومن هنا فأننا يمكن ان نسمي مجلد الأعمال الكاملة لشكسبير بأسم القاموس السياسي والاجتماعي والنفسي للشعب الانجليزي . فشكسبير كما قال عنه النقاد عزف كل النغمات وضرب كل الأوتار ووصف كل الأحوال . ولقد قال عنه الكاتب المسرحي "بن جونسون "( 1572- 1637 ) بمناسبة صدور طبعة مسرحياته الأولي عام 1623 "أعترف أن أدبك لا يمكن لإنسان أو ملهمة أن توفيه حقه ؛لم يكن شكسبير كاتبا لأحد العصور ؛وانما كان كاتبا لكل الأزمان " ولشكسبير عبارات مأثورة أصبح العالم كله يرددها دون أن يعرف أنها من أشعاره ؛ ففي اللحظات المصيرية الحاسمة يقولون "أمامنا خيار واحد .. نكون أو لا نكون To Be or not To Be   . وهي عبارة شهيرة جاءت في مسرحية "هاملت " وللتعبير عن سؤ الحظ يردد العالم عبارة "هذا شتاء السخط " التي جاءت علي لسان الملك ريتشارد الثالث في أحدي مسرحياته ؛وعند عتاب الأصدقاء بسبب غدر أو خيانة  يرددون عبارة  "حتي أنت يابروتس " التي جاءت في مسرحية "مصرع يوليوس قيصر " وجاء أسم "روميو وجولييت " رمزا للحب الملتهب ؛ وأسم "عطيل "رمزا للغيرة العمياء ؛ وأسم "هاملت "رمزا للتردد وعدم الحسم ؛ وأسم "شايلوك "رمزا للجشع والشر .       

ومن أحدث الكتب التي ظهرت حديثا عن شكسبير كان كتاب " شكسبير "  . والكتاب صدر عن المركز القومي للترجمة ؛ ومؤلف الكتاب هو ديفيد بفينجتون ؛وقام بترجمة الكتاب إلي اللغة العربية عبد المقصود عبد الكريم ؛ أما عن المؤلف فهو أستاذ اللغة الانجليزية وآدابها بجامعة شيكاجو ؛ ولقد حصل علي درجة الدكتوراة من جامعة هارفارد عام 1959 . ولقد قام بتحرير الأعمال الكاملة لشكسبير وتقديمها في تسعة وعشرين مجلدا . وأهمية هذا الكتاب تكمن في أنه لم يركز علي مسرح شكسبير وأشعاره  فقط ؛ وانما أهتم بالجانب الإنساني والفكري في شكسبير ؛ فهو يتناول مفهومه للشرف ؛وكيفيية تحقق الشهوة ؛ ومقال بعنوان أي صلاة تخدم هدفي ؟ .... الخ . وفي الفصل الأول من الكتاب بعنوان "فيلسوف طبيعي " وفيه يتناول الأفكار الفلسفية في أعمال شكسبير ؛ فلقد استشهد بأرسطو مرتين في مسرحياته ؛كما استشهد بسقراط كنموذج لزوج ضعيف خانع وذلك في مسرحيته الشهيرة "ترويض الشرسة " ؛كما أشار أربع مرات إلي فيثاغورث بأعتباره صاحب أفكار غريبة ؛ وذكر أسم "سنيكا " الخطيب الروماني في مسرحيته الشهيرة "هاملت " وأشار إلي الفلاسفة الرواقيين ليصف الطلبة الذين يفضلون الدراسة بجد عن اللهو واللعب ؛ وأستخدم كلمة "الأبيقوري " لوصف الإنسان الشهواني . ويظهر أسم الفيلسوف الإيطالي ميكافيلي ( 1469- 1527 ) ثلاث مرات كنموذج للإنسان النذل أو المخادع السياسي . أما عن سلوكيات شكسبير وإتساقها مع مسرحياته ؛فلقد وصفه أحد النقاد المعاصرين بقوله ( لقد رأيت بنفسي أن سلوكه ليس أقل تمدنا من براعته في المهنة التي يمارسها . بالإضافة إلي أن المنقبين عن الفضيلة سجلوا استقامته في المعاملة ؛مما يبرهن علي صدقه وكياسته الظريفة في كتابة تتوافق مع فنه  ) كما وصفه ناقد آخر معاصر له بأنه واحد من  أعظم المفكرين المبدعين ؛  ونواصل رحلتنا في الكتاب مع فكر شكسبير ؛فمن أفكاره السياسية قوله ( في المسائل السياسية ننصح أيضا أن لا نعمل ضد الدولة ؛ الخبرة مع حكم الغوغاء مرعبة عموما ؛حيث أن شهوات البشر بطبيعتها جامحة ؛ بعض الحكام حكماء وفاعلون ؛بينما البعض الآخر لا يتناسبون تماما مع أماكنهم ؛الحروب التي يشنها الحكام قد تكون عادلة كما يدعون ؛لكننا غالبا نستطيع أن نحدد دوافع تخدم الذات بشكل برجماتي "عملي أو نفعي " حتي في أنجح حروب الأمراء ؛يقدم منظروا الحق الإلهي للملوك براهين مقنعة مؤسسة علي التقاليد ؛لكن التاريخ يفند أية مقولة مقولة عن أصول الحكم التراتبي تكمن في إرادة إلهية ) ومن نصائح شكسبير الأخلاقية ( كن كريما ؛تعلم أن تغفر ما لا يغتفر ؛بجل أباك وأمك ؛وخاصة أباك . أفعل الخير للناس ليس خوفا من عقاب الآخرة . قم بالأعمال التي تتسم بالعطف والكرم ؛لأن العالم يكون  مكانا أفضل حين يفعل البشر ذلك ؛وأنت تريد للعالم أن يكون مكانا أفضل . يحتاج الرجال والنساء بعضهم البعض . علي الرجال والنساء أن يتعلموا التعايش مع بعضهم البعض ويمارسوا الرفق ؛لأن حياة الإنسان بدون ذلك لا يمكن أن تستمر . وعن رؤيته للمسيحية يقول ( الذهاب إلي الكنيسة شيء طيب عموما . أنه في أفضل الأحوال يشجع علي الإحساس بالبيئة الاجتماعية والالتئام .يمتليء الانجيل بأفكار جميلة عن المحبة والتسامح . أوجه التعصب في العبادة الدينية يمكن أن تكون مثيرة للخلاف ولا تبدو لي في صميم ما يجب أن يكون عليه الدين .أجد كثيرا من الحكمة في تعاليم كبار آباء الكنيسة من القديس أوجستين حتي مارتن لوثر وجون كالفن . تبدو لي المناقشات المثيرة للخلاف بين الطوائف المسيحية عن الأعمال مقابل الإيمان أو الجبرية مقابل الإرادة الحرة ؛تبدو لي ذات نتائج عكسية تجاه المعتقدات غير المسيحية والنظم الأخلاقية . الحقائق الكبري في الدين بسيطة ومتوافقة مع تعاليم الفلاسفة الكبار مثل سنيكا .

 التطويبات فصيحة في تعاليمها في أن الأخير سيكون الأول وأن المساكين سوف  يرثون الأرض . من الممكن أن يكون التملك الدنيوي مميتا للروح .علينا جميعا أن نتعلم ألا نحسد . يمكن أن تفيد هذه الفكرة السعادة الروحية للمرء بتعلم القناعة والرغبة في المشاركة . أذا تحاشينا الحسد تسلحنا ضد الإحباط . أذا لم نعلق آمالنا علي المادة والكسب الدنيوي ؛فلن يكون لدينا سبب للشعور بأننا خدعنا .وعن رؤيته للعناية الإلهية يقول شكسبير " يحتاج تشككنا إلي التلطيف بالإيمان بما يمكن أن ندعوه العناية الإلهية .مهما تكن فإنها تعمل من مسافة بعيدة جدا ؛لا يمكن قياسها علي الحياة اليومية .أنها تناشد الإيمان بشكل لا شك فيه بدل أن تناشد العقل ؛حيث لا توجد طريقة يمكن أن تبرهن علي وجودها : لكن علينا أن نعي ضآلة ما نعرفه ؛حقا الموقف المتشكك الصحيح بشأن هذه المسائل العظيمة ؛يعترف بأنه لم يكن لدينا برهان علي وجود العناية الإلهية ؛فإننا أيضا ليس لدينا برهان علي عدم وجوها ؛طالما أننا نعرفها بأنها تعمل علي مستوي الإيمان . "

 أما عن نظرته للموت وعدمية الحياة فيقول  هذه الأبيات التي وردت في مسرحية "عطيل " "ليست عدمية الحياة إلا ظلا سائرا ؛ممثلا بائسا يختال وتتآكل ساعته علي المسرح ولا يسمع بعد ذلك حكاية يحكيها غبي ؛ممتلئة بالصخب والضراوة لا معني لها " كما يقول علي لسان "يوليوس قيصر "غريبا علي الرجال أن يخشوه / مقرين بأن الموت هو النهاية الحتمية / سوف يأتي حين يأتي " وعندمت تعتزم كليوباترا علي الانتحار بعد دراسة عدة طرق متنوعة للانتحار تقول كما جاء في مسرحية "أنطونيو وكليوباترا "  " أنها سوف تنتحر علي طريقة الرومان السامية / بأن نجعل الموت يزهو بأخذنا  " . وفي مسرحية "هاملت " يندب هوراشيو موت هاملت فيقول له " طابت ليلتك أيها الأمير المعذب / وأسراب من الملائكة ترتل لك وتصطحبك إلي حيث الراحة " وفي مسرحية "هنري الثامن " يسبق موت الملكة كاترين رؤية ست من أرواح السلام ترتدي ملابس بيضاء ؛وعلي رؤسها أكاليل من الغار ؛وعلي وجوهها أقنعة ذهبية ؛وفي أيديها غصون من الغار أو النخيل " وفي مسرحية "هنري الرابع " يقول علي لسان بطل المسرحية "الموت كما يقول كاتب المزامير ؛مؤكد للجميع " وهو هنا يشير إلي مزامير داود النبي وتحديد إلي الآية التي تقول " أي إنسان يحيا ولا يري الموت " (مزمور 89 : 48 ) وفي مسرحية أنطونيو وكليوباترا " يقول أكتافيوس عن موتهم ودفنهما معا  " لا قبر علي الأرض يضم اثنين بهذه الشهرة " ويقول شبح هاملت الأب لأبنه "تذكرني !