إعداد وتقديم الكاتب – مدحت بشاي
أشاد الدكتور صلاح فضل أستاذ النقد الأدبى وعضو مجمع اللغة العربية، باسم برنامج "ستوديو التنوير"، مؤكدا بقدر ما تثير من الأمل والتطلع للمستقبل، تثير شيئا من الشجن والتأمل، إلا أن التنوير عندنا اتخذ موجات متتالية خيل لبعضنا أنه انكسر أو انحصر أو انتهي، ولكن الواقع انه كلما اشتدت طبقات المواريث التى تحول بيننا وبين ما نصبوا إليه من إشراقات مستقبلية كلما كانت لدينا مراحل نقطعها فى التنوير.

وتابع: فى فترة من الفترات حتى لما كنت شابا انتابتني لحظات من الاكتئاب واليأس، واذكر ان كنت على صلة مع واحد من أساتذتي غير المباشرين وهو الأستاذ عبد العزيز الاهواني وكنا نحضر فى منزله ندوة من الندوات يعقدها صباح كل ثلاثاء، وكنت اكتم فى نفسي نوع من الصدمة عن استمراري خارج مصر قرابة 15 عاما رجعت ووجدت طبقات التخلف ودلائل الردة النهضوية ما اوقع فى قلبي اليأس.

وروي الدكتور صلاح فضل، خلال لقائه ببرنامج "ستوديو التنوير" المذاع على شاشة الأقباط متحدون ويعده ويقدمه الكاتب مدحت بشاي، لقاء جمعه بالأستاذ عبد العزيز الاهواني، الذى سألني: منذ 50 عام عندما كان يمرض احدا فى القرية ماذا كان يفعل؟ فقلت: كان يذهب لأحد رجال الدين يكتب له حجابًا أو لحلاق القرية. وقال لي والآن ماذا يفعل؟ قلت: يذهب للطبيب. وأخذ يضرب لى الأمثلة بأن مظاهر التقدم الحقيقي تغزو مصر وتخللها، ونمط الحياة الغربي أخذنا فى الانتشار وأننا لا ينبغي أن ييأس لان موجات التنوير تتوالي حتى نبغي ما نتمني.


التربية الأولي عندما تتأسس فكريا وثقافيا ولغويا بتمكن من اللغة وذلك عبر مراحل الدراسة بالأزهر وحفظ القرآن الكريم وحفظ اللغة والثقافة الإسلامية بعمق، هذا يتيح للإنسان أن يطلع على ثقافات أخري ويستوعبها بنضج وأن ينتقي منها ما يتلائم وما ينسجم من طبيعة هويته وتكوينه وشخصيته وأن يحسن الانخراط فى ثقافة امته بما ينميها.

وتابع: جيالنا كان من أخر الأجيال التى كان الأدب واللغة والشعر يمثل ركيزة أساسية  وذاكرتنا ذات طبيعة شعرية وأدبية ومفتونة بالعلوم الإنسانية، ثم جاءت أجيال بعد ذلك مفتونة بالعلوم الطبيعية والتكنولوجيا وبتقنيات حديثة وحاولنا أن نستوعب شيئا من هذا ولكن يظل تكوينا العقلاني والإنساني فى التأسيس الثقافي للوعي الحضاري هو الأقوي والامتن، ولعل هذا ما يمكننا من أن ندير أمور حياتنا فى مختلف جوانبها فى الحياة العامة والشخصية والمهنية بشيئ من التوازن الرشيد.

وذكر الدكتور فضل، انه درس الفكر الأدبي والابداعي والنقدي فى العالم كله، وكانت انحسرت لحد ما البعثات التى توفد للخارج منذ السبعينيات والثمانينات وبدأت ترتفع فى مصر أصوات تقول أن هؤلاء الذين درسوا فى الخارج قد صبغوا بالصبغة الغربية وأصبحوا عملاء للثقافات الأجنبية وأصبحوا دخلاء على الثقافة العربية الأصيلة، اندهشت جدا من ذلك لأنني اتصفح فى ذهني عمد النهضة الفكرية المصرية والعربية فلا أجد أحد منهم يستحق الذكر إلا وأن نال حظه من الوعي والصلة العميقة بهذه الثقافة الغربية، ولولا علاقته بها لن يستطيع أن يجدد أو يبدع ولا أن ينتج شيئا ذا قيمة ولا أن يسهم فى بناء الوطن ومفهوم الوطن ذاته والدولة المدنية الحديثة، ليس مجرد الأجناس الأدبية الشعر والرؤية والقصة والمسرح والإعلام والتعليم وغير ذلك ولكن يسهم فى طبيعة نظرة الإنسان إلى ذاته وعلاقته بالآخرين. هل كلها نطلق عليهم أنهم عملاء للخارج وأنهم صبيان مستشرقين ويطعنون فى اللغة العربية هذا أمر فى غاية الغرابة.


وادركت أن منذ الثمانينات امتدت موجة نصف ظلامية تطفئ وجه الموجة الأولي التى بدأت رفاعة رافع الطهطاوي منذ القرن التاسع عشر واستمرت حتى طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وكل من تتلمذوا على يد هؤلاء فى الفكر والثقافة والمعرفة وقادها بعض الشيوخ وبعض رجال الكنيسة من المنارات الكبرى من الشيخ محمد عبده والأباء الأساسيين للشخصية المصرية وللثقافة المصرية.

وادركت أننا بصدد موجة انتكاسية قليلة ولكنها لن تلبس أن تسترد عافيته مرة أخري وأن تقوم رؤيتها لعلاقتها بذاته وتراثها وعلاقته بالأخر وحضارته على أساس بسيط جدا وهو ما مثل لي نقطة التوزان الحقيقية.