مؤمن سلام
ذكرت في ورقتي البحثیة ”الأمن القومي المصري – رؤیة لیبرالیة“ أن تمكین المرأة المصریة هو أحد قضایا الأمن القومي. وقد استغرب البعض من هذا التصنیف واعتبره نوع من المغالاة في التعامل مع قضیة تهمیش المرأة والتمییز ضدها في المجتمع المصري ولذلك رأیت أن من الضروري التفصیل في هذا الأمر.

نبدأ أولا بالتعریف الذي ذكرته في هذه الورقة للأمن القومي المصري وهو ”أمن وسلامة ورفاه واستقلال المواطن المصري وحمایة كامل إقلیم وموارد وممتلكات الدولة المصریة في مواجهة أي تهدید داخلي أو خارجي“. وهنا لابد أن نسلط الضوء على مسألة رفاة المواطن المصري، فالمرأة كمواطنة مصریة لها كافة الحقوق وعلیها كافة الواجبات، لها حق في هذه الرفاه مثلها مثل الرجل، أى أن لها الحق في العیش الكریم، الذي یقوم على تلقي تعلیم یتوافق مع المعاییر الدولیة لجودة التعلیم، وأن لها الحق في رعایة صحیة تتوافق مع المعاییر العالمیة أیضا لجودة الرعایة الصحیة، وأن یكون لدیها فرص عمل متساویة مع أى مواطن مصري أخر. أما أمنها وسلامتها واستقلالها، فهو لایعني فقط أمنها وسلامتها من اللصوص والمتحرشین ولكن أیضا من كل من ینتهك إنسانیتها سواء كان أب أو أم، أخ أو زوج، خال أو عم،

خال أو عم، مدرس في مدرسة أو أستاذ في الجامعة، مدیر في العمل أو رجل دین في معبد. واستقلال المواطن المصري لا یعني الاستقلال من الاحتلال الأجنبي فقط ولكن أیضا الاستقلال عن سیطرة وتسلط السلطة الحاكمة سیاسیا واقتصادیا، وتسلط المجتمع إجتماعیا، ولأن المرأة أكثر من یعاني من التسلط في المجتمع المصري لأنها الحلقة الأضعف التي یقوم كل مقهور بتصدیر الاضطهاد إلیها، كما أن فرص الرجل المصري في تحقیق الاستقلال الاجتماعي والاقتصادي تظل أكبر بكثیر، یصبح تمكین المرأة المصریة من الإستقلال أكثر إلحاحا وذو أولویة. مدرس في مدرسة أو أستاذ في الجامعة، مدیر في العمل أو رجل دين في معبد

فكلمة المواطن المصري لا تعني الرجل فقط ولكن المرأة أیضا.

– المرأة وتحقیق السلم الأهلي والوحدة الوطنیة
لأننا دولة تعیش في ظل مشاكل طائفیة منذ سبعینات القرن العشرین وتتعرض فیها الأقلیات الدینیة المصریة للاضطهاد، ترسخ في ذهن الكثیر من المصریین أن تحقیق السلام الاجتماعي والوحدة الوطنیة هو باعادة الحقوق لأصحابها المسیحیین واللادینیین والبهائیین والشیعة والیهود، غیر مدركین أن أى احتقان بین فئات المجتمع المصري تهدد السلم الاهلي. فحالة الصراع الدائم بین الذكر والأنثي في مصر هى أیضا تهدید للوحدة الوطنیة المصریة. فالمرأة المقهورة مثل أى أقلیة مقهورة ستشعر بالمهانة وعدم الانتماء لهذا الوطن وسیكون سعیها الدائم لنیل حقوقها ولو بالصدام مع المجتمع. والمشكلة الأكبر هنا أن المرأة المصریة لیست أقلیة بل هى نصف المجتمع بالفعل، فحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء تمثل المرأة 49 %من سكان مصر في عام 2016 ،فهنا یصبح الخطر أكبر لأنه یعني حالة من الاحتقان وتوتر بین نصفي المجتمع. ثم أن هذه المرأة المضطهدة والممیز ضدها، عندما تربي أبنائها لن تربیهم تربیة سویة نفسیا حتى وإن أصبحوا من حاملي الدكتوراة فلن یكونوا أسویاء نفسیا، ولعل في قضایا تحرش المدرسین بالتلمیذات وأساتذة الجامعات بالطالبات ما یجعلنا ننتبه ونبحث خلف هؤلاء وتربیتهم ودور الأم في ذلك. فالأم المقهورة لن تخرج أسویاء.

– المرأة والنمو الاقتصادي وتحقیق دولة الرفاه
كما ذكرت في أول المقال أن تحقیق دولة الرفاه یقتضي تمكین المرأة، وأیضا تحقیق النمو الاقتصادي یقتضي تمكین المرأة. فعندما یصبح نصف المجتمع معطل وغیر منتج فمن أین سیأتي النمو الاقتصادي؟ تحقیق النمو یقتضي تضافر جهود كل المصریین من أجل تحقیق معدلات إنتاج اكبر وزیادة الناتج المحلي والدخل القومي، وهو ما یعني ضرورة مشاركة المرأة في العملیة الاقتصادیة، وهو بدورة یتطلب أن تحصل المرأة على حقوقها الاقتصادیة بأن تحصل على نفس حقوق وامتیازات زمیلها الرجل، وأن تتلقي ما یتلاقة الرجل من تعلیم وتدریب.

– المرأة والحرب على الارهاب
من الغریب أن جماعات الإسلام السیاسي، منذ ظهورهم على السطح، أدركت حقیقة أن حریة المرأة وتمكینها هو أهم عائق أمام زحفهم للسیطرة على المجتمع، فركزوا عملهم بشكل دائم على التأكد من بقاء المرأة المصریة على حالها من جهل وضعف وتبعیة تقترب من العبودیة، بینما وقف دعاة التنویر والحداثة متفرجین ولسان حالهم یقول أن المرأة لیست بهذه الأهمیة لنخوض المعارك من أجلها. وقد التفتت هیلاري كلینتون إلى هذه الظاهرة عندما قالت ”الدول التي تهدد السلم الإقلیمي والعالمي هي الدول التي تعاني فیها النساء والبنات من التهمیش“.

لذلك كانت حرب الإسلامیین على المرأة بالحجاب والنقاب والختان ومنع التعلیم والعمل وكبت حریتها، فالمرأة هى نصف المجتمع وتربي النصف الأخر، والسیطرة علیها وإخضاعها یعني إخضاع المجتمع كله، خاصة إذا حملت المرأة أفكار هذه الجماعات الارهابیة فهي بالضرورة ستخرج للمجتمع ارهابیین ولیس علماء.

لذلك فأحد وسائل محاربة الارهاب هو تمكین المرأة اقتصادیا بحیث لا تحتاج لمعونات هذه الجماعات الارهابیة التي تقدم المساعدة الاقتصادیة بید والحجاب والنقاب بالید الأخرى، خاصة ونحن دولة تبلغ نسبة المرأة المعیلة فیها أكثر من 34 %في عام 2016 حسب المركز القومي للبحوث الاجتماعیة والجنائیة، أى أن أكثر من ثلث الأسر المصریة تعولها المرأة، فإذا لم تكن هذه النساء قادرة على إعالة أسرتها بشكل كریم وإنساني فنحن ببساطة نغامر بتسلیم هذه الأسر إما للارهاب أو للجریمة.

كما أن للمرأة دور رئیسي ومحوري في الحرب الثقافیة على المنابع الثقافیة للارهاب، فالمرأة الحرة القویة المتعلمة المثقفة المستقلة المستنیرة، هى القادرة على تخریج أجیال من المصریین محصنین فكریا وعقلیا ونفسیا من عملیات غسل العقول والسیطرة الفكریة واستغلال النفوس المشوهة المریضة.

الخلاصة
تمكین المرأة هى مسالة أمن قومي، فالمرأة مواطنة مصریة لها الحق في الأمن والسلامة والرفاة والاستقلال مثل الرجل تماما، وهى بالاضافة لذلك لها دور محوري في حمایة الأمن القومي من الحروب الأهلیة والارهاب وهى نصف المجتمع ولن تتحقق التنمیة بدون مشاركتها.

12/3/2017

هيلانة سيداروس(1904 – 1998) أول طبيبة مصرية، أصبحت طبيبة مؤهلة عام 1930