د.  منى حلمى
لا كلمات تفى حبى لك ولا تكفى الجميل من صنع يديك وأفكارك وأمومتك الدافئة 
الرقيقة التى منحتنا كل شئ .. لقد أخذتينى معك يا أمى ، نحن لن نفترق أبدا ، 
فلن يحدث الآن ، وكنتى طفلتى التى أدللها وأدلعها فتفرح وتغنى ولا الأطفال ، 
صحتك كانت أحسن منى ، ولم تتأخذى قرص أسبرين واحد فى حياتك ، ولم تمرضى بأى
شئ ولو حتى دور برد ، حتى جاء أطباء وأمرضوكى وكذبوا زاعمين أنها الشيخوخة 
كيف تكون الشيخوخة وكنت تصعدين 20 دورا على السلم على قدميك وتمارسين الرياضة
وطول عمرك تأكلين طعاما صحيا ولا تدخنين ، وتنامين مبكرا ، وسعيدة بى وبعاطف وبحياتك وانجازاتك فى العالم كله ، وراضية عن نفسك ، وعن صحتك ، وعن جسدك ، 
 وكنت تخططين للسفر الى ايطاليا لافتتاح احدى مسرحياتك ، وعندما تدخل الأطباء فى شئ بسيط ، أمرضوكى وأحدثوا كل المضاعفات التى أنهتك . الشيخوخة لا تهبط فجأة كده فى 
يوم مع انسانة مكتملة الصحة والمناعة . لكن هاقول ايه . 
كنتى أقوى من الشباب ، وأشجع من الشجاعة ، وحنونة أكثر من الحنان ، 
مهذبة الكلام ، معطاءة لكل منْ يلجأ اليك ، زهدت الأشياء لتعطينى أنا وعاطف 
شقيتى لتوفرى لنا كرامة العيش والأمان ، الحب للأمهات العاديات ، لكنك لست 
أما عادية ولا امرأة عادية ولا كاتبة عادية ولا انسانة عادية . علاقتى بك أعجز عن 
التعبير عنها وأنا التى تعودت على أن الكلمات طوع أصابعها . منذ ولادتى من داخلك ، 
وأنا أخاف وأقلق عليك ، وكنتى تقولين لى لا تخافى من أى شئ ، لا تقلقى على أى شئ 
وفرى طاقتك للكتابة والشعر والتمرد ، لا فى الخوف والقلق . الخوف وهم ، القلق وهم . 
وعشان كده قدرت تنتج بغزارة لأنها لم تاتفت لأى شئ الا الكتابة ، شتموها وكفروها ورفعوا عليها كل القضايا وخرجت أكثر تحديا وشموخا وانتصارا ، بعد كل مرة هجوم ، لا ترد الا بكتاب جديد أكثر جسارة ، وأعمق دخولا فى عشش الدبابير ، والمناطق الممنوعة المحرمة ، 
من مرتزقة الدول الدينية ، وحلفاء الولايات الاسلامية ، وجبهة المشايخ والفقهاء الذين احتكروا 
الأديان والرسل والأنبياء ، لمنافعهم الشخصية ، المعقدين من الحرية والنساء وكرامة الشعوب
ولا يملكون الا البذاءات والتضليل والكذب ، حتى يقبضون الدولارات واليوروهات والريالات 
والدينارات ، أى قضايا هذه التى لا تملك الا قلة الأدب وانعدام اللغة المهذبة ، هل سمعتم عن قضية كل رصيدها مياه عفنة مياه بكابورتات ؟؟ الحاكم الديمقراطى السادات عندما انتقدته فى مؤتمر عام ، سجنها ، وخرجت من السجن أكثر قوة ، وكتبت فى السجن واحدا من أحلى 
كتبها المترجمة لأربعين لغة " مذكراتى فى سجن النساء " . كنت أنا أهتم وهى لا تهتم 
على الاطلاق ، قالت لى أنا مؤمنة أن كل هجوم هو دليل نجاح ، وكل هجوم سيأتى بفوائد لى
وفعلا مرينا فى حياتنا بالكثير من الأزمات ، كانت تعود الى صالحها ، قالت منذ الطفولة 
وأنا متعودة على كده . ولما السادات سجنها فى 6 سبتمبر 1981 د . شريف حتاتة ، قال 
" آه ده جنى على نفسه دى نهايت خلاص أصله مش عارف نوال اللى بييجى عليها بيحصله
ايه " وكانت كل السجينات مع ماما خائفات أن يمتد سجنهم ، الا ماما كانت واثقة أنها ستخرج فريبا وأن السادات أجله قرب وفعلا تم اغتياله بعدها بشهر على ايدى المتأسلمين اللى طلعهم من جحورهم . 
كان نزار قبانى يقول : اتعودت على الشتيمة بسبب قصائدى وكتاباتى حتى أننى فى اليوم الذى أصحو فيه من النوم ولا أقرأ شتيمة ضدى وهجوم عليا ، أحزن وأقول لازم كتبت قصيدة 
وحشة ".
نوال أمنا أنا ما زلت فى أحشائك وسأظل حتى يأخذنى التراب مثلما أخذك . أنا متأكدة ان 
التراب ، أنظف ، وأرقى ، من هذا العالم . أديتى رسالتك أكثر من اللازم ، محدش فى العالم قديما أو حديثا ، بين النساء أو الرجال ، ألف 82 كتابا مترجما لأكثر من 40 لغة ، وفى الأدب وفى العلم ، وأنشأ جمعية أرقت المضاجع ، واتخذ مواقف جسورة ضد أصحاب السلطة 
وأصحاب الجبروت ، الآكلين لحوم البشر على كل الموائد فى كل العصور ، يبنون القصور
ويكدسون أرصدة البنوك من دم الناس ، وكرامتهم ، ووعيهم .
منذ رحلتى يا ماما ، وأنا ملتزمة الصمت وسأظل صامتة حتى أخلص من هذا العالم الكئيب
المقزز . لكننى أكتب هذه الكلمات البسيطة ، لتصلك ، فبيننا تواصل ، حتى الموت لا يقدر
على قطعه أو التشويش عليه .