د.مينا ملاك عازر
أجد نفسي هذا اليوم لدي الفرصة السانحة والكاملة للكتابة عن الأم، ولأنني كلي ثقة في أن أمي لن تقبل أن أكتب عنها، وقد تغضب مني، وتأبى أن أشكرها وأثني عليها، وأشير لما قامت به لي، فسأكون أكثر خبثاً وهو خبث محمود في رأي وسأكتب عما أريده بطريقة أكثر ابتعاداً عما هي تتوقع وليكن ما يكون.
صديقي القارئ، في كل عام يأتي عيد الأم ويحاول الجميع أن يعيد الأم ولكن هيهات فالأم لا تعاد ولا تستحدث من العدم، وبالرغم أن في داخل كل امرأة أم إلا أن كلاً منها أم متفردة بذاتها وشخصها وشأنها ويستحيل أن تعيد الأم لتفردها ولتميزها بالنسبة لك.
 
ومع أنك في زمن كل شيء يمكن أن يعاد ويكرر إلا أن إعادة الأم مستحيلة، يمكنك أن تكرر الخطأ والصواب لكن الأم مستحيل، وإن كان بداخل كل واحد منا ذكرى لأمه غالباً ما تكون جيدة ورائعة إلا أننا دائماً ما نخطئ في حق الكثيرات ونحن نكرم كل عام أم واحدة على أنها الأم المثالية في حين أنني أرى أن كل أم تستحق أن تكن أم مثالية، فكل أم ضحت بما كان واجب أن تضحي به، والوجوب هنا يعني الضروري، وقد تكن قد ضحت بالفلسين اللذان هما من أعواذها.
 
فترى، كيف ظنوا أن أماً واحدة مثالية، وكلاً منا يعيش وعاش وسيعيش ما بقت هي حية -بإذن الله- مع أماً مثالية تعطي ولا تحاسب وتبذل ولا تناقش، وتهب ولا تنتظر الرد، وتحب بلا مقابل، وعليه فأنا أرى أن كل أمهاتنا هن مثاليات ما دمنا التزمن بالقيام بدور الأم الحقيقي، الأم التي تحب وتعطي لأنها ترى أن ابناءها يستحقون العطاء والبذل وليس لأنها تتبارى مع أخريات للوصول للكأس.
 
عيد الأم مهما حاولت فستفشل فلا إعادة للأم مهما حاولت، ما دامت الأم هي أم بحق وليست كمالة عدد، وإنسانة تقوم بوظيفة الأم، هي مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق ولولا الأم الحقيقية ما بقى الدفء في البيت والحب والحنان، وهي التي تستطيع أن تلم الأسرة تحت جناحها، تحابي عليهم وتحيطهم برعايتها، تنشغل بهم حتى عن نفسها وعن مرضها وألمها، تشغل نفسها بالجميع، والأم الحقيقية تراها تقوم بدورها الأمومي حتى مع من هم غير أبناءها لأنها ألفت دور الأم واستأنسته واستمرأت القيام به، ورأت أنه من الضروري القيام به إذ اعتادته، ومهما حاولت إثناءها عن أن تنشغل عنك، وعن من ترى فيهم أنها أبناؤها تأبى وما تستطع أن تثنيها عن انشغالها.
 
المختصر المفيد المرأة هي نصف المجتمع، وهي التي تلد وتربي النصف الآخر.