"أكليريكية الانبا رويس والانجيل الخامس انجيل التأله " د. ماجد منصور 
"وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد"
يؤئيل 2 :25
الأب.د.أثناسيوس حنين
انعطاف السنين ينبغي ان يكون امتحان قلوب امتحانا صميميا بالروح والكلمة والنسك والتجرد والسهر والحب. يجب ان يكون الامتحان صميميا لا نهرب فيه الى تحليل الأوضاع الخارجية فقط ’ فالشر لا يأتي فقط من الأوضاع وان شاركت في تبريره وانتشاره وتوثيقه . أنه أي الشر تفجر خطايا الأفراد في دنيا السياسية والدين .
 
بعد أن صار المجال الدينى هو مسرح السخافات ومعمل الشرور والمسيحية بالمعنى السوسيولوجى هي دين من أديان هذه الدنيا .الا اذا أراد اتباعها ان يصيروها رؤية ولاهوت ورسالة . كما يدعوهم يوئيل النبى (احد هؤلاء الأنبياء الأصاغر) .الكبار هم أصحاب القرار’ أسياسيا كان أم دينيا ’ أو اقتصاديا ’ وأحيانا كثيرة يكون القرار لاهوتيا . الكبار  تفاعلوا مع ذنوبهم فأتى القرار شريرا أو هرطوقيا حسب لاهوتنا .
 
نعم هم ’ بمسؤليتهم ’ سجلوا فكرا سيئا في المجتمع بعدما أمنوا به ’ وتمسكوا به ’ وتبنوه وبحثوا له عن تبريرات ومبررات. لكنهم بمسئوليتهم تلقوا هذا الفكر وتبنوه وقادتهم الأقدار الى تفعيل فكرهم والى تحصينه بوسائل وطرق هذا العالم الساقط حسب كتبنا ’ أي أنهم حولوا الفكر الى جسد ولكنه جسد "قد أنتن يا سيد "كما قالت مرثا الخادمة اللابسة ثوب النعمة  للسيد على قبر لعازر أخوها .(يوحنا 11 ).هذا هو ما يذهب اليه أبناء الأنبياء وأصحاب الرؤية. الذين يستلهمون النعمة ليحولوا الزمان الردئ الى زمان الله. 
 
شيء من هذا أراده من يشغلنا في هذا المقال وهو يوئيل النبى الثائر والرائى لمأساوية وخسائر الماضيات ولمصائب وكوارث الحاضرات وللتعويضات والنعم الأتيات .يقول لنا الباحثون في الكتاب المقدس وتاريخه وظروف وأسباب نزوله ’ بأن نبينا أيليا شخص غامض تاريخيا .لا نعرف عنه أكثر من أنه (أبن فنوئيل)يؤ1 :1  .
 
وهذا يعنى فيما يعنى ’ لنا ’ ان الصغار والمجهولين والمتواضعين ’ هم أدوات الله وهم صناع التاريخ . هم معمل الروح والكلمة وتروس التنوير . ويبدوا من سياق السفر أنه مطلع جيد على شئون الهيكل والكهنة والويل لمن أطلع على شئون الكهنة وسياسات الهيكل من الداخل ! ولهذا يذهب بعض الباحثين الى أنه كان يقوم بخدمة طقسية في الهيكل .وليس مصادفة أن صرخته قد جأت قبل السبى وربما كانت معاصرة له لان النبى يبدو انه شاهد عيان (يرى معظم  العلماء ان يوئيل عاش وكتب في القرن السادس او السابع قبل الميلاد). هذا يشرح درايته الكبيرة بمجريات الأمور في الهيكل والتي لم تكن دوما حسب الله .ولهذا يخاطب الكهنوت ’ بكل درجاته ’ ويطالبهم بالنوح (تنطقوا ونوحوا أيها الكهنة . ولولوا يا خدام المذبح .لأنه قد أنقطع عن بيت الهكم التقدمة والسكيب ) الحل الفوري والعاجل ليس هو التراشق بالالقاب والردح بالمعلومات وفتح الملفات سوا صحيحة أو مزورة . بل  هو أن (قدسوا صوما نادوا باعتكاف )1:13. الصوم هنا ذو طابع قومى وكنسى شامل ووجودى مصيرى  .
 
ومن ثم يبشر متنهدا بيوم الرب ’ الذى لن يـاتى بالخيرات بل بالخراب (أه..على اليوم لان يوم الرب قريب .يأتى كخراب من القادر على كل شيء )يوئيل 1 :15 .الخراب ليس روحيا فقط ’ بل واقعيا وهو غزو جراد تظلم له السماء كالغيم ويتساقط على البلاد ويأكل الاخضر واليابس  مصدر الحياة ونعرف من التاريخ الكتابى انه بين المصريين والجراد علاقة وطيدة(راجع خروج 10 :12) حينما رفض قادته وفراعنته اطلاق شعب الله للشهادة الحرة والحرية الشاهدة .
 
يذهب المتخصصون في تاريخ الكلام الالهى الى أن الخراب لم يأتي فقط من هجمة الجراد المتوحش ’ بل تشمل البلية كلاما عن جفاف وعلى حريق شديد وعلى اجتياح عسكرى (يو1 :19 )..ولعل هذا هو المقصود(بيوم الرب).هنا يطلب النبى من جميع الشعب أن ينوحوا ’ لا يبدوا أن هناك طبقية في التوبة والاستنارة بالروح بين اكليروس وعلمانيين أي بين (مستنيرون) يتفرجون على مشهد الهلاك ويحللونه بأحلى الكلام وأسجعه و(العوام والجهلاء) الذين لا حول لهم ولا قوة . لأن الجميع قد شاركوا في اعداد البلاد للخراب ’ منهم من صمت خوفا وجبنا ومصلحة ومنفعة ’ ومنهم من تكلم تبريرا ومدحا وتصفيقا ! يفهم النبى الواقع المزرى للكهنوت وبالتالي للشعب ’ شعب الله .’
 
ويكرر ندائه للكهنة ليس لكى يهزوا المنابر بالخطب النارية الجوفاء ولا لمن احمرت اياديهم من التصفيق لكل من هم في منصب !أو لكى تنتفخ جيوبهم  من أموال الفقراء بل ناداهم  ان يجمعوا الشعب الذى نجحت في تشتيته  الأهواء والاطماع (ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يارب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار) يو 2 :18. لعلها الفرصة الأخيرة والنداء الأخير للكهنة ورؤساء الكهنة ليس في مصر فقط.
 
يظن الكثيرون منا كهنة أو شعبا ’ وهذه مصيبة معظم الكنائس التقليدية ’ بأننا قيمون على بعضنا البعض ! بعضنا يأمر ويشرعن ويكتب بلا فحص وبعضنا يخضع وينفذ بلا سؤال ! بعضنا يتكلم ويصول ويجول ! وبعضنا يقف موقف المتفرج وينتقد ويشتم وربما بأسم مستعار وبلا وجه ! ولهذا لا يوجد بيننا بعدا ثالثا ’ وجها ’ بروسبون ! نرقى اليه ونتمعن فيه ونرى وجوه بعضنا البعض من خلاله وهو الكلمة النازلة من فوق من عند أب الأنوار .!غاب معنى شعب الله الواحد ودوره ليس فقط في صياغة الوحى بل في تفسيره !. وهذا هو الجحيم بعينه حسب الإباء الشيوخ .وهنا ’ وفى ملء الزمان ’ تستجيب السماء لدعوات الصادقين كهنة وشعبا ويقرر الرب أن يرد سبى يهوذا وأورشليم ’ طبعا بالمعنى الثيؤلوجى والاكليسيولوجى للكلمات ’.بل وقرر أن يعوض لنا عن السنين التي أكلها الجرد .
 
(وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد ...فتأكلون وتشبعون وتسبحون اسم الرب)يو2 : 25 -26 . . يذهب المفسرون من القدامى والمحدثين ’ وقد قام الاب تادرس يعقوب بتفسير سفر يوئيل ! الى أن التعويض أو المكافأة أو العطية عن السنين التي أكلها الجراد يكمن فى عطية الروح القدس وحلول اللاهوت فينا بالمعمودية والمسحة المقدسة والافخارستيا كمحطات تاريخية شاهدة لقضية التعويض . لم يطالب يوئيل شعب الله بشئ اكثر من التوبة والنوح والصوم وقلة الكلام والتجرد ’ وهذه ليس ثمن بل تهيئة للنعمة . ويبدوا أن النبى الرائى  قد يأس تماما من احتمال توبة الكهنة ويشك في استعدادهم الصادق لقبول الروح القدس ’ فيذهب الى الشعب بكل اطيافه (ويكون بعد ذلك انى اسكب روحى على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم احلاما ويرى شبابكم رؤى ) ولا تقتصر عطية الروح على السادة من الشعب بل ستنسكب أيضا على (العبيد وعلى الاماء اسكب روحى في تلك الأيام) يؤ 2 :28 -32 (بنوكم وبناتكم وشبابكم  )لهذا يقرأ  سفر يوئيل في يوم العنصرة في الكنائس التقليدية .لا يملك المراقب للأمور من النائحين والصوامين والمتجردين والذين تركوا كل شيء وتبعوا المخلص ’ من أن يروا خيرا وتعويضا من السماء عن سنين أكلها الجراد أو كاد. ونقصد هذه المشهد العلمى والاكاديمى الراقى الذى تم السبت الفائت في قلعة العلم في أم الشهداء ’ الكلية الاكليريكة ’الحدث الذى وصفه صديقى د.ماجد منصور بأنها "عهد اكليريكية الانبا رويس الجديد والانجيل الخامس ’ انجيل التأله ". في مناقشة علمية لرسالة لاهوتية لقضية ارادت السماء ان تعوض المصريين عن فقدانها أو أقله التعتيم عليها ’وهى قضية مصير الانسان وصيرورته هيكلا للروح القدس "تأله الانسان عند أباء القرون الخمس الاولى" للأب مكارى القمص تادرس ". ألعلها روح نبوية يؤيلية جديدة تنسكب على المحروسة وتبشر بعهد لاهوتى جديد يقوده الأنبياء أي المعلمون الساجدون  بالروح والحق مع كيرلس الكبير .اللافت ان الباحث كاهن شاب وكأنه يكفر عن خطايا كهنة ورؤساء كهنة كثيرين ويقول لايليا وللتاريخ ’ وهذا هو الأهم في القضية  (نعم لقد نحنا وبكينا نحن  الكهنة ’ وها نحن وبعد ان زرعنا  بالنوح والدموع ’ نحصد للكنيسة ولمصر بالبهجة ). هذا ما نرجوه ونصلى له معتكفون  .تهانينا لعلماء المركز الارثوذكسى القبطى للدراسات الابائية من اخوتنا واصدقائنا ورفقاء دربنا الدكاترة جورج عوض(ليست مصادفة لقب عوض ’ أعوض لكم ) وسعيد حكيم ( ليست صدفة صفة الحكيم والطوباوى مكاريوس كما كان يلقبه اليونانيون اساتذة وشعب ) . والذين يقودهم الصابر الكبير والصامت والساجد دوما والناسك الانجيلى  والرائى والمراقب الجيد  لعلامات زمان الكنيسة مع الأنبياء د. نصحى عبد الشهيد والذى صبر الى المنتهى وها هو بهم وبأحبائهم ومريديهم وتلاميذهم يغلب ويعظم انتصاره بيسوع الذى أحبه .. ألا جعلهم الله أن يكونوا هم غيمة إيليا الصغيرة التي انتظرناها سنينا هذا عددها والتي أعطت السماء من خلال سجود نبى أخر ثائر وهو إيليا على الأرض وجعله وجهه بين ركبتيه ’ولا ننسى طاعة غلامه الصغير ’ أعطى ’ نقول ’ أن تأتى الغيمة الصغيرة بمطر عظيم وعوض لنا عن زمان ساد فيه الجفاف أو كاد .(1 ملوك 18 : 41 -46 ) .