كتب – روماني صبري 

لطالما أبدى الملحن والموسيقار المصري الكبير محمد القصبجي، إعجابه بالفن منذ كان صغيرا، ما عكس انه سيكون واحدا من كبار الفنانين في مصر والعالم العربي، كان  أول عمل تلحيني احترافي له هو (وطن جمالك فؤادي يهون عليك ينضام) من كلمات شاعر عصره الشيخ أحمد عاشور، ثم أنضم إلي تخت العقاد الكبير عازف القانون بعد أن أعجب به هو والمرحوم مصطفي بك رضا رئيس نادي الموسيقي الشرقية، في عام 1920 اتجه القصبجي اتجاها آخر في تلحين الطقاطيق، والتي كتبها الشيخ يونس منها طقطوقة "بعد العشا" وطقطوقة "شال الحمام حط الحمام".
 
 شهد العام 1923 استماعه للسيدة أم كلثوم حين كانت تنشد قصائد في مدح الرسول، ولسرعان ما كشف إعجابه بها، ليلحن لها بعدها عام  أغنية "آل إيه حلف مايكلمنيش"، بعدها ظل يعمل معها حتى غيبه الموت في 26 مارس عام 1966.
 
القصبجي من مواليد القاهرة الخديوية المصرية يوم 26 مارس عام 1892، تخرج في مدرسة المعلمين، وبسبب عشقه للفن راح يؤدي الأدوار القديمة في الحفلات الساهرة وأصبح زميلا لمطربي هذا العهد وهم : زكي مراد، احمد فريد، علي عبد الهادي، عبد اللطيف البنا، صالح عبد الحي.
 
تربى القصبجي في كنف عائلة موسيقية حيث كان والده أحمد القصبجي مدرساً لآلة العود وملحنا لعدة فنانين، نما لدى القصبجي حب للموسيقى منذ صغره وتعلق بها، ولكنه لم يحد عن طريق العلم فالتحق بالكتاب وحفظ القرآن الكريم وانتقل إلى الأزهر الشريف حيث درس اللغة العربية والمنطق والفقه والتوحيد، ثم ارتاد دار المعلمين ليصبح بعدها معلما.
 
لم يحقق القصبجي رغبة والده بالاستمرار في العمل الديني، جراء هواه للموسيقى الذي لم يبرد في صدره، واشتغل بعد تخرجه في مجال التعليم ولكنه لم ينقطع عن الموسيقى، تمكن القصبجى من إتقان أصول العزف والتلحين وساعدت ثقافته العامة في خوض غمار هذا المجال باقتدار وبدأ يعمل في مجال فن، ثم ترك مهنة التدريس وتفرغ تماما للعمل الفني، وكانت أول أغنية له من نظمه وتلحينه ومطلعها "ما ليش مليك في القلب غيرك" وتم تسجيل هذه الأغنية بصوت المطرب زكي مراد والد الفنانة ليلى مراد، وكان أحد مشاهير المطربين في ذلك الوقت، ومن هنا طرق القصبجي عالم الاحتراف الفني.
 
قرر القصبجي في عام 1927 تكوين فرقته الموسيقية، وضمت أبرع العازفين أمثال محمد العقاد للقانون وسامى الشوا الملقب بأمير الكمان وكان هو عازف العود في الفرقة، ولم يتوقف عند الشكل التقليدي للفرقة الموسيقية العربية فأضاف إلى فرقته آلة التشيلو وآلة الكونترباص وهما آلتان غربيتان، قدم القصبجي ألحانا عديدة للسينما وكان من أكثر الملحنين إنتاجا طوال 50 عاما وقدم للمسرح الغنائي الكثير، فقد قدم لمنيرة المهدية عدة مسرحيات هي:"المظلومة " و"كيد النسا" و"حياة النفوس" و"حرم المفتش" كما قدم لنجيب الريحاني ثلاثة ألحان في أوبريت "نجمة الصباح"، كما لحن الفصل الأول من "أوبرا عايدة" الذي غنته أم كلثوم في فيلمها عايدة في أوائل الأربعينات وكان محمد القصبجي يتطور ولكن في إطار المحافظة علي النغمة الشرقية الأصيلة، وهو من علم الموسيقار محمد عبد الوهاب  العزف علي العود.
 
قام القصبجي بتلحين ما لا يقل عن 72 أغنية للسيدة أم كلثوم، بينها بعض الأغاني المفقودة، بدأت بأغنية "قال إيه حلف" عام 1924، وانتهت بالأغاني الثلاثة التي لحنها لها في فيلم فاطمة عام 1947، وجميع هذه الأغاني من تأليف أحمد رامي، عدا 5 أغاني.
 
في أخر أيامه ارتضى أن يكون عازف عود خلف أم كلثوم ، وكان يشاهده الجمهور وهو يجلس على مقعد خشبي محتضنا العود مدة سنوات، ينسب إليه فضل التجديد في المونولوج الغنائي بداية من "إن كنت أسامح وأنسى الآسية" إلى "رق الحبيب" غناء كوكب الشرق، وقد كان في كل هذه الألحان وغيرها وباعتراف أبرز الموسيقيين والنقاد، زعيم التجديد في الموسيقى المصرية.
 
نجح الموسيقار محمد القصبجى في تقديم أعمال سابقة لعصرها في الأسلوب والتكنيك، وأضاف للموسيقى الشرقية ألوانا من الإيقاعات الجديدة والألحان سريعة الحركة والجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال، والتي تتطلب عازفين مهرة على دراية بأسرار العلوم الموسيقية، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقي، كل هذا أدى إلى ارتفاع مستوى الموسيقى والموسيقيين أيضا، وبالإضافة إلى الأجواء الرومانسية الحالمة التي أجاد التحليق فيها اكتسبت ألحان القصبجى شهرة واسعة وجمهورا عريضا ويمكن القول بأنها حملت أم كلثوم إلى القمة، رآه الكثيرون الموسيقي الأفضل الذي تفوق على محمد عبد الوهاب وسيد درويش، ودع الرجل الحياة في 26 مارس عام 1966 عن عمر 73 سنة.