هاني لبيب
بمناسبة العرض المبهر لترنيمة «مهابة إيزيس»، في افتتاح متحف الحضارات بالفسطاط، وهو إنجاز وطنى عظيم، تحضرنى معلومة قد لا يعرفها كثيرون منّا، وهى أن هذه الموسيقى الفرعونية'> الموسيقى الفرعونية هي الأساس للموسيقى والألحان الكنسية، في تتابع وتكامل حضارى وثقافى.

ولا شك أن الموسيقى هي اللغة الوحيدة التي يستطيع أي إنسان أن يفهمها على مستوى العالم، بل يتذوقها، بغض النظر عن جنسيته أو ثقافته، فالموسيقى هي تراث إنسانى راقٍ. وعندما أكتب هنا «القبطية» فالمقصود هو «المصرية»، لا «المسيحية»، لأن الموسيقى والألحان الكنسية هي امتداد للثقافة الفرعونية.

الألحان الكنسية والموسيقى القبطية «المصرية» هي أقدم موسيقى عرفها الإنسان لأنها ببساطة شديدة امتداد مباشر للموسيقى التي استخدمها الكهنة في المعابد الفرعونية القديمة.. بعد تعديلها لتصبح- أي الموسيقى- ذات صبغة مسيحية، وهو ما يؤكد أنها مدرسة خاصة من الألحان ليست شرقية أو غربية، ولكنها مصرية خالصة. كان الراحل د. راغب مفتاح يقول: «اللغة الفرنسية هي لغة الصالونات، واللغة الإيطالية هي لغة المسارح، أما اللغة والألحان القبطية فهى لغة الصلاة المقدسة». قضى راغب مفتاح حياته في الحفاظ على التراث الموسيقى القبطى، بحث عن المرتلين الذين يحفظون الألحان، ثم قام بتسجيلها، بعد مراجعتها ومقارنتها، كى يحافظ على عدم الخروج عن النص في الألحان القبطية، خاصة، أنها كانت تسلَّم- قبل تدوينها- من جيل إلى جيل شفاهة داخل الكنائس والأديرة المصرية.

بدأ راغب مفتاح مسيرة التدوين عام 1926، فدعا الموسيقار العالمى أرنست نيولاند سميث «الأستاذ بالأكاديمية الملكية للموسيقى في لندن» عام 1928 للقيام بعمل المدونات الموسيقية للألحان القبطية، حيث وقع اختيارهما على المعلم ميخائيل جرجس البتانونى، الذي يُعد واحدًا من أشهر معلمى الألحان الكنسية المصرية، بسبب إتقانه اللغة القبطية وإلمامه بقواعد اللغة العربية ليسجلا عنه الألحان بالكامل خلال الفترة من عام 1928 إلى عام 1936، وأسفر هذا العمل عن تسجيل ستة عشر مجلدًا لتلك الألحان. وهنا أتوقف عند عدد من الملاحظات التاريخية التي تناولتها عدة مرات قبل ذلك:

■ قام قسم النشر بالجامعة الأمريكية سنة 1998 بإصدار المجلد الضخم عن طقس القداس الباسيلى مع المدونات الموسيقية الكاملة له، تحت إشراف «مفتاح». ولم تقم أي مؤسسة حكومية ثقافية بتولى نشر هذا المجلد أو إعادة نشره، وأتحفظ هنا بشدة على أن نطالب المؤسسة الدينية المسيحية المصرية بالمشاركة في هذا الشأن لأنه تراث موسيقى عام مِلْك لمصر وتاريخها قبل أن يكون مِلْك فرد أو مؤسسة أو حتى الكنيسة نفسها.

■ لماذا لا يعرف المصريون راغب مفتاح؟، وهل يعود هذا إلى الإعلام أم الصحفيين أم مَن؟!! وتُرى، هل سمعت وزارة الثقافة بمؤسساتها المتعددة، خاصة المجلس الأعلى للثقافة، عن المدعو راغب مفتاح، الذي يُعد واحدًا من بين أهم عمالقة تدوين التراث المصرى أم أنه خارج نطاق الاختصاص؟، أم أنهم يعرفونه، ولكنهم يمارسون هواية «الصمت الرهيب»؟!.

- سؤال أكثر سذاجة: لماذا لم يتم إلى الآن تكريم راغب مفتاح من الدولة؟، ولماذا لم تتبنَّ أي مؤسسة رسمية ترشيحه لنَيْل إحدى جوائز الدولة؟، وأين جامعاتنا ومعاهدنا المتخصصة من الاهتمام بهذا التراث الوطنى الضخم؟.

نقطة ومن أول السطر..
نهمل تراثنا التاريخى ونتركه لغيرنا، ثم نعود نسأل عن هويتنا وتميزنا وتفردنا، دون أن نبذل أي مجهود في الحفاظ عليه. التراث القبطى «المصرى» تراث إنسانى عظيم.
نقلا عن المصرى اليوم