خالد عكاشه
بالقرب من الحدود الغربية للنيجر مع دولة مالي، شهدت مجموعة من القرى أعنف هجمات إرهابية مسلحة منذ سنوات، جرى ذلك خلال أسبوع واحد شن فيها المسلحون هجماتهم بطريقة "الإغارة" المكثفة والمفاجئة، ليسقط عدد من الضحايا يقارب الـ (200 قتيل) أكثر من نصفهم كانوا من نصيب منطقة "تاهوا" وحدها. حكومة النيجر في بيانها الرسمي الذي بث عبر التلفزيون الحكومي للدولة؛ أشار إلى المنفذين باعتبارهم "عصابات مسلحة" أدان بالطبع استهدافهم للمدنيين على هذه الصورة الواسعة، بجانب الهجوم على القوات الأمنية والعسكرية الموجودة بهذه المناطق، وجاء التوصيف دالا باعتبار هذا الاستهداف الممنهج، يعد "عبور لمرحلة جديدة من الرعب والهمجية" بحسب نص البيان الحكومي.

هذه الهجمات وقعت بالقرب من منطقة تسمى الحدود الثلاثية، عند تخوم النيجر ومالي وبوركينا فاسو التي تتعرض بانتظام لهجمات إرهابية، والدول الثلاث تشهد بداخلها تنامي يثير قلقا بالغا في الفترة الأخيرة، لكن تظل المناطق الحدودية "الهشة" فيما بينها هي الأكثر خطورة عما سواها، حيث تركز التنظيمات الإرهابية على التمركز فيها والقيام بعمليات مناورة وانتقالات مرنة، ما بين تلك الدول هروبا من الملاحقات الأمنية أو العسكرية التي تظل ضعيفة الامكانيات الفاعلة على الأرض. الغارات الجديدة كانت في "إنتازاين" و"بكواراتي" و"ويستاني" وشملت أيضا المناطق المحيطة بهم، وهي جميعها تقع في منطقة "تاهوا" القريبة من الحدود مع مالي، وهناك أيضا بلدة "تيليا" التي تتبع منطقة "تيلابيري" والتي شهدت هي الأخرى أحد الهجمات العنيفة، التي توجهت بشكل مباشر إلى القرى التابعة للبلدة، حيث أمطر المهاجمون السكان المسالمين بنيران كثيفة أصابتهم بحالة من الذعر، حيث كان الاستهداف الرئيسي سرقة مواشيهم وهو ما جرى على نطاق واسع بالفعل. ويعد هذا الفعل ضربة فادحة لاقتصاديات هؤلاء السكان محدودي الامكانيات، والتي تعد ماشيتهم هي رأس مالهم الرئيسي في تلك المناطق ضعيفة الموارد بالأساس.

وقعت الهجمات بطريقة غير نمطية إلى حد كبير، حيث استخدم المهاجمون الدراجات النارية الصحراوية التي توفر لهم مرونة كبيرة في الحركة، ومثلت كل مجموعة بحسب شهود العيان ما بين 10 إلى 20 دراجة نارية، يستقل كل منها اثنين واحد للقيادة والثاني لاطلاق النيران من الرشاشات الاوتوماتيكية السريعة. بعض الهجمات  وقعت على سيارات الأهالي العائدة من السوق الأسبوعية في "بانيبنغو"، وأخرى جرت عبر قتل السكان واحراق السيارات ومخازن الحبوب والمحاصيل. لكن هناك اللافت في هذا الأسبوع، أن تنظيم "داعش" وعلى هامش تلك الهجمات قامت احدى المجموعات أكثر تجهيزا، بتنفيذ هجوم على موقع عسكري تابع للجيش في مالي أسفر عن مقتل (33 جندي)، وهو ما يلقي بمساحة أكبر من التساؤلات، حول حجم التنسيق ما بين التنظيم وبين المهاجمين الذين نفذوا الهجمات بداخل النيجر، حيث تظل المسافات متقاربة والأداءات والتزامن يربط هذا الأسبوع بما جرى في مالي بشكل كبير. وهو أيضا يلقي بظلال اضافية حول حجم التعاون الوثيق ما بين التنظيمات الإرهابية، وبين العصابات المحلية المسلحة التي بدأت ترى في التنظيمات الإرهابية نافذة جديدة لعملها، ومورد وفير لنشاطها بالنظر إلى حجم الخدمات المتبادلة فيما بينهما.

حتى الآن؛ لم تخرج من هذه المنطقة التي تعرضت لهذه الخسائر الفادحة، سوى أخبار تفيد بأن هناك كتيبة قوامها (1200 جندي) تابع للجيش التشادي، ستقوم بالانتشار في منطقة المثلث الحدودي في إطار "مجموعة دول الساحل الخمس"، التي تضم خمس دول هي موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، والتي تسعى للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة منذ العام 2015. كما تستفيد دولة النيجر أيضا من عملية "برخان" الفرنسية، التي تكافح وتتابع نشاط وتحركات العناصر التابعة للتنظيمات الإرهابية الأعلى قدرة، والمقصود بها تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وقوام القوة الفرنسية يقارب نحو (5100 عسكري) من مختلف الرتب والتخصصات الاستخباراتية والعسكرية وبعض من متخصصي الرصد التكنولوجي. لكن تظل الطبيعة الجغرافية وضعف الامكانيات المحلية، هو التحدي الأصعب لتلك الدول والذي ينذر بتنامي للظاهرة أكثر من توقع انحسارها، في المنظور القريب على الأقل.

لاشك أن هذه الجماعات تسعى لإرهاب المجتمعات المحلية، عبر نشر الرعب والفزع على نطاق واسع، وهو ما ظهر خلال عمليات حرق الأسواق والعائدين لقراهم منها، كما تحاول اختراق المنظومات الأمنية الوطنية طوال الوقت، لإظهار نوع من القوة وفرض التواجد على الأرض. وتستخدم في كثير من الأحيان عمليات الخطف لرعايا الدول الغربية، ومن ثم إطلاق سراحهم بعد الحصول على فدية تمول بها عملياتها ونشاطها الإرهابي، في نمط متكرر لاستعراض القوة، وتوصيل رسائل للدول المستهدفة بأن الجماعات الارهابية بإمكانها الإضرار بها وبمصالح تلك المناطق. خاصة وأن هذا النشاط يضرب التنمية في مقتل، ويعطلها إلى مدى غير معلوم في ظل هذا التنامي والتنوع الذي تجري بها. وحتى الآن تظل المواجهات المباشرة بالقوة لم تقدم نجاحات كبيرة في محاصرة إنهاء الارهاب من جذوره، بقدر ما أسفرت عن خسائر كبيرة متبادلة ويدفع فيها السكان المحليين فاتورتها الباهظة.

هذا المشهد المعقد دفع مصر للمشاركة مع هذه الدول الخمس منذ العام 2018، من أجل انشاء كيان موحد لتبادل المعلومات الاستخبارية، التي يمكنها أن تسهم على نحو فعال في تعقب أماكن الإرهابيين وتحركاتهم، فضلا عن وضع سياسات أمنية موحدة ومتطورة لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة بنسخهم الجديدة، التي تظل عابرة للدول والحدود وقادرة على صناعة التهديد، طالما أن هناك عديد من الأطراف لازالت تراهن عليها وترى فيها فوائد يمكن تحقيقها. وهذا يمثل تحديا آخر لفت انتباه المجتمع الدولي مؤخرا بشكل ايجابي نسبيا، لكن تظل المنطقة في ظل ضعف امكانياتها تحتاج إلى دعم دولي مضاعف كي تحاصر الظاهرة، التي تضرب مساحة هائلة من قارة أفريقيا بالفوضى وعدم الاستقرار، والقدرة على نقل هذا التهديد إلى دول الجوار التي نقع نحن في الشمال الأفريقي على قائمة تلك المناطق المرشحة للخطر.
نقلا عن الدستور