كتب : مدحت بشاي

يقولون فى كتب التاريخ وأنا معهم " من لم ير القاهرة لم ير الدنيا.. فأرضها تبر ونيلها سحر.. ونساؤها حواري الجنة فى بريق عيونهن.. ودورها قصور.. ونسيمها عليل، كعطر الندا ينعش القلب، وكيف لا تكون القاهرة كذلك، وهى أم الدنيا ؟
ورآها جمال حمدان في كتابه "القاهرة" الصادر عام 1993."إذا عُدّت المدن العواصم العظمى في العالم، فالقاهرة واردة بالتأكيد في العشرة الأولى أو العشرة ونيف. وهي المدينة الأولى (المطلقة) في قطاع هائل متصل من العالم القديم. وإن حُصرت العواصم المخضرمة العريقة في الدنيا، فلعلّ القاهرة (وأسلافها أو بأسلافها) هي أم المدن جميعاً. أما إذا اعتبرنا الوزن الحضاري والنفوذ السياسي والوقع والإشعاع القومي والفكري، فما من عاصمة فيما نظن لها في دولتها ما للقاهرة من ثقل ومركزية طاغية وسيطرة أو توجيه، بل وإلى حد الإفراط ربما. هذه إذن هي القاهرة: تاريخ مفعم مجمد أو محفوظ، كل حجر فيها مشبع بحجر الماضي وعرقه، وكل شبر منها يحمل بصمات الإنسان". 
 
القاهرة مدينة متعددة المدن !! فيها العواصم الأربع القديمة : الفسطاط، العسكر، القطائع، والقاهرة الفاطمية.. بالإضافة إلى قاهرة إسماعيل، ثم إلى " مدينة نصر " و " مدينة مصر الجديدة " ، وامتداداتهما إلى مدينة القاهرة الجديدة ومدينة السلام.. إلى مدينة الصحفيين، ومدينة الضباط ، ومدينة أساتذة الجامعة، وأحياء الدقي ، والعجوزة، ومدينة امبابة، وكلها غرب النيل، وفى الجنوب نجد مدينة المعادي ، ومدينة حلوان.
 
وأصبحت العاصمة المصرية مدنًا وراء مدن.. وراء مدن، حتى إنها تخطت الاسم الجغرافي المتعارف عليه جغرافيًا باسم المدينة المتروبوليتان التى لم تكن تتعدى مدينتين أو مدينة وثلاث ضواحى مثل نيويورك التى تمتد إلى مانهاتن إلى بروكلين إلى ستاتين.
 
يقول كاتبنا الكبير عباس الطرابيلى " لم تعد القاهرة مدينة يسكنها عدة آلاف، بل مدينة يسكنها الملايين.. وكان عدد السكان فى أول إحصاء ـ وهو الذى أجرته سلطات الاحتلال الفرنسى عام ١٧٩٩ ـ هو ٢٦٠ ألف شخص، ثم أصبح مع تحديث المدينة أيام الخديو إسماعيل ٣٧٥ ألفًا، فإذا قفزنا حوالى ١٠٠ عام نجد أن عدد سكان القاهرة عام ١٩٦٦ هو ٤ ملايين و٢٢٠ ألف شخص، وبعد ١٠ سنوات يرتفع عدد سكان العاصمة إلى ٦ ملايين و١١٥ ألفًا، أى زاد عدد سكانها حوالى مليونى نسمة خلال ١٠ سنوات، والآن يصل عدد سكان العاصمة إلى ١٠ ملايين، وإن كان عددهم يبلغ فى النهار ١٣ مليونًا يعملون فيها إذ يدخلها كل صباح نحو ٣ ملايين، يخرجون منها كل مساء، لأنهم يعملون بها، ولا ينامون أو يقيمون فيها.واشتهرت القاهرة القديمة ـ وبالذات الفاطمية ـ بتعدد مسالكها.. هناك : الميدان، والشارع، والحارة، والدرب، والزقاق، وكانت الحارة هى أساس تخطيط المدينة قديمًا، ومنها يتفرع الدرب والزقاق، إلى أن نصل إلى العطفة، ثم إلى الخوخة.
 
والحارة كان يقيم فيها إما أبناء المهنة، أو الحرفة الواحدة، ومازال أبناء " الحتة " الواحدة يتحدثون عن أبناء الحارة الواحدة بقولهم " عيب دا احنا أولاد حارة واحدة " أى هناك ما يربطنا.
 
وإذا كانت الخوخة هى الأصغر، فإن الرحبة هي التي كانت توجد أمام بيوت الأمراء والكبراء والأغنياء.. وجمعها رحاب، أما الزقاق فغالبًا ما كان مغلقًا فى نهايته، أي هو عبارة عن مدخل لعدة بيوت، وكان غالبًا ما تتفرع من الزقاق عدة أزقة، وأما الدرب فكان هو الأكبر الذى يبدأ من الباب الكبير للحارة عندما كان لحارات القاهرة أبوابها.والزقاق غير " الزنقة " في تونس والمغرب، فإذا كان الزقاق عندنا صغيرًا فى الطول والعرض، إلا أن الزنقة عبارة عن شارع، ولكن أقل اتساعًا وطولاً من الشارع الطبيعي .
 
ولكن انتهت الحارات.. وانتهت الدروب.. وانتهى عصر الأزقة.. كما انتهى ـ من زمن ـ لفظ الخط أو الخطة التى تساوي الآن الحي أو المنطقة، لنجد فى عصرنا لفظ الأحياء وأقسام الشرطة، ذلك أنه فى التقسيم الإداري للمدن الآن نجد أن قسم الشرطة ينقسم إلى أحياء أو مناطق، فنقول مدينة المهندسين، أو حي المهندسين الذى هو من أحياء قسم العجوزة.. وهكذا...
وللمقال تتمة في أسبوع قادم