محمد أبوقمر

( إحنا شبه دولة ) ده تعبير صحيح ، بس صحته مش جايه من إن كل واحد بيعمل إللي علي مزاجه ، او إن نظام الإدارة مش متظبط ، أو إن الفساد مستشري ، كل ده ممكن تظبيته ومع ذلك هانفضل شبه دولة ، ليه؟!!.

شبه دولة يعني الشروط إللي يجب توافرها علشان تبقي دولة مش متوفرة . إزاي؟؟!! :
 علشان تبقي الدولة دولة مكتملة القوام ومش شبه دولة لازم يتوفر الآتي :
1- نظام تعليمي واحد موحد له أهداف محددة وواضحة ، مناهجه مرتبطة ارتباطا كليا بهذه الأهداف ، فوجود نظامين للتعليم لكل منهما أهداف خاصة وبرامج خاصة ومناهج خاصة ينتج عقليتين متناقضتين ووعيين مختلفين ونظامين للمعرفة كل منهما ينتمي إلي زمن مختلف عن زمن الآخر ، ولا توجد في العالم دولة مكتملة القوام تُعرّض أجيالها لمثل هذا الانقسام إلا إذا كانت شبه دولة .
 
2- نظام قانوني واحد موحد ، فشبه الدولة هي تلك التي يتداخل في ذهن مواطنيها تعريفين للخطأ وتعريفين للصواب نتيجة وجود نظامين للفصل في القضايا هما القانون والفتوي ، فزواج القاصرات علي سبيل المثال يتداخل أمره في ذهن المواطن بين اعتباره جريمة حسب القانون وبين اعتباره صوابا حسب الشرع الذي يقول به رجال الدين ، ثم إن حادثة سيدة مدينة السلام التي اعتدي بعض الأفراد علي خصوصيتها وتسببوا في مقتلها فحين أصبح الأمر في حوزة النيابة فوجئنا بإجراء فحوصات للقتيلة لإثبات إن كانت قد ضاجعت رفيقها قبل موتها أم لا ، فهل القضية هي قضية مقتلها أم قضية فجورها؟ ، هذه الإزدواجية التي يخضع لها رجل القانون قد تضيع الحقوق ، وقد تحول المجرم إلي ضحية وقد تدين الضحية ، هذه التشوهات التي تمزج بين الحرام والحلال والخطأ والصواب وتُخضع القضايا لاعتبارات القانون أحيانا ولاعتبارات الشرع أحيانا أخري لا تكون موجودة إلا في شبه الدولة.
 
3- مع هجمة مؤامرة الصحوة في عهد السادات انسحبت الدولة من أداء دورها الثقافي وتركت أمور الوعي والمعرفة لرجال الدين من مختلف المشارب والاتجاهات فسيطر هؤلاء علي عقل الأمة وفرغوه من محتواه الحضاري وحشوه بالخرافات وصاروا بمرور السنوات سلطة لهم الحق في الهيمنة علي كافة الشئون الاجتماعية والثقافية فجمدوا الزمن وأوقفوا حركة انتاج المعرفة وشوهوا كافة القيم الإنسانية التي كانت راسخة في ضمير الأمة المصرية ، هذا التفسخ الحضاري لا يكون إلا في شبه الدولة.
 
4- الدولة مكتملة القوام والهيئة تخضع كافة مؤسساتها لمنظومتها القانونية العامة ، صحيح تتمتع مؤسساتها بالاستقلالية في أداء مهامها لكن هذه الاستقلالية لا تعني انفصالها كلية عن النظام القانوني العام بحيث يكون لها الحق في إنشاء هيئات موازية لهيئات الدولة أو منح موظفيها أوصاف وألقاب كما تفعل مؤسسة الأزهر حين أنشأت هيئة للفتوي موازية لدار الافتاء أو كما تصف موظفيها بالعلماء إمعانا في إسباغ القدسية عليهم ، ولا يحدث ذلك مطلقا إلا في شبه الدولة.
5- ليس لدستور الدولة الحقيقية أية مرجعية سوي مرجعية الشعب ، لكن شبه الدولة هي التي تصنع لدستورها مرجعيات أخري تشوه القانون وتضعفه وتجمده وتجعله غير قادر علي ملاحقة تطورات حياة المواطنين وما يعتريها من متغيرات متسارعة.
 
الفساد والتنمر وتشوه النسق الأخلاقي والتطرف والارهاب واحتقار المرأة والتحرش والمحسوبية والرشوة والفوضي والتكفير والعنف الأسري وانتشار الخرافة وكل البلايا ليست هي التي تؤدي إلي كون الدولة شبه دولة ، وإنما هذه المصائب وغيرها هي نتاج كون الدولة شبه دولة.