د. منى حلمى

 «من اليوم سأحمل اسم أمى»، هذا اسم مقال «غناء القلم»، فى مجلة روزاليوسف، منذ 15 سنة، يوم 18 مارس 2006، وإمضائى كان «منى نوال حلمى»، وبجانبه «منى حلمى»، سابقًا. 

 
فى عيد الأم، ماذا أهدى «أمى»، النادرة، المفكرة، المبدعة، الشجاعة، ذات الأمومة الممتلئة بالرقة، والكرم، والدلع، لا تنحنى لمخلوق، ولا تصفق لأصحاب الجبروت، حبيبة عمرى، وصانعتى، منذ ولادتى وحتى الآن، تشعرنى أننى أهم، وأجمل، ابنة على كوكب الأرض. 
 
هبطت الفكرة من السماء، أن تكون هديتى هذا العام، متفردة، استثنائية، أن أحمل اسمها، بجانب اسم أبى. ولا أعتقد أن هذه الفكرة لم تكن لتنشرها إلا مجلة روزاليوسف، المعروفة بجرأة الموضوعات، والحماس لتكملة مشوار الرائدة المؤسسة الأستاذة روزاليوسف، فى تحريك الماء الراكد، وتحفيز العقل للدخول فى أماكن شائكة.
 
بعد نشر المقال، فوجئت بالاتهامات الأخلاقية، والدينية، والشتائم، والبذاءات، والتريقة بشكل وقح، تنهال إعلاميًا. 
 
والرجال الذين قالوا علنًا إنهم يريدون تطبيق الفكرة، قذفهم الإعلام هازئًا: «.. عايز يتسمى باسم أمه، دول مش رجالة دول». 
 
وتقدم شخص ببلاغ ضدى إلى النيابة، يتهمنى بإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، وإحداث فتنة، لأن النسب الإسلامى إلى الآباء . 
 
طلبتنى النيابة للتحقيق، فى يناير 2007. وتطوع للمجىء معى، المحامى الراحل، حمدى الأسيوطى.  وحضرت التحقيق، نوال السعداوى، «أمى».  
 
أوضحت أن الدافع لكتابة منى نوال حلمى، حبى لأمى، وفخرى بها، وحبى للعدالة بين اسم أبى، واسم أمى. البلاغ إذن كاذب، وكيدى، لأننى لم أفكر فى إزاحة اسم الأب.
 
وكيف تكون الجنة تحت أقدام الأمهات، وفى يوم القيامة، سينادى علينا بأسماء أمهاتنا، ثم نعتبر اسم الأم عارًا، وشيئًا مهينًا، يبهدلنا فى المحاكم؟  وأوضحت أن بلادًا كثيرة فى العالم، يأخذ فيها الأطفال اسم الأم، واسم الأب، وأن الأسماء، مثل الأزياء، لا تدخل فى القواعد الشرعية، ولكن تتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية، المتغيرة، كما قال الراحل جمال البنا، ردًا على مقالى، وأوضح أن هناك شخصيات إسلامية، معروفة بنسبها الأمومى، أشهرها الملقب بشيخ الإسلام الحنبلى، «ابن تيمية»، حيث كانت «تيمية» جدته لأبيه، واعظة مشهورة، فسُميت العائلة باسمها. وتساءلت لماذا كل هذا «الهلع»، و«التشنج»،
 
و«الارتباك»، الذى أحدثته رغبة بسيطة عادلة، خاصة بى، ولا تضر أحدًا؟
فى أكتوبر 2007، كسبت القضية، وتم حفظ التحقيق، لكننى اعتبرته كسبًا لمصر، فى معركتها ضد محاكمة وبهدلة وقهر، حرية الرأى المسالم، الذى لا يحمل إلا القلم المختلف، حتى الآن تأتينى رسائل من نساء ورجال، فى بلاد مختلفة، أخذوا اسم الأم، واسم الأب، معًا، ولم يذهبوا إلى السجن، ولم يهدر دمهم. 
 
والإعلام الذى شتمنى وكفرنى وسخر منى، على مدى شهور، لم يقل كلمة واحدة، عن براءتى. «خرس إعلامى جماعى كامل الدسم»، و«سكتة إعلامية»، مما يدل على الغش، والتضليل، وأن الهدف هو تشويهى، وإحالتى للمحكمة، وتسخين الرأى العام ضدى، وضد أفكار معينة، وضد ناس معينين، إعلام بعضه غير نزيه، غير أمين، له أجندة خبيثة، لا يهمه دين، ولا نسب أبوى، ولا أمومى، ولا يحزنون. 
 
أعتقد لو قررت، أن أسمى نفسى «منى نوال نتانياهو»، أو «منى نوال هتلر»، أو «منى نوال داعش»، أو «منى جولدا مائير» لم يكن ليصيبنى شىء يُذكر، من الشتائم، والتكفير، واللعنات، والسخرية، والبذاءات، التى أصابت « منى نوال حلمى». 
 
يجىء عيد الأم، هذا العام، ونوال أمى، راقدة فى المستشفى، مريضة منذ عدة شهور، لا أستطيع حتى زيارتها، وهذا هو نزف القلب، الذى لا يتوقف. 
  من واحة أشعارى
مع تقدم العمر
أنظر إلى أمى فأرانى
أنظر إلى نفسى
فأرى أمى
مع تقدم العمر 
أصبحت أشبهها
فى الشَعر الأبيض
والروح القلقة
ذابت الحدود بينى
وبين أمى
أصبح لى فصيلة دمها النادرة
وقلبها العفوى الطفولى
استغناؤها عن العالم
رنة ضحكتها المفعمة بالصلابة
قلمها لا يمل الانعكاف عن الكتابة
حزنها أصبح حزنى
وهمها هو همى.  
نقلا عن روزال يوسف