سحر الجعارة
(يا أيها البشر والآلهة الذين فى الجبل.. إنها السيدة الوحيدة.. مهابة لإيزيس فإنها التى تلد النهار.. مهابة لإيزيس فإنها سيدة الغرب والأرضين معاً.. مهابة لإيزيس فإنها عين رع عظيمة القدر فى الأقاليم.. مهابة لإيزيس فإنها التى تهب الكثير لملك مصر العليا والسفلى).. كان صوت الفنانة «أميرة سليم» يزلزل المكان وكأنها تجسد أسطورة «إيزيس»، أحد آلهة الديانة المصرية القديمة.. لتعيد الأسطورة تجميع لوحة الفسيفساء المصرية، تماماً كما جمعت «إيزيس» أشلاء جثة زوجها الملك الإلهى «أوزوريس».. وأنجبت «حورس» لينتصر على «ست»، إله الشر والظلام.

لم تكن صدفة أن تغنى «أميرة» اللغة القبطية وهى آخر مراحل تطور اللغة المصرية القديمة.. ولا كانت صدفة أن يقف النجم «خالد النبوى» داخل المعبد اليهودى ليقرأ جزءاً من وصايا التوراة: (أكرم أباك وأمك، لا تزنِ، لا تشهد على قريبك شهادة زور، لا تقتل، لا تسرق، لا تشتهى ما يملكه جارك).. فى الفيلم التسجيلى «مصر الحضارة»، الذى طاف خلاله «خالد» بثلاثة معالم دينية يهودية ومسيحية وإسلامية، معبد الهالونوفا اليهودى، والكنيسة المعلقة، وجامع الأزهر.. تجلت مصر حاضنة الأديان «شاء من شاء وأبى من أبى».. لوحة الفسيفساء المبهرة بحكمة حضاراتها، وعلم «السلف الصالح»، وقوة الدولة المهيمنة على الحكم، وإبهار الفنون والثقافة، وعظمة العمارة والبناء.

فى موقف إجلال وتقدير وقف الرئيس عبدالفتاح السيسى ليستقبل موكب المومياوات الملكية الذى يضم 18 ملكاً و4 ملكات لحظة وصولهم إلى مقرهم الأخير بالمتحف القومى للحضارة بالفسطاط.. إنها إعادة بعث لروح مصر الخلاقة التى أهالوا عليها تراب الرجعية والتخلف والتسلف: (إن هذا المشهد المهيب لدليل جديد على عظمة هذا الشعب الحارس على هذه الحضارة الفريدة الممتدة فى أعماق التاريخ).. هذا بعض ما جاء فى تغريدة الرئيس «السيسى»، وهو يدعو العالم لاستلهام روح أجدادنا العظام لاستكمال طريق البناء والإنسانية.

كان المشهد مبهراً، والعالم أجمع يكتم أنفاسه ليتابع انتصاراً مضافاً لمصر الحديثة، حين تقهر الحضارة التخلف والرجعية.. وتنتصر الفنون على التكفير.. ويرفع التحنيط صوت العلم.. لتسقط تخاريف حرمة عرض المومياوات.. وتنطلق طلقات 21 مدفعاً ابتهاجاً بوصول موكب ملوك مصر القديمة.

مصر الحرة تكتب سطوراً جديدة فى سجل الخلود: الدقة، الإبداع، الاحتراف، التقنية الحديثة، احتضان الشوارع والميادين لتراث الأجداد ورقصات الصبايا.

مصر تستعيد هويتها الحقيقية، تخلع العمامة لتزيّن جبينها بتاج الحرية، تنتصر للإنسان دون أن تشق صدره «شاء من شاء وانتحر من أبى».. إنه عيد للعقل الذى تم تغييبه.. للضمير الذى خدّروه وغيّبوه ليستولوا على الحكم بالفاشية الدينية.. عيد للوعى الذى زيّفوه.. للتاريخ الذى زوّروه.. إنه انتصار لإرادة الشعب وللقائد «السيسى» الذى يعرف قيمة الحضارة المصرية كـ«تراث إنسانى»، وجدواها ومردودها الاقتصادى على السياحة الثقافية.

(مصر هى كتاب مفتوح على التنوع الثقافى للبشرية. يجب أن يعطينا ذلك الشجاعة والإرادة السياسية للرد على التطرف وتعزيز قيم الحوار بين الثقافات والتفاهم المتبادل من أجل السلام).. هذا الوصف لـ«إيرينا بوكوفا»، المديرة العامة لليونيسكو.

أطاحت المومياوات من عرباتها بأصنام التكفير، وأسقطت معابد الكهنة.. واستعادت مجدها ومكانتها.. مصر -التى نعشقها- عزفت سيمفونية حديثة على آلة الهارب الفرعونية، ونحتت فى التاريخ الحديث أسماء جديدة.. وسجلت بحروف من نور انتصار «حورس» على آلهة الظلام قديماً وحديثاً.
نقلا عن الوطن