سارة غرين كرمايكل
مع استمرار التعافي من جائحة فيروس «كورونا»، ينشر قسم «مقالات الرأي» بوكالة «بلومبرغ» للأنباء سلسلة من المقالات الصحافية التي تبحث في الابتكارات المستوحاة من الأزمات والتي تعد بحياة أفضل على المدى الطويل، بدءاً من اقتصادات أكثر مرونة ومكاتب أكثر صحة إلى مجموعات وجبات من فئة الخمس نجوم انتهاءً بتقليص الرحلات المكوكية غير الضرورية إلى مقار العمل.

قد لا يكون للوباء جوانب إيجابية، لكن «كوفيد - 19» أحدثت تغييراً آمل أن يستمر وهو هوس التنظيف. لا يعني ذلك أن مسح الأسطح قد فعل الكثير لوقف الفيروس، فقد أخبرني جوزيف ألين، خبير هارفارد في الصحة والسلامة في الأماكن المغلقة، أن انتقال فيروس كورونا من الأسطح الملوثة أمر «نادر الحدوث»، وأفاد بأن رش أماكن مثل المطارات ودور السينما بغالونات من المطهرات، قد يجعل الناس يشعرون بمزيد من الأمان، ولكن «في المرحلة الحالية من الواضح أننا نفرط في التنظيف».

لكن في فترة ما قبل الوباء كنا نولى اهتماماً أقل بالنظافة، حيث أظهرت المسحات التي أخذت في مترو أنفاق مدينة نيويورك في عام 2015 أكثر من 100 سلالة من البكتيريا، بما في ذلك بعض السلالات المرتبطة بالتهاب السحايا والتهابات المسالك البولية. كانت سلطات النقل قبل الوباء تقوم بتنظيف عربات مترو الأنفاق بصورة سريعة مرة واحدة يومياً، وبصورة أعمق كل 72 يوماً. لكن بالنسبة لنظام يحمل أكثر من 5 ملايين راكب يومياً، فكل ما يمكنني قوله هو «يا للهول». كذلك لم تكن مكاتبنا صحية بدرجة كبيرة. ففي مايو (أيار) 2020. تحدثت مع جينيفر كوفمان بولر، مؤلفة كتاب «خطة مفتوحة: تاريخ تصاميم المكاتب الأميركية»، التي أخبرتني بأن المكاتب لطالما كانت «مقززة إلى حد بعيد» لأن المكاتب عموماً من ذلك النوع الذي تبدو فيه الأوساخ بسهولة - لذلك لم تستثمر معظم الشركات كثيراً في تنظيفها. ومنذ فترة طويلة فقد عمال النظافة العاملون بدوام كامل وظائفهم لصالح عمال النظافة الذين يعملون فوق طاقتهم ويتقاضون أجوراً منخفضة.

أضف ذلك إلى ضغط الشركة لإظهار الالتزام بالعمل حتى أثناء المرض، والنتيجة هي بيئة يمكن أن ينتشر فيها المرض بسرعة. فقد أظهرت إحدى الدراسات التي جرى الاستشهاد بها في عام 2013 أن تجربة لقياس انتشار الفيروسات أظهرت انتقال الفيروسات من يد موظف واحد إلى نصف أسطح المكاتب المشتركة في غضون أربع ساعات فقط. غير أن التنظيف وغسل اليدين أدى إلى خفض معدل انتقال الفيروس بشكل كبير.

لا تسمح أي دولة لأماكنها العامة المشتركة أن تتسخ بهذا القدر. فلم يكن مستغرباً أن تعود إلى أرض الوطن قادماً من الخارج وتندهش من قذارة المطارات الأميركية. فقبل أي رحلة لشركة «أمتراك»، على سبيل المثال، كان السؤال التالي يتبادر إلى ذهني: هل ستكون غرفة السيدات في محطة بنسلفانيا أكثر أو أقل إثارة للاشمئزاز من مرحاض القطار؟

لم تكن هناك حاجة للعيش بهذه الطريقة. فقد كان هناك فوائد صحية حقيقية غير متعلقة بـ«كوفيد» للنظافة يمكنها أن تجعلنا أكثر إنتاجية. فبينما يؤكد ألين أن التهوية المحسنة يمكن أن تفعل أكثر من غيرها للحفاظ على صحة الناس، فقد كتب أيضاً عن أدلة على أن العمال يعانون من الصداع، وأنهم يكتبون ببطء أكثر عندما يكونون في غرفة بها سجادة ملوثة. السؤال: لماذا لا تفتح نافذة وتخرج الغبار؟

لم تكن النظافة على بال أي شخص يريد قضاء وقت ممتع، كما أنه يكلف الشركات والمدن أموالاً، ويعني إغلاق بعض المرافق أثناء عمل أطقم التنظيف.
لكن الوباء أوضح أن العديد من الإجراءات المختصرة التي نتخذها لتجنب التنظيف - من التلويح بخرطوم من المطهرات إلى استخدام مواد «مضادات الميكروبات» - لا تعمل بشكل جيد. فتلك الإجراءات في أحسن الأحوال هي شكل من أشكال العمل المسرحي. ففي أسوأ الأحوال، يمكنها إدخال مواد كيميائية ضارة إلى بيئتنا، أو إيجاد نوع من الجراثيم الخارقة المقاومة للبكتيريا.

لذلك، دعونا بعد انحسار «كوفيد - 19» نستمر في استخدام الصابون والماء للحفاظ على نظافة كل الأماكن.
نقلا عن الشرق الأوسط