بقلم : الدكتور مجدى شحاته
 
وبالرغم من عدم وجود تعريفا واضحا جامعا للارهاب ، الا انه يتمثل فى ممارسة العنف العشوائى لنشر حالة من الخوف والرعب والهلع ، بغرض تحقيق هدف سياسى واخضاع الحكومات لمطالب بعينها .
 
كما ان هناك اسباب متعددة وجهات مختلفة مسؤولة عن الارهاب . ولكن  تنتابنى الدهشة وتتملكنى الحيرة ، لأزدواجية المعايير لتوظيف الارهاب الذى بات ظاهرة وحالة وجودية لكثير من دول العالم ، ليكون ورقة سياسية تتلاعب بها الدول الكبرى لخدمة مصالحها من خلال ما نسمية مبادى حقوق الانسان . الامر التى يترتب عليه ، شيطنة موضوع " حقوق الانسان " . 
 
ليصبح قضية مساومة ووسيلة للتدخل فى الشأن الداخلى للدول ، ومحاولة للضغط  على تلك الدول،  لتنفيذ أهداف محددة . بالمنطق وبالعقل لا يمكن التعامل بانتقائية فى موضوعات حقوق الانسان .
 
فبعض المنظمات الحقوقية تعتبر أن الحرب ضد الارهاب والتصدى للفوضى والعنف ،  بمثابة عمليات قمع واعتداء على الحريات وانتهاك لحقوق الانسان !! والسؤال الذى نطرحه للمتشنجين من المنظمات اياها .. كيف يمكن لأى دولة فى العالم ان تحمى مواطنيها الابرياء وممتلكاتها ومؤسساتها من ألاحزمة الناسفة و العربات المفخخة ، ومن الذين يفجرون المساجد والكنائس بمن فيها من المصلين ، ينهبون  ويدمرون ويحرقون الممتلكات العامة والخاصة ؟؟ ويجندون من خلفهم كتائب الكترونية لبث الكراهية والحقد بين خلق الله على صفحات التواصل الاجتماعى المشبوهه ؟؟  هل مقاومة  الارهاب والتصدى للفوضى والحفاظ على أرواح المواطنين الابرياء وحماية مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة من الحرق والتدمير والسرقة والنهب أصبح أمرا يتعارض مع حقوق الانسان من وجهه نظر المنظمات اياها ؟؟  لماذا  لم نسمع كلمة ادانة واحدة من تلك المنظمات عندما يسقط الاطفال والنساء والرجال الابرياء فى عمليات ارهابية تستهدف المصلين فى المساجد والكنائس ، واستشهاد خيرة شبابنا من قواتنا المسلحة والشرطة فى هجمات ارهابية جبانة ؟؟ هذه المنظمات بكل أسف لاتستحى ولا تخجل من نفسها وهى تنشر الاكاذيب والتقارير المفبركة ، والتى لا تستند على حقائق وبراهين سليمة ، فى نفس الوقت الذى فيه تغض الطرف وتتجاهل انتهاكات واضحة فى مجال حقوق الانسان  وضوح الشمس فى كبد السماء .
 
بعد اعلان مبادئ حقوق الانسان عام 1948 ، لم تستوعب دول العالم بما فيها الدول المتقدمة مفهوم تلك المبادئ بشكل فورى ، فالولايات المتحدة الامريكية لم تلتزم بشكل سريع وظلت تمارس الفصل العنصرى حتى منتصف الستينات من القرن الماضى . ومن الامور الملفتة ان سويسرا قمة الديمقراطية لم تمنح المرأة حق التصويت الفيدرالى حتى عام 1971 وكانت مصر قد سبقتها فى ذلك بخمسة عشرة سنة . 
 
 كثير من الدول الكبرى التى تتباكى على حقوق الانسان ، تكون هى  بنفسها أول ما ينتهك تلك الحقوق . على سبيل المثال وليس الحصر ، عندما فرضت أحداث 11 سبتمبر 2001 صدمتها العاتية ، تسببت فى اضطرابات جيوسياسية فى كافة أنحاء الارض ، الامر الذى أدى الى تراجعا كبيرا فى الحقوق والحريات فى امريكا ومعظم الدول الاوروبية . والتى بمقتضاها سقطت ورقة التوت الاخيرة عن دعاوى واشنطن نحو الالتزام بالمبادئ الدولية لحقوق الانسان . لم يفكر صناع القرار السياسى ان هناك تراثا قانونيا وأخلاقيا دوليا متمثلا فى حقوق الانسان ، وان هناك خطوطا ينبغى عدم تخطيها وتجاوزها .. وجاء رد الفعل الامريكى منفلتا ، فاعتمدت واشنطن قوانين عسكرية مشددة ، الاعتقالات لفترات غير محددة ، لمجرد الاشتباه و بدون اتهامات واضحة . قيود مشددة فى التنقل والسفر . ممارسة التعذيب فى مراكز الاعتقال مثل معتقل جوانتانامو وابو غريب الامريكى ومراكز اعتقال كثيرة اخرى تم احتفاظ سريتها للهروب من القانون . فى استراليا صرح وزير الخارجية الفيدرالى فى 13 سبتمبر 2001  ، اى بعد الاحداث بيومين ،  مستشهدا بتفجير البرجين فى نيويورك كتبرير لرفض حكومته تنفيذ قرار المحكمة  بتمكين عدد من اللاجئين دخول الاراضى الاسترالية ، بل وقامت الحكومة باعتقالهم ، بالمخالفة الصريحة لالتزاماتها وفقا لاتفاقية اللاجئين عام 1951. فى نفس الوقت التى استغلت فيه بعض الدول الكبرى مبادى القانون الدولى لحقوق الانسان ومنحت حق اللجؤ السياسى ، لكثير من الارهابيين ، والتوسع فى تعريف المضطهد سياسيا ، ليضفى مزيدا من الشرعية لحمايتهم . بعد مقتل المواطن الامريكى جورج  فلويد بطريقة بشعة على يد شرطى امريكى  . وعلى مدى عدة أيام متتالية خرجت التظاهرات فى عدد من الولايات الامريكية وعواصم والمدن الكبرى فى كثير من دول العالم تطالب بترسيخ ودعم حقوق الانسان وعدم العنصرية ، وهذا أمر طيب بل و عظيم بدون أدنى شك . ولكن بكل الاسف تحولت التظاهرات الى أدة مشبوهه من الابتزاز السياسى وضغوط  ممنهجة بغرض الوصول الى أهداف بعينها أبعد ما تكون تماما عن حقوق الانسان أو مناهضة للعنصرية . بل جاءت التظاهرات دعوة الى الفوضى والتخريب والسرقة والنهب والحرق وتهديد كافة الحريات . فتحولت تلك التظاهرات  لتصبح أداه ضد حقوق الانسان ودعما للعنصرية وتهديدا للأمن وحياة البشر، مصحوبة بتجاوزات وخروقات غير مقبولة . واختلط الحابل بالنابل . وأهتزت المعايير وأصبحت مبادئ حقوق الانسان مجرد لافتة مزورة خالية المضمون ، وبمثابة ثوبا واسعا فضفاضا يتستر تحته اصحاب الاجندات المغرضة والجماعات المتطرفة والارهابيين وماليشيات النهب والسرقة والحرق والتدمير التى تسعى لنشر الفوضى  كما نقلتها وسائل الاعلام العالمية . نفس المشهد تكرربشكل أو بآخر ، عندما هاجم المتظاهرون واحتلوا مبنى الكابيتول والكونجرس الامريكى فى أحداث 6 يناير من العام الحالى وبصورة غير مقبولة ، وهنا كان لابد من تدخل حازم من الشرطة وقوات الامن الخاص والتصدى لهذا النوع الخطير من الارهاب ، وتم استخدم العنف المفرط فى التعامل مع الغوغاء  واطلاق الرصاص الحى وسقط عددا من القتلى والجرحى وتم اعتقال العشرات ، ولم يعترض أحد ويدعى ان ماحدث ضد المتظاهرين هو انتهاك لحقوق الانسان . ولكن الامر بالنسبة لصناع القرار ، هو تصدى للارهاب والترويع لحماية حقوق الانسان . امريكا لها أسوء سجل عنف فى العالم ، عدد عمليات القتل الجماعى وصل الى 415 عملية عام 2019  ، راح ضحيتها 39052 شخص ، فى امريكا هناك شخص يقتل بالرصاص كل 15 دقيقة . يوجد فى امريكا ما يقرب من 20 مليون طفل تحت حد الفقر . عدد السجناء فى امريكا هو الاعلى فى العالم ، ومات داخل سجونها 1384 مسجونا عام 2017  ، وقامت الشرطة بقتل 1000 شخص خلال مداهمات ومطاردات وذلك عام 2018 . الولايات المتحدة الامريكية هى أكثر الدول حروبا فى العالم ، انفقت 6.4 تريليون دولارا فى الحروب عام 2001 أسفرت عن مقتل 800 ألف شخص وخلفت الملايين من النازحين . ما رأى منظمات حقوق الانسان فى كل ذلك ؟؟   
 
مصر دولة محورية ذات سيادة كاملة ، لها مكانتها الشامخة المرموقة بين دول المنطقة وسائر دول العالم .
 
تحارب الارهاب بكل الحزم والقوة  ، نيابة عن كل سائردول العالم ، فى اطار متطلبات العدالة وسيادة القانون واحترام كامل لكل مبادئ وقوانين حقوق الانسان . ان محاربة الارهاب أمر ضرورى وحتمى لاقرار مبادئ حقوق الانسان ، ولا تعارض بين المسلكين ، وليس هناك أى تضارب بين متطلبات حماية الامن الوطنى ضد الارهاب وبين تأمين احترام حقوق الانسان وفقا للمبادئ التى ارتضاها المجتمع الدولى .  
 
منذ قيام ثورة 30 يونيو 2013  ومصرفى اطار رؤيتها الوطنية وتلبية لطموحات جميع المصريين ، تبذل الدولة  كل الجهد وبكل الامانة ، لتحقيق كافة مبادئ حقوق الانسان كاملة على أرض الواقع ، عمليا وفعليا ، من خلال عودة الامن والامان والاستقرار الى الشارع المصرى وتجنب الوطن من التحول الى ميدان واسع من الفوضى العارمة ، كما هو حاصل فى بعض دول الجوار . ولكن بفضل عناية الله وجهود رجال الجيش وقوات الشرطة ، نجحت مصر فى تجنب الانزلاق الى هوة الحرب الاهلية المدمرة التى تأكل الاخضر واليابس . اصبحت مصر تستثمر فى الاستقرار، وتوفر الامن والامان لمائة مليون مصرى ومصرية كاول حق شرعى من حقوق الانسان . لا يمكن ان نختزل حقوق الانسان فى حيز ضيق كحرية التعبير والتظاهر السلمى ، أو نسمى التطاول والسب والتشهير انه حرية رأى !! . لا شك انه  فى ظل المتغيرات التى تعيشها دول المنطقة والعالم ، فالشعب المصرى والقيادة السياسية الرشيدة هم أصحاب الحق ، بدون أى وصاية خارجية  فى تحديد مفهوم حقوق الانسان برؤية أكثر شمولا واتساعا لتشمل مجالات متعددة وكلها تصب فى مجال حقوق الانسان . ولابد من التعامل مع القضايا السياسية والحقوقية فى اطارنسبى ، وفقا للظروف المحيطة والدواعى الامنية لمصر والمنطفة المحيطة .
 
ان حقوق الانسان للشعب المصرى تشمل امور مصيرية كثيرة . فالدول لا يتم بناؤها وتقدمها بالمدونيين والثرثرة والعبث على صفحات التواصل الاجتماعى ، لكنها تبنى بالسواعد التى تعمل وبالجهد والعرق بكل الاخلاص والتفانى والحب . 
 
مصر دولة راعية وداعمة لكافة مبادئ حقوق الانسان . على سبيل المثال وليس الحصر ، الدولة المصرية تقوم برعاية وايواء الملايين من اللاجئين من 55 دولة منهم ما يقرب من 15 مليون لاجئ من الدول العربية الشقيقة نتيجة نزاعات داخلية ( 5.5 مليون لاجئ سورى ، 4.3 لاجئ سودانى ، 3.3 لاجئ عراقى ، 7. 1 لاجئ يمنى ) ،  مصر تخطوخطوات واسعة وجادة فى مجال حقوق الانسان اقتصاديا واجتماعبا وصحيا ، لمساعدة الغلابة والمهمشين ابناء الوطن . فى نفس الوقت الذى تحارب فيه الارهاب فى سيناء ، ذلك الجزء الغالى من الوطن الذى يشهد نهضة شاملة غير مسبوقة .  مصر قدمت باقة من المبادرات الانسانية تعلى من شأن وكرامة الانسان المصرى . فقامت الدولة باكبر عملية مسح طبى للكشف عن المصابين بميكروب فيروس " سى " ويشمل المسح كل الشعب المصرى  وعلاج المصابين فورا على نفقة الدولة وكذلك من كافة الامراض المزمنة وفقا لمبادرة  " 100 مليون صحة " ليكون المشروع الاكبر من نوعه فى العالم وفقا لتصريح منظمة الصحة العالمية . وكذلك تنفيذ خطة طموحة للقضاء على قوائم  الانتظار للمرضى الذين فى حاجة الى أجراء جراحات كبرى لعلاج 120 الف مواطن ومواطنة على نفقة الدولة . علاوة على ذلك ، اعطاء تصاريح لمرضى الامراض السرطانية ومرافقيهم للسغر مجانا بقطارات السكك الحديدية .  مصر تطبق حقوق الانسان من خلال المشروع القومى العملاق للقضاء على العشوائيات التى تمثل أكبر مشكلة اجتماعية واجهت المصريين منذ سنوات طويلة ، وفشلت حكومات سابقة من الاقتراب من هذا الملف . وفى اجراء تاريخى غير مسبوق ، قامت الدولة خلال الست سنوات الماضية بالقضاء على 80% من العشوائيات واسكان الآلاف فى شقق كاملة التأثيث داخل مدن حديثة تليق بحياة انسانية كريمة . مصر توفر معاش " تكافل وكرامة " لغير القادرين عن العمل ، فى نفس الوقت قامت الدولة برفع الحد الادنى للمرتبات من 700 جنيه الى 2400 جنيه شهريا . مصر ضمن منظومة حقوق الانسان  قدمت مبادرة ( حياة كريمة ) وتأسيس هيئة رعاية الطفل من خلال انقاذ المشردين من الاطفال والمسنين الذين بلا مأوى فى كل انحاء البلاد للقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع . بجانب مشروع معاش ( تكافل وكرامة ) لمن ليس لهم مورد مالى . الاهتمام برعاية ذوى الاعاقة واشراكهم فى كافة مناحى الحياة . انشاء لجنة وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية . البدء فى تطوير 4500 قرية فى صعيد وريف مصر ، وكانت البداية من هذا العام لتشمل 1500 قرية يتم تطويرها على مدى ثلاث سنوات . خلق استراتيجية وطنية لمواجهة العنف ضد المرأة ومكافحة الزواج المبكر وظاهرة ختان الاناث . والقائمة تطول ، وتؤكد دور مصر القيادى والحكيم فى مجال حقوق الانسان .  
سؤال اخير لمن يتشدقون بحقوق الانسان ... هناك أكثر من بليون شخص .. اى الف مليون  شخص ، من مختلف دول العالم ، محرومين من كافة متطلبات الحياة الانسانية الكريمة ، من مأكل ومسكن ومياه صالحة للشرب والرعاية الصحية والامن والامان ... وهناك أيضا أكثر من 30 ألف طفل يموتون كل يوم ، نتيجة الجوع والمرض ومن البرد القارص او الحر الشديد ... فضلا عن مئات يقتلون فى تصفيات عرقية فى كثير من بقاع الارض ... ماذا قدمتم لهؤلاء البؤساء المساكين المهمشين ... المحسوبين علينا رفقاء الانسانية ؟؟  أى حقوق انسان تتكلمون عنها ؟؟؟