Medhatbe9@gmail.com
 
لاريب أن بشاعة ظاهرة التطرف تعود  في البداية والأساس إلى مسألة إنحراف في الوعي وقراءة مغايرة للعقائد .. هي قراءة شاذة تذهب إلى الغلوّ إلى حد العته .. هي حالة من الهروب والانفكاك من الالتزام بأي قيم عليا أو انصياع لقوانين تحكم مسارات تحقيق العدل .
 
وعليه ، لا يسعد المتطرف إلا بالذهاب إلى حالة تقويض الاستقرار المجتمعي ، والإخلال بثبات الحالة الأمنية ، والتي تعود في النهاية بالأضرار التي تسبب معاناة أهالينا في بيوت الطيبة والأمان ، وضياع فرص النماء والبناء ، لتسود حالة من الضجر والغضب لدى الجماهير تجاه حكامهم و حكوماتهم .
 
لاشك أن أهم آليات التصدي للأفكار المؤسسة للعنف تتمثل في تفكيك أركان خطاب التطرف من خلال طرح خطاب بديل يقوم على مخاطبة الاحتياجات الاجتماعية والنفسية للأفراد وإعادة دمجهم في المحيط الاجتماعي ، فعلى الرغم من أهمية الوعظ والإرشاد الديني في التصدي للتطرف، فإن الخطاب الديني المعتدل ينبغي أن يصاحبه آليات للاحتواء الفكري تقوم على الحوار المباشر مع الشباب والأنشطة الإبداعية التي تكفل للفرد تحقيق ذاته بالتوازي مع تعزيز الشعور بالانتماء إلى المجتمع والدولة بهدف التصدي لتوجهات الاغتراب والانعزالية التي قد تتسبب في الانجراف إلى التطرف .
 
إن المَخرج من بئر العنف تمكيناً وتعزيزاً لثقافة السلم لن يتأتى إلا بتنشيط العقل النقدي والوعي التاريخي، حتى لا نظل نحيا في اللا تاريخ، ولكي لا يفرض علينا تصورهم للتاريخ اعتقاداً، ولا يفرض على الناس تديين بما ليس من الدين ، ويحرر الدين من إغواء رموز الطمع والسلطة والتسلط التي يتبناها أهل الشر ..
.من منا ينسى المشهد الحزين عند صعود قداسة البطريرك تواضروس الثاني سلم الطائرة القادمة من ليبيا وعليها رفات شهداء الإرهاب ، رغم ما كان لمصر الدولة والرئيس والجيش والشعب من مواجهة مطيبة للروح ومبلسمة للجراح كرد فعل على بشاعات قوى الشر .
 
 لا ريب أن آليات عمل الإرهاب ومنظومته الشريرة الباغية لا يمكن التعامل معها كتعاملنا مع أي قوى نظامية  معادية مهما بلغت قوتها عند الاشتباك معها في حرب تقليدية ، فميليشيات الجماعات الإرهابية لا يمكن الإجهاز عليها بخطط عسكرية تقليدية أو بأسلحة حديثة أوحتى نووية ، فموجات الإرهاب هي في النهاية جولات من حرب الضعفاء في مواجهة الأقوياء ، فهي مواجهة مع الأقوياء من وجهة نظر الإرهابي ( وهي كذلك بحق ) نتيجة لوجود تلك الفوارق الكبيرة في قدرة كل منهما على القتل المباشر للآخر ، وأعتقد أن معاناة الإرهابي فكريًا  وعلى الأرض من جراء مواجهاته مع القوى النظامية الهائلة كانت مبررًا لاستمرار بشاعاته الإجرامية والتي يعتبرها ردًا على أنواع البطش التي ظل القوي يتعامل بها معه عبر التاريخ ( من وجهة نظره الغبية الجاهلة ) لإسكات دعاواه وعملياته المهددة للسلام والأمن و التي هي في الواقع  مُضللة و مُتخلفة.
 
ورغم كل بشاعات أهل الشر على الأرض ،  تتعالى من آن إلى آخر أصوات من يدعون أن " المصالحة مع الإخوان وجماعات الشر هى الحل " بدعوى السعي إلى حقن الدماء ، والبعض منهم يحدثوننا عن حقوق الإنسان ، ويتشدق آخرون " هل بإعدام سيد قطب أنهى ناصر على فتنة أهل الشر؟ " .
 
والحقيقة ، أن عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة باتخاذهم قرار حل الجماعة بالإجماع وإجراء محاكمات عاجلة مهد لفترة عاشتها مصر فى ظل الحكم الناصرى هى الأهدأ والأقل فى عدد الحوادث والأحداث الطائفية الدموية، والأقل فى سريان دعم الفكر الإخوانى بشكل عام و " القطبى " بشكل خاص، وهو ما ساهم بدوره فى انتعاش نهضة ثقافية رائعة ( رغم ما قيل إنها كانت موجهة لخدمة النظام ).. فقد شهدنا في المرحلة الناصرية إبداعات سينمائية ومسرحية وموسيقية وتشكيلية هى الأروع والأكثر خلودًا وقيمة فى تاريخ الفنون المصرية الحديثة .
 
في مقال لمفكرهم الخطير " سيد قطب " كتبه على صفحة غلاف " مجلة الرسالة بتاريخ 22 سبتمبر عام 1952 " أدعوك لتأملها معي عزيزي القارئ لتدرك كيف كان ذلك الظلامى البشع يرى فنوننا ، وخطته هو وجماعات التخلف لمقاومة كل إبداع وكل عمل حضارى على أرض المحروسة..كتب " سيد قطب " تحت عنوان " أخرسوا هذه الأصوات الدنسة " .. قال " محطة الإذاعة المصرية لم تشعر بأن هناك ثورة فى هذا البلد، وقد ظل إدراكها لمعنى الثورة محصورًا فى إضافة بعض إذاعات جديدة إلى البرنامج العادى، قائمة على جهد فردى بحت، لا على أساس انقلاب أساسى فى عقلية الإذاعة!   .. ويعلل " قطب " ذلك من وجهة نظره ، قائلاً " هذا طبيعى، فإن العقلية المشرفة اليوم على المحطة هى ذاتها العقلية التى كانت تشرف عليها منذ نشأتها التى ينفثها فى أرواحهم مخلوقات شائهة كمحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبد العزيز محمود وليلى مراد ورجاء عبده وفايدة كامل وشهرزاد وأمثالهم.."