بقلم / عزت بولس

مر نحو عشر سنوات منذ رحيل المؤسس والقائد دومًا للأقباط متحدون المهندس/ عدلي أبادير يوسف. وحقيقة حمل أبادير الكثير من صفات أسمه –أبادير (بالإنجليزية: Abadir) اسم فينيقي للرب الأعلى ومعناه "الأب الجبار" أو حسب لفظه "الأب القادر Abadir- وذلك الرجل كان فعليًا جبار وقادر على إعلاء صوت من كان لا صوت لهم بفعل الفساد الفكري والسياسي بمصر بعهد مبارك "أقباط مصر".

ما قدمه أبادير لمصر خلال أخر خمس سنوات بحياته من 2004  حتى الرحيل بنهاية 2009 ، جعله حيًا حتى الأن وسيظل حيًا بقلب وفكر كل إنسان يؤمن بالشراكة الإنسانية.. بالمواطنة.. بالحوار.. وليس الاستبداد والكراهية والرفض والإقصاء المتعمد وغيرها من أمور تأتى نتائجها السلبية بل والمدمرة على المجتمع المصري ككل بمسلميه قبل أقباطه.

أبادير لم يكن إله بل كان إنسان بنفحة صلابة وجلد من الإله، ومن كان له حظ معايشة ذلك الرجل في سنوات عمره الخمس الأخيرة يستطيع أن يفهم ما أقصد تحديدًا. فالمرض صارعه أبادير وهو شيخ بالعمر وشاب بالروح والعزيمة ،ومهما أنتصر المرض في جوالات الصراع مع أبادير إلا أنه كان يقف من جديد متحديًا الزمن من ناحية والفساد والجهل بمصر من ناحية أخري، في تمسك واضح بقيم الحياة الحرة والحضارة حتى وإن كان هو شخصيًا لن يتمكن من معايشة الحصاد الطيب لما زرعه وأسس له.

لم تستطع الغربة القهرية لأبادير في تنمية أي مشاعر حقد وكراهية لمصر وطنه، كان لديه من التمييز ما يكفي ليضع حدًا فاصلا بين نظام سياسي فاسد ينتهي مهما طالت سنواته- وهذا ما حدث بثورة يناير 2011- وبين مصر الباقية أبيه عالية بحضارتها دومًا وأبدًا.

أبادير عندما أنتقد سياسات وفساد الرئيس الأسبق حسني مبارك ونظامه لم تكن مواقفه تلك  انتقامية لأسباب شخصية، على الرغم من أن ذلك النظام المباركي لفق العديد من التهم له وأساء له بالغ الإساءة . لكن الجدير بالذكر بتلك النقطة أن عدد ليس بقليل من سياسيين عهد مبارك أعلنوا بصور كثيرة احترامهم لأبادير لكونه لا يشتري بالمال ورجل واضح الرؤي غير ملتوى.

أبادير كنموذج للقتال من أجل تحقيق قيمة المواطنة بمصر لم يكن مثار قبول من الجميع، فكما هناك من يُقدر الحضارة بقيمها هناك من لم يتعدوا كونهم حيوانات ناطقة لا تفكر لا تعي ولا تُريد أن تكتسب من الإنسانية غير التكوين الفيزيائي ، ولهذا فمواقفهم من مطالبات أبادير لمصر كانت معروفة وهى لم تؤذيه إنما فقط أكدت على حقارتهم كحيوانات ناطقة ليس إلا.

المال والشهرة والسلطة عناصر في كثير من الأحيان تجعل الإنسان يفقد بعض المعاني كالرحمة والإحساس بمعاناة الأخر – أنا وبعدى الطوفان – إلا أن أبادير لم يكن كذلك، بل بالعكس المال.. جعله يشعر بالمحتاج والشهرة.. جعلته يشعر بمن لا صوت له والسلطة.. جعلته يشعر بالمهزوم. لهذا لم يستجيب ذلك الجبار عدلي أبادير  لدعوات أن يعيش سنوات عمره كشيخ مستمتعًا بالرخاء بعيدًا عن ضجيج المطالبة بالمواطنة والحقوق.

أستخدم أبادير أدوات المستقبل " الصحافة الإليكترونية " وأسس الأقباط متحدون لتكون بذرة نافعة في الفضاء الإليكتروني بمصر والعالم، واستمرت النبتة لنحو 16 عام من التميز والتطور والارتقاء بالمحتوي الصحفي القبطي إن جاز التعبير.

"الأقباط متحدون" نبته أبادير أصبحت الرقم الأول للصحافة المعنية بالشأن القبطي بمصر.  فهل تنطلق تلك النبتة الطيبة  لعامها السادس عشر بقوة وثقة أم سينجح أصحاب الصوت الواحد والإقصاء والعزلة في دفعها للتوقف عن الحياة ؟ لا أعرف إجابة واضحة حتى الأن وإن كنت أتمنى ألا ينتصر أعداء المستقبل أعداء أبادير في تدمير نبتته الطيبة.