مؤمن سلام
نجح عمرو خالد هذا الذي سطع نجمه فجأة في سماء الشُهرة عام 2001، فيما لم تنجح فيه كل المؤسسات الإسلامية الرسمية وغير الرسمية في نشر الحجاب في مصر، فقد ظلت جماعات الإسلام السياسي ومعها الأزهر في الدعوة للحجاب على مدار ما يقرب من 25 عام، منذ السبعينات وحتى عام 2001، إلا أنها لم تحقق ربع ما حققه عمرو خالد من نجاح. ويرجع ذلك إلى التزام دعاة الحجاب قبل عمرو خالد بالترويج له بشروطه الفقهية، على عكس عمرو خالد الذي تحرر من هذه الشروط، وهو ما أنتج ظاهرة الحجاب الستريتش والبادي كارينا، وبالتالي اختصار الحجاب في تغطية الشعر.

على الجانب الأخر، أصدر المستشار محمد سعيد العشماوي (1932 – 2013) كتابه "حقيقة الحجاب وحجية الحديث" عام 1993، أى قبل ظهور عمرو خالد على مسرح الأحداث بثمان سنوات، في إطار ما أسماه الإسلاميين معركة الحجاب.

وهنا يأتي السؤال لماذا نجح عمرو خالد ومن ورائه معسكر الحجاب، وفشل محمد سعيد عشماوي ومن ورائه معارضي الحجاب؟

يرى أغلب المتابعين للصراع العلماني – الأصولي بشكل عام، ومعركة الحجاب بشكل خاص، أن سبب هذا النجاح الأصولي والفشل العلماني عائد إلى أسباب موضوعية تتعلق ببساطة الخطاب الإسلاموي وشعبويته وعمق الخطاب العلماني ونخبويته، وهو ما لا يتوافق مع عقلية العامة البسيطة فكان طبيعي أن تتبنى الخطاب البسيط الشعبوي. بينما يرى أخرون أن الشعب المصري شعب متدين بطبعه ما يجعله يميل نحو الخطاب الديني ويرفض أى خطاب علماني خالي من أى نكهة دينية.

إلا أن المُدقق في تفاصيل هذه المعركة سيرى أن هذا الكلام عاري من الصحة وأن التفوق الأصولي حتى عام 2012 لم يكن لأسباب ذاتية ولكن لأسباب خارجية، عندما تغيرت تغير ميزان القوى.

فعندما ندقق في نموذج خالد – العشماوي، سنجد بكل وضوح انحياز من السلطة الحاكمة التي تحتكر الإعلام والمسيطرة بفعل القبضة الأمنية على المجال العام، لعمرو خالد والخطاب الديني ضد محمد سعيد العشماوي والخطاب العلماني.

فقد تحول عمرو خالد إلى نجم تلفزيوني وملأت شهرته الأفاق في خلال 6 أشهر من فبراير 2001 إلى أغسطس 2001، فقد أصبح متواجداً على الفضائيات الدينية وغير الدينية بشكل شبه دائم، كما أصبح ضيفاً على النوادي الاجتماعية والرياضية التي تضم أعضاء الطبقة العليا والمتوسطة في مصر، في ندوات لا يمكن أن تتم إلا بتشجيع من الدولة وموافقة منها حيث يرأس هذه الأندية المقربون من الدولة والمرتبطون بالسلطة، هذا بخلاف الحوارات الصحفية واللقاءات التلفزيونية، ببساطة لقد تم صناعته صنعاً وتسخير الألة الإعلامية للترويج له ولأفكاره.

وفي ظل هذا الصخب الإعلامي لعمرو خالد، أين كان المستشار العشماوي؟ كان معزولاً لا يعلم أحد عنه شيء إلا في دوائر المثقفين، لقد تم تهميشه بالكامل، فلن تجدوا له برنامج تلفزيوني، ولا حوار صحفي، ولا نقاش حول حول كتابه في أى وسيلة إعلامية إلا ما ندر.

فالأمر إذا لا يتعلق ببساطة خطاب ولا بتدين شعب، فقد كان خطاب فرج فودة وسعيد العشماوي خطاب بسيط بعيد عن التقعر رغم عمقه، كما كان خطابهما خطاباً دينياً منطلقاً من التراث الإسلامي، ومن يقرأ كتاب"حقيقة الحجاب وحجية الحديث" سيجد أنه كتاب دين ينتمي لـ "علم الحديث" يناقش حجية الحديث من منطلق دراسات الحديث النبوي في مسألة الحجاب بعد مقدمة عن ماهية الحديث وطرق جمعها ووضع (اختلاق أو تأليف) الأحاديث.

الأمر إذاً هو انحياز الدولة للخطاب الإسلاموي ممثلاً في عمرو خالد، لهذا مع كسر احتكار الدولة للإعلام في ظل عالم الإنترنت والتواصل الإجتماعي واليوتيوب، بدأت الأمور تتغير، فرأينا اسطورة عمرو خالد تنهار، وظاهرة خلع الحجاب تنتشر، بل أصبح نقد الأديان أمر شائع بالرغم من قوانين الإزدراء واستمرار انحياز الدولة للخطاب الإسلاموي.