بقلم المهندس باسل قس نصر الله، مستشار مفتي سورية
مِن المواطن السوري أولاً والمسيحي ثانياً إلى "أخيه المسلم" السوري وفي كل العالم.

"مباركة طاعتكم" هي الجملة المشهورة في "حلب" التي يتداولها الجميع لِتهنِئة بَعضهم البعض بِحلول شهر "رمضان" وهو الشهر الذي فُرض الصِيام على إخوتي المسلمين، وأقولُ "إخوتي"، لأن الإمام علي "كرم الله وجهه" قال "لمالك بن الأشتر" عندما بعثه إلى "مصر": "سترى الناس صنفان، إمّا أخٌ لكَ في الدين، أو نظيرٌ لكَ في الخَلق"، وأخوّة التسليم لله عزّ وجلّ موجودة لأن الجميع يُسَلِّمون أمرهم له.

عندما كنتُ صغيراً وكان شهر "رمضان" قد حلّ، إستغربتُ أن يوبِّخني أبي "رحمه الله" لأنني كنتُ آكل تفاحة مع أترابي في حارتنا بحي الأميركان في اللاذقية، وبعدها فهمت أن هناك الكثير من الناسِ صائمين عن الطعام، ومن حينها كنتُ أراعي أن لا آكلُ أو أشربُ أمام الناس خلال أيام رمضان.

عِشتُ في بيئة تحترمُ الجميع، وكانَ سَكننا في بناءٍ يملكه الدكتور مختار علواني، وترعرتُ وأنا أعلم تماماً أن لي أربعة أعياد "الفطر والميلاد والأضحى والفصح" وفي هذه الأعياد كان لا يهمنا شيء أكثر من أن نذهب الى السينما ونأكل "الفول النابت" ونجمع الخرجية بمناسبة الأعياد.

هكذا فهمتُ الأعياد بعقلِ طفلٍ، ولكن "رمضان" له نكهة خاصة، وأصبحتُ مدمناً على هذه الرائحة الوجدانية، ومنذ أن كنتُ صغيراً كان رمضان الذي يأتي في الصيف غير رمضان الذي يأتي في الشتاء.

كَبُرت الأيام فينا، وبقيت فوانيس رمضان في مُخيِّلتي، وزحمة الناس قبل مدفع الإفطار، ورائحة الطعام، وأكواب العرقسوس وقمر الدين، التي أتخيلها أنها وُجدت فقط من أجل رمضان، وكعك رمضان وغزل البنات أو النبات الذي يأتي فقط في رمضان.

كل تلك الصور التي أتخيّلها، ما زالت كما هي منذ أكثر من خمسين عاماً.

أصوات المآذن عند الفجر، وهدوء الصباح الباكر، كل ذلك أتذكره وأعيد الى مخيلتي دقائقه.

أترحم على أيام طفولتنا، وأتذكر جيراننا وأصواتنا المرتفعة في الحارة حول لعبٍ صبيانية اختلفنا عليها.

في كل العالم يصوم المسلمون، لكنّني أتمنى أن تصوم المدافع والقتال في سورية.

أخي المواطن السوري .. المسلم والمسيحي والإيزيدي ومن كل الطوائف، نحتفل كُلُّنا برمضان لأنه أصبح رمزاً بداخلنا نَعيشهُ.

في رمضان الذي هو للمسلمين يجب أن نعي تماماً بأن الولاء للأرض الذين نَمونا منها جميعاً.

ثم الولاء للإنسان أياً كانت عقيدتهُ.

وأخيراً الولاء للوطن والزود عنه وإعماره.
و"مباركة طاعتكم" شاء من شاء وأبى من أبى

اللهم اشهد اني بلغت