محمود العلايلي
حتى فترة قريبة كانت منصات التواصل الاجتماعى تُعد عالمًا افتراضيًا موازيًا، ولكن مع تسارع الوقت صارت جزءًا من العالم الواقعى لا تنفصل عنه من حيث تأثرها بأحداثه، والأهم تأثيرها على مسار العالم الواقعى وقدرتها على توجيه أحداثه، ولذلك صار الاعتماد على التيارات الغالبة على هذه المنصات من المصادر المعتمدة أو على الأقل من المؤشرات المهمة لفهم توجهات الرأى العام، فقد شاهدنا ردود الأفعال الإيجابية المهولة لغالبية رواد منصات التواصل الاجتماعى بعد فعالية موكب نقل المومياوات الملكية، السبت الماضى، وسمعنا وقرأنا للناس يشيدون بتنظيم الفعالية وتنفيذها وإخراجها، والإشادة بالإدارة السياسية لإسناد تنفيذ الفعالية لمَن يقدر عليها ويفهم فيها، وقرأنا الناس يتداولون أسماء العاملين فى الفعالية من مؤلفين ومصممين وموسيقيين وعازفين وراقصين ومخرجين، وشاهدنا رواد المنصات يشاركون وينشرون فقرات الفعالية بفرحة وفخر وتقدير، حتى ممن يُعدون من المعارضين للنظام، إلا أن البعض منهم آثر الانزواء على الرغم من عادتهم بانتقاد كل شىء، إلا أن الحدث كان أكمل من أى تسخيف وأكبر من أى تقليل.

والحقيقة أن الحديث عن الفعالية فى ذاتها قد يأخذنا من التدقيق فى مؤشرات الحدث، فالمؤشر الأول أن إتقان الإعداد للفعالية ودقة تنفيذها قد صب فى خانة مصلحة القيادة السياسية بوصفه حدثًا قوميًا (متقنًا)، وثانيًا هو تأثيره الإيجابى على السياحة الوافدة إلى مصر على الرغم من الظروف العالمية غير المواتية، أما المؤشر الأهم من وجهة نظرى فهو «الآليات» التى أدت إلى إخراج الفعالية بهذا الإتقان، بداية من الفكرة، مرورًا بفلسفة إحياء الأفكار والقيم واللغة المصرية القديمة، بالإضافة إلى التدريبات الشاقة لكل المشاركين، وصولًا إلى التنفيذ المبهر الذى مزج بين الأحداث الحية فى أكثر من موقع مع لقطات مصورة ليظهر الموكب بكل هذا الجلال والروعة، مما جعل الجميع يتساءل عن المسؤولين عنه، ولم تتأخر الإجابة كثيرًا، حيث زخمت منصات التواصل الاجتماعى والبرامج المسائية بأسمائهم وصورهم ومقاطع مختارة من الاحتفالية.

كان من المدهش أن نكتشف أن القائمين على العمل لم يهبطوا علينا من السماء، وأنهم ليسوا إلا مصريون متخصصون فيما أُوكل إليهم من عمل، بالإضافة إلى أنهم يعيشون بيننا ويتفاعلون مع نفس الخدمات ويرتادون نفس الأماكن الحكومية وحاصلون على نفس جودة التعليم والخدمة الصحية التى ينالها أغلبنا، وبالتالى هم نفس الناس ولم نأتِ بغيرهم ولم نستعن بقيادات غير قياداتهم، كما أن المنتج النهائى من إبداعهم الخالص ولم نحاول النقل عن غيرنا أو الاستعانة بتجارب مشابهة، وعلى الجانب الآخر فإن مرتادى منصات التواصل الاجتماعى لم يتغيروا أيضًا، فهم نفس الناس الذين يتشابكون عند كل حدث وتتناطح آراؤهم وألفاظهم حول كل الأطروحات، ويبالغون أحيانًا فى قبول بعض الأمور أو الاعتراض عليها، إلا أن هذا الحدث انفرد بإجماع الإعجاب بالفن والإشادة بالإجادة والتحليل لتفاصيل العمل والتقدير لكل خطواته.

وهنا تتردد أصداء التساؤل إن كان هؤلاء وهؤلاء هم نفس الناس، فأين تكمن معادلة النجاح وكيف يمكن أن يتم تطبيق تلك المعادلة على معطيات الحياة العامة سواء على مستوى إدارة الحياة السياسية، أو تدبير الخطط الاقتصادية، أو تنظيم الحياة الاجتماعية، وتحسين خدمات التعليم والصحة، وضبط أطر المرور والبناء، وتحسين الذوق العام بالارتقاء بالفنون والآداب والاهتمام بممارسة الرياضة فى كافة الأعمار لأننا لا نريد أن يمر ذلك الحدث دون الاستفادة من إيجابياته لأننا إذا كنا نستحق التطلع لحياة أفضل فعلينا تجاوز المبررات السخيفة والحجج العقيمة لأن الناس موجودون ولا ينقصهم إلا أن يكون كل شخص فى مكانه بحسب قدراته وموهبته حتى تتفجر الرغبة فى الإبداع وحتى تتجلى القدرة على الإنجاز.
نقلا عن المصرى اليوم