رؤوف هندى 
 
كانت نوال السعداوي ، التى رحلت عن عالمنا في يوم عيد الام 21 مارس 2021 عن عمر يناهز 90 عاما، واحدة من أكثر الشخصيات الأدبية المثيرة للاهتمام لِمَ تتناوله رواياتها من قضايا هامة فهى أشهر من نادى بتحرير المرأة من قيودها، ومن جهر بالعصيان لما سّمته "المجتمع الذكورى"، وفوق كل ذلك هى صاحبة كتب وأعمال ذات صدى واسع، وقضايا مهمة مثيرة للجدل والحوار والثراء الفكري وفي رأيي هي أشجع إمرأة في الخمسين عام الأخيرة
وهى إحدى الشخصيات الأكثر إثارة للجدل، حتى أنه يصعب على القارئ أن يقف منها موقفا وسطا، فإما أن يكون معها وإما أن يكون ضدها، فهى أشهر من نادى بتحرير المرأة من قيودها وطالبت بتنقية التراث الديني وإعادة النظر في بعض القوانينالغير منصفة للمرأة والتي لاتتماشى مع حداثة العصر وفوق كل ذلك هى غزيرة الإنتاج الادبي المتميز المتعلق بخدمة قضايا المرأة وتحريرها من القهر والقيد فلها اكثر من ستين كتاب طُبعت باكثر من أربعين لغة .   
 
    . 
رُشحت الكاتبة المصرية الدكتورة نوال السعداوي، المولودة فى القاهرة عام 1930 لجائزة نوبل للآداب ثلاث مرات، وكانت آخرها تلك التى جرت فى العام 2015، وكثيراً ما تثير السعداوى الجدل بشخصيتها الصدامية المجاهرة بطرح آرائها الجريئة التى يرى فيها كثيرون فى بلدها مصر والعالم العربى خروجاً على المألوف، مثلما يرى معارضو أفكارها السياسية بالسلطة وكانت واحدة ممن يستحقون تلك الجائزة لانها صاحبة مشروع تنويري وتسير في خطٍ وحدها وتصرّ عليه بإباء وشموخ لتحرير المرأة من قيود المجتمع الذكوري باختصار هي سيدة مناضلة صمدت امام كل القوى الرجعية الكارهة لها ولأفكارها .
 
 وقد نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن الكاتبة المصرية الدكتورة نوال السعداوي من أبرز الشخصيات المرشحة لنيل جائزة "نوبل" في الآداب ولكن لم تنل هذا الشرف للأسف وكان هذا لايزعجها كثيرا أو يسبب لها الألم النفسي فكان يكفيها دوما أن تطير أفكارها لكل الدنيا وكانت فخورة بدورها التنويري اكثر من اي جائزة.
 
بدأت نوال السعداوي، التي رحلت عن عالمنا اليوم، عن عمر يناهز 90 عاما، الكتابة مبكرا، فكانت أول أعمالها عبارة عن قصص قصيرة بعنوان "تعلمت الحب" فى عام 1957 وأول رواياتها "مذكرات طبيبة" عام 1958، ويعتبر كتاب "مذكرات في سجن النساء" (1986) من أشهر أعمالها.
 
وكتاب "تعلمت الحب" مجموعة من النصوص جسدت فيها المؤلفة انعكاسات شخصيتها كمؤلفة ومهنتها كطبيبة، فكلما أمعنا في قراءة نصوصها الهزلية الساخرة، وقصصها الواقعية الناقدة للمجتمع زدنا اقتناعاً أننا في حاجة لمزيد من الحب والرحمة، فالحب الذي تنشده المؤلفة في نصوصها، ليس هو الحب العادى بين رجل وامرأة، أب وولده، فهذا الحب لا فضل لنا فيه، وكلنا فيه سواسية، ولكنها تنشد الحب الذي يبذله الإنسان والطبيب خاصة لغيره دون أن يأخذ شيئا، إلا تلك السعادة النفسية التى تعلمه كيف يتقبل الحياة بما فيها من خير وشر، فيحب الأخيار، ويعطف على الأشرار حتى يلتمسوا السبيل إلى أن يكونوا أخيارا كانت تنادي بمجتمع ينبذ الكراهية والتمييز والعنصرية وإهانة المرأة المظلومة في الشرق خاصة كانت تنادي بمجتمع يظلله الحُب الإنساني
 
وتتحدث نوال السعداوي، عن حب يختلف عن تلك العلاقة التي تجمع الرجل بالمرأة، أَو علاقات الأُمومة أَو الأُبوة، أَو غيرها من العلاقات الأسرية، إنه الحب فى أسمى صوره، إنه الحب لا لشىء آخر غير تلك السعادة التى نمنحها للآخرين.
 
جاءت هذه الأفكار في مجموعة من القصص القصيرة تجولت فيها نوال السعداوي في النفس البشرية بحكم خبرتها العملية والعلمية، فنرى من خلال ما رصدته من علاقات إنسانية كيف يمكننا تقييم الحب بعيدا عن إطار الشكل والهيئة، فالحب عطاء بِدون غطاء يغلفه، هذا هو ما تعلمنا إياه الدكتورة في قصتها الأولى "تعلمت الحب" وفى قصة أُخرى نتعلم درسا جديدا، فالحب مشروع كبير طويل الأمد، يحتاج إلى نقاشات ورؤية وخطة مستقبلية يكون الحب محورها، فإن كان أحد المحبين مترددا فقد الحب، إذ يضيع الحب فى حضرة الصمت، وتتتابع القصص فنتعلم من كل منها معنى آخر من معانى الحب والرحمة باختصار  اطلقوا عليها " سيدة المعارك  الفكرية التنويرية الشجاعة " حيث استمرت في نضالها أكثر من خمسين عاما من اجل المراة وقضاياها العادلة وقد صُنفِتْ كونها أهم الكاتبات الشرق في القرن العشرين
 
وتركت الأديبة الكبيرة العديد من الكتب والروايات التى جسدت فيها همها الكبير بقضايا المرأة، والفكر المجتعى نحو "حواء"، ومن أبرز تلك الروايات:
 
 رواية "زينة" للأديبة المصرية الكبيرة نوال السعداوي، واحدة من أهم الروايات الأفريقية النسوية، وتسلط الضوء على شخصية "بدور الدامهيرى" الأستاذة الجامعية المصرية التى تتعرض للعديد من الضغوط والقهر الذى يمنعها من إثبات نفسها، وهو الأمر الذى أدى فى النهاية للهروب من بيت الزوجية فى سبيل تحقيق الذات، لتبدأ بعد ذلك العديد من الأحداث والصراعات. ورواية " إمرأة عند نقطة الصفر" التي حققت نجاحا وانتشارا يفوق التصور والخيال
 
و فى هذه الرواية قصة امرأة تلاعبت بها الأقدار، وساقها الرجال إلى مصيرها المحتوم، فى مجتمعٍ ذكورى مريض، الرجل فيه هو كل شىء والأنثى لا شىء تقريبا؛ حيث تجسد الرواية تملك الذكور للسلطة والثروة والشهوة، بينما تكون الأنثى أداة طيعة لنيل شهوته وتحقيق ثرائه وإرضاء سلطته، تحتل الرواية مكانة خاصة لدى المؤلفة التى ينتابها الخجل أمام شموخِ بطلتها، وعلى الصعيد الروائى اختِيرت ضمن قائمة ١٠٠١ الخاصة بتطور الرواية عبر الزمان، وترجمت إلى 40 لغة. ثم رواية " إمرأتان في إمرأة " التي تلخص وضع المرأة في عالمنا العربي وما تتعرض له من قهر ومايفرضه المجتمع عليها من قيود ثم رواية " الحُب في زمن النفط" ثم رواية " الغائب " التي تحدثت فيها عن شخصية فريدة تلك الفتاة التي تعاني منذ صغرها مع مجتمعها الذي يحرّم تفكيرها ورؤاها نحو الحياة وهي رواية في غاية العمق والإبداع التي تصور ماتتعرض له المرأة من قهر في مجتمعاتنا العربية ثم رواية " الأغنية الدائرية " وهي الرواية الجريئة التي تعرضت بجرأة كبيرة لقضية الاغتصاب  وكيف القانون يفرّق بين الرجل والمرأة في تلك القضايا وفيها عزفت نوال السعداوي على وتر النظام الذكوري الذي سيطر على كل شيء متخذا الفقه والشرع ستارا لإنحياز صارخ ضد المرأة ثم رواية " جنات أبليس " فجنات هي تلك البنت التي نشأت تعاني من القهر والتمييز والأضطهاد تحاول ان تجد إجابات مقنعة  حول الدين والحياة والمرأة وهي رواية جديرة بالتأمل والفحص والقراءة  باختصار أقول نوال السعداوي حكاية إمرأة مصرية شرقية يعرفها العالم كانت تقول " قضيتي ليست المرأة لكنها العقل المقهور في مجتمعنا " وبعيدا عن الإعلام تم تشييع جثمان نوال السعداوي ودفنها في مقابر العائلة بالسادس من اكتوبر في يوم عيد الام وفاتها لتبقى ذكراها خالدة بخلود ذلك اليوم العالمي أنه يوم 21 مارس ذكرى رحيل الام الدكتورة نوال السعداوي وحيلها في 21 مارس ازعج كارهيها ومعارضيها لأن ذكراها ستبقى خالدة باعتبارها احد أهم روافد القوة الناعمة في الشرق ستبقى أفكارها خالدة كرائدة من رواد التنوير وعزاؤنا انها تركت تلميذات كثيرات بكل تأكيد سيستكملون حركة التنوير التي بدأتها الراحلة العظيمة المُبدعة دكتورة نوال السعداوي والمُبدعون لا يموتون