سحر الجعارة
آن الأوان أن نضع خطاً فاصلاً بين فوضى الفتاوى وغوغائية الكهنة من جهة، والطب الذى يواجه وباء كورونا المستجد «كوفيد-19» من الجهة الأخرى.

وأن نوجه السؤال للمتخصص لتأتى الإجابة الصحيحة، فتوجيه السؤال للشخص الخطأ أهدر أرواحاً بالآلاف وعطّل العلم طويلاً وسجن البشرية فى «جاهلية مبتكرة» ويجب أن نتلقى الإجابة بوعى كامل فلا تخدعنا الألقاب: «طبيب أو عالم أزهرى أو عالم Freelanser».

سألت الدكتور «بهى الدين مرسى» الطبيب والمفكر التنويرى المعروف، عن أخطر الأمراض التى تصيب الصائم، فقال: لست بصدد الإفتاء الشرعى، ولكنه الضمير المهنى.. أيا كانت حرارة الجو، حتى لو أنك تقطن القطب الشمالى، إذا تحسست العطش وتضاءل خروج البول، أو أصبح لونه داكناً، فأنت مرشح بشدة للإصابة بالفشل الكلوى الحاد: Acute Renal Failure ( ARF )قد يحدث عطب الكلى جراء جفاف البدن فى يوم واحد، أو لدى تكرار (إهانة) الكلى على مدار يومين أو ثلاثة، وهذا التعبير (Kidney Insult) هو تعبير علمى يعرفه الأطباء، فستغضب عندئذ الكلى و«تحرن»؛ أى تتوقف عن العمل ولا ضمانة لعودتها للعمل إلا فى ظل بيئة كيميائية وديناميكية دموية معقدة، و«ربما» تتصالح الكلى وتعود للعمل من جديد، ولكن لا ضمانة.

لاحظ أن فَقْد سوائل الجسم ومن ثم جفاف البدن ليس رهناً بالأجواء الحارة، فهناك عوامل أخرى قد تستنفد رصيدك من سوائل الجسم مثل نمط التمثيل الغذائى ونشاط الغدة الدرقية ومرض السكر، وحجم الجسم ووزنه والنمط الحركى، ناهيكم عن أثر أدوية ضغط الدم المرتفع التى تحتوى على مدرات للبول.إحساسك بالعطش بمثابة إنذار، فإن ارتويت قضى الأمر، وإلا فإن الكلى ستأخذ قرارها بوقف إنتاج البول لضآلة مخزون الماء بالجسم، ويتبع هذا احتجاز كل السموم والمواد الإخراجية وعادم الأيض الغذائى لأن وسيط التخلص منها هو البول الذى توقف بأمر من الكلى.. هنا الخطورة، قد تمهلك الكلى بضع ساعات، أو تنسحب وتعتذر عن العمل جراء تكرار الإهانة، وهذا هو الفشل الكلوى الحاد ARF.

وأضاف دكتور «بهى» أمراً آخر: أى مريض ببدنه تركيبة صناعية تستدعى ضمان سيولة الدم (دعامة قلب - دعامة شريانية أو وريدية - قلب مفتوح بلا دعامات - أوعية دموية اصطناعية - صمامات قلب أو أوردة...) واستلزم الأمر التداوى بالأسبرين مع أدوية إحداث السيولة مثل Plavix أو بأحدهما، فلا مجال للحرمان من السوائل والسبب هو انتفاء القصد من هذه الأدوية وهو ضمان عدم لزوجة الدم أو ركود سيره فى الشعيرات ومن ثم تخثره.

فيجب ضمان سريان منتظم للدم بلا ركود مع الحفاظ على درجة ميوعة مائية مثالية تعرف بـ(Hematocrit Value).وصلنا ختاماً إلى علاقة «كورونا» بالصيام، فقال «مرسى» إن جهاز المناعة من أشد الأجهزة تأثراً وتعاطفاً مع الكلى، وهو بوابة ضد فيروس كورونا قبل أن يصافح خلاياك.إياك أن تتعفف عن رخصة منحك الله إياها ليخفف عنك.. ولاحظ أن المفطر برخصة هو صائم.

أحببت ختاماً أن أضيف رأى الدكتور «سعد الدين الهلالى»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فى إباحة الإفطار للخائف مثلاً، فالهلالى يرفض الوصاية على الإنسان لأن الصيام قرار فردى وشعيرة تخص الإنسان وربه، وهو يطالب بالعودة إلى «الرشد الدينى» ليصبح دور العلماء تعليم الإنسان الفقه وتمكينه من اتخاذ قراره.. لكن «عبدة التراث» وحماة السنة، (3/4 الدين فى رأيهم)، يصدون الناس عن اتباع القرآن، حتى لا يسقط «الكهنوت»، فالوصاية هى مصدر نفوذه وسلطته «الرسمية» وسطوته على الرقاب!.
نقلا عن الوطن