إعداد/ ماجد كامل 
يمر علينا هذا العام ذكري عطرة هي ذكري مرور خمسين سنة علي نياحة البابا البطريرك القديس البابا كيرلس السادس ؛ وما أكثر ما كتب عن البابا كيرلس كرجل الصلاة والمعجزات والبركات الروحية الكثيرة التي حدثت في عصره . ولكننا في هذا المقال سوف أتناول نقطة واحددة محددة هي الدور الوطني للبابا  كيرلس السادس وعطاءه المتميز من أجل مصر والوطن . (ولقد سبق لكاتب هذه السطور أن كتب مقالا بعنوان " العلاقة الحميمية التي ربطت بين البابا كيرلس السادس والزعيم الراحل جمال عبد الناصر  تم نشره بالأمس ؛  لذا سوف لا أذكر كل ما له علاقة بهذه النقطة منعا للتكرار)  . ولقد  كانت فترة   البابا كيرلس السادس مليئة بالأحداث الوطنية الهامة . ولعل أكبر حدث نتذكره هو نكسة يونيو 1967 ؛ ولقد وقفت الكنيسة مع الدولة لمواجهة هذه النكسة ؛ ولقد عقد لقاء هام بين البابا كيرلس السادس وشيخ الأزهر في ذلك الوقت وهو الشيخ حسن مأمون صباح يوم الثلاثاء 4 يوليو 1967 تحت عنوان " إنقاذ المقدسات " ولقد ضم الوفد القبطي الذي حضر الللقاء كل من الآباء الأحبار الأجلاء :- 
 
1-نيافة الأنبا شنودة أسقف التعليم ( قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث فيما بعد ) . 
2-نيافة الأنبا دوماديوس أسقف الجيزة . 
3-نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي .
4-نيافة الأنبا بولس أسقف حلوان . 
5- القمص ميخائيل عبد المسيح وكيل عام البطريركية . 
6-القمص جرجس عشم مدير الديوان البطريركي . 
ولقد وقع كل من البابا كيرلس والشيخ حسن مأمون بيانا مشتركا يوم 5 يوليو 1967 ؛ جاء فيه " بيانا وإعلانا عن التعاون والتضامن بين عنصري الأمة – مسلمين ومسيحين – في قضايا الوطن الكبري ؛ وضد العدوان الصهيوني الإسرائيلي ؛ وما أثاره العدو من حرب نفسية عقب حرب الأيام الستة ؛ وما أطلقه من شائعات لينال من الوحدة الوطنية .... رأي المخلصون من أبناء مصر ممن تغلي في عروقهم ودمائهم محبة هذا الوطن ... أن تصدر القيادتان الدينيتان الكبريان في هذا البلد ؛ بيانا مشتركا يوقعه ويذيعه معا ( راجع نص البيان بالكامل :- نيافة  الأنبا غريغوريوس ؛ الدراسات التاريخية "الجزء الثاني " ؛ الوحدة الوطنية ودور الكنيسة في تدعيمها ؛ الجزء رقم 25 ؛ الصفحات من 43 – 45 ) .
وفي مناسبة عيد الثورة الخامس عشر ؛ قام قداسته بإلقاء بيان أذيع في الأذاعة  المصرية يوم 23 يوليو 1967 ؛ وقال فيه من ضمن ما قال " إننا في هذا اليوم نصلي من أجل خير بلادنا وسلامتها ؛ فإننا بقدرما نثبت ونصمد غير متزعزين من قضيتنا ؛ غير متهاونين في مبادئنا ؛ بقدر ما نحقق لجيلنا من خير ؛ وللأجيال التالية من تراث مجيد يعزهم ويرفع رؤوسهم ؛ إننا لا نفشل ؛ولكن بصبرنا وإصرارنا علي الحق والعدل يمكن أن نغير وجه التاريخ ؛ونجبر العالم كله أن يحترم إرادتنا  ووجودنا ؛ ويردنا إلي القيم الإنسانية الخالدة  ( نفس   المرجع؛ صفحة 49 ) . 
 
ولقد ترأس قداسته مؤتمرا شعبيا ضخما بمناسبة صدور بيان 30 مارس عام 1968 ؛ عقد بكنيسة المعلقة بمصر القديمة يوم 30 أبريل 1968 ؛  وحضره مع قداسة البابا كيرلس كل من نيافة الحبر الجليل الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والإجتماعية ؛ ونيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي . ولقد قام قداسته بإلقاء كلمة قوية معبرة ألقاها بالنيابة عنه نيافة الأنبا صموئيل  ؛ وكان من بين  ما جاء في البيان " إن قداسة البابا ورجال الكنيسة رجال دين لا يقحمون ذواتهم في السياسة . علي أن الكنيسة لها أن توجه أولادها فيما هو نافع لهم دينيا وإجتماعيا ؛ ولها أن تنصحهم وتعرفهم بواجباتهم الروحية والأخلاقية وخدمة الوطن واجب روحي أولا وقبل كل شيء ؛ فالفرد الذي يحيا لنفسه إنسان أناني ؛ وديانتا تأبي علينا الأنانية والذاتية والفردية والإنعزالية والسلبية . ديانتا تدعونا إلي أن نسهم في بناء المجتمع مساهمة إيجابية فعالة ؛ مساهمة بناءة هادفة لخير المجموع " ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 54 ) . ( أنظر صورة المؤتمر ضمن مجموعة الصور الملحقة بالمقالة ) . 
 
وعندما  وقعت نكسة يونية 1967 ؛ ومنذ بداية الاعتداءات الصهيونية المتكررة ؛ لم يقف قداسته ولا الكنيسة كلها مكتوفة الأيدي ؛ فلقد أوفد نيافة الأنبا صموئيل في شهر يولية 1967 مندوب خاص عن قداسته إلي الدول الغربية لشرح الموقف علي حقيقته ؛ فزار  نيافته مقر مجلس الكنائس العالمي في جنيف ؛ ومنه تنقل بين مختلف العواصم الأوربية والولايات المتحدة لتصحيح المفاهيم المشوهة  التي شوهتها الدعاية الصهيونية ونتج عن هذه الجهود  أن سارعت الكنائس العالمية إلي تقديم معونتها لعائلات منكوبي الحرب واللاجئين ( لمزيد من التفصيل راجع :- قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء السابع ؛ صفحة 64 ؛65 ) . 
 
وعندما قامت اسرائيل بالعدوان الغاشم علي مصنع أبو زعبل في  يوم 12 فبراير 1970 نتج عنها استشهاد 88 شهيدا من عمال المصنع  و150 مصابا ؛ قام قداسته باصدار بيان استنكار رسمي في يوم 18 فبراير 1970 قال  فيه "  أن هذا الحادث المروع قد خلق جوا من التوتر الشديد والاستفزاز المثير في المنطقة العربية كلها ؛ خصوصا وأن مضاعفة حرارة هذا الجو لن تنسف المباديء الأساسية لميثاق الأمم المتحدة فحسب بل وتدفع بالشرق الأوسط إلي حرب عامة لا يمكن تقدير   
 
   نتائجها ...... أن ما تصنعه إسرئيل بمثل هذه الغارات علي المدنيين الأمنيين  يتحدي المباديء الأساسية لميثاق الأمم المتحدة ويهدم كل القيم  الإنسانية ويرد البشرية إلي صور الجريمة النكراء التي لا تقلبها وتسيغها ضمائر الشعوب المتحضرة
( راجع نص البيان في :- الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني :- وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها المعاصر ؛ الجزء الثاني ؛ طبعة ثانية ومزيدة ؛ صفحتي 62 و63 ) .  . 
 
وعندما وقع الاعتداء الاسرائيلي الغاشم علي مدرسة بحر البقر ؛ وجه قداسته رسالة تعزية الي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتاريخ 9 أبريل 1970 جاء فيها " هزتنا من الأعماق جريمة الاعتداء علي مدرسة بحر البقر بطائرات الفانتوم الأمريكية التي راح ضحيتها عشرات من الأطفال الأبرياء إنها بالحق جريمة بشعة من أفظع جرائم الحروب وأن ضمير العالم  بأسره ليشهد اليوم هذه الجريمة النكراء إعلانا صارخا يصعد إلي عنان السماء ضد إسرائيل وإعتدائها الأثيم المتكرر علي الأماكن المدنية وأن الله  الذي يحكم المسكونة كلها بعدله ورحمته يضرب من السماء وينتقم لدماء الأبرياء ؛ سدد الله خطاكم ونضال الأمة كلها في سبيل نصر قريب بعون الله " ( الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني :- نفس المرجع السابق ؛ صفحة  64 ) .
ولقد قامت مجلة القوات المسلحة بإجراء حوار صحفي مع قداسته بتاريخ 30 نوفمبر 1969 ؛ وفي السؤال الأول وجه قداسته الرسالة التالية إلي الجنود الرابضين علي خط النار قال فيها " منا إلي الجنود الوطنيين الرابضين علي خط النار ؛ تحيات  محبة وتقدير ودعاء بالتوفيق والنصر . إننا نذكركم في هذه الأيام  المباركة ؛ والشعوب الإسلامية تستقبل بعد أيام عيد الفطر  السعيد . إننا نصلي من أجلكم  ..... أنتم تدافعون عن بلادكم ؛وتحمون مقدساتكم وحرماتكم وتذودون عن أهلكم ومواطنيكم ؛ وفي هذا شرف شرف الجندية وكرامتها ؛ فاحتلوا واصبروا واصمدوا ( راجع نص الحوار بالكامل في :- نيافة الأنبا غريغوريوس  ؛  الدراسات التاريخية " الجزء الثاني " الوحدة الوطنية ودور الكنيسة في تدعيمها ؛ المجلد رقم 25 ؛ صفحة 81 ) . 
 
كما وجه قداسته رسالة وجهت إلي الجنود الرابضين علي خط النار بمناسبة عيد الميلاد المجيد ؛ ألقاها نيافة الأنبا غريغوريوس بالنيابة عن قداسته بتاريخ 7 يناير 1970 جاء فيها " أعلموا  أيها الأبناء أننا ننظر إليكم علي  أنكم سفراء لبلدكم في مواقع النضال تذودون عن الوطن ؛ وتدافعون عن أهلكم وأقربائكم ومواطنيكم رجالا  ونساءا وأطفالا . أنتم بالنيابة عن كل الشعب المصري تحاربون عن كرامة الوطن ضد الإعتداء الأثيم  علي قطعة من أرضكم . فأصمدوا ؛ وأثبتوا ؛ تشجعوا وتقووا ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 87 ) . 
 
كما وجه قداسته رسائل مماثلة في عيد القيامة 26 أبريل 1970 ؛ وعيد الميلاد المجيد في عام 1971 ( راجع النص الكامل للرسائل في المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات  ( 118 ؛ 123 ) . 
 
ولم تقتصر جهود قداسته والكنيسة كلها من ورائه  علي القضايا الداخلية فقط ؛ بل أمتدت إلي القضايا  الخارجية أيضا ؛ فعندما  أثيرت قضية الكاردينال بيا الخاصة بعلاقة الكنيسة الرومانية الكاثولوكية باليهود بخصوص تبرئتهم من دم اليهود ؛ دعا قداسته الكنيسة القبطية الي تبني موقف إيجابي ؛ فعقد مؤتمرا صحفيا ببطريركية الأقباط الأرثوذكس بتاريخ 19 ديسمبر 1963 ؛ حضره السادة مندوبي  الصحف العربية والأجنبية ووكالات الانباء والإذاعة و التلفزيون افتتحه القمص ميخائيل عبد المسيح وكيل البطريركية في ذلك الوقت ؛ وأعلن فيه أن القمص باخوم المحرقي ( المتنيح الأنبا غريغوريوس فيما بعد ) بالاشتراك مع المستشار فريد الفرعوني وكيل مجلس ملي الاسكندرية قاما  بتقديم تقرير مفصل يحوي وجهة نظر الكنيسة القبطية نحو هذه الوثيقة لتبرئة اليهود من دم السيد المسيح ؛ وعن شرح هذه الوثيقة ذكر قدسه أنها تؤلف الفصل الرابع من مشروع كبير عن الحركة المسكونية ؛ وهي تقر أن اليهود هم أبناء إبراهيم . وان الله دخل معهم في عهد منذ ذلك الزمن .وأن السيد المسيح عندما صلب ومات ؛ لم يصلب بواسطة الشعب اليهودي وحده الذي كان يعيش في ذلك الزمان . وهكذا أخذت الوثيقة تذكر أنه من هذا الشعب ولد المسيح حسب الجسد ؛ كذلك السيدة العذراء . ولقد رد القمص باخوم المحرقي علي هذه الإدعاءات فقال أن الأدلة كثيرة علي إلزام اليهود بمسئولية الجريمة التي أرتكبوها ؛ ولا زالت النصوص الكنسية حافلة بالنصوص التي توقع اللوم علي اليهود . وطبعا من الناحية الدينية لا يمكن أبدا أن نقبل أن اليهود من تبعة صلبهم وقتلهم للسيد المسيح ...... ونحن سنظل عند موقفنا في طلب إسقاط هذه الوثيقة ؛ ونحن لا يرضينا أبدا ولا يتمشي مع الحقائق الدينية ومع وجهة نظر بلادنا ؛ ونحن لا شك كمراقبين لا بد أن ننسحب من المجمع إعلانا لإعتراضنا وعدم موافقتنا علي أي قرار يصدر يكون غير مطابق مع الحقيقة الدينية ومع المطالب الوطنية . ( راجع وقائع المؤتمر الصحفي والأسئلة والاجوبة بالكامل في :-موسوعة الأنبا غريغوريوس ؛ الدراسات التاريخية " الجزء الثالث " القدس وفلسطين ودور الكنيسة من أجل تحريرها " ؛ المجلد رقم 26 ؛ الصفحات من (53 – 86 ) . 
 
وفي الرسالة البابوية التي وجهها قداسته في عيد الميلاد المجيد في عام 1964 ؛ ذكر قداسته أن الكنيسة سجلت اعتراضها رسميا علي هذه الوثيقة رسميا وشعبيا ؛وتكلم الوفد القبطي الأرثوذكسي في جلسة علنية تضم كل أعضاء المجمع الفاتيكاني ؛ وطالب بإسقاط المشروع الخاص باليهود إسقاطا تاما حتي لا تستغله الدعاية الصهيونية إستغلالا  سياسيا لمصلحتها . وقد طبت كلمة الوفد القبطي ؛ وضمت رسميا إلي المجمع . ولم يكتف الوفد القبطي بذلك ؛ وإنما واصل الضغط علي كل أعضاء المجمع الفاتيكاني ؛ ولو فرضنا جدلا أن مجمع الفاتيكان الثاني أصدر وثيقة في مسألة تبرئة اليهود من دم المسيح قرارا لا يتفق وعقيدتنا الأرثوذكسية أو يتجاهل مصالح الشرق العربي فإننا سوف لا نتواني عن أن نصدر تعليماتنا إلي وفدنا الأرثوذكسي بالانسحاب فورا تعبيرا عن إحتجاجنا الصارخ علي ذلك القرار " ( راجع النص الكامل للرسالة في المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 102 ) . 
( في هذه الموسوعة ؛ سوف نجد تفاصيل كثيرة عن هذه الوثيقة تحتل الصفحات من 102 – 123 يمكنكم الإطلاع عليها بالكامل حتي  لا يطول المقال أكثر من اللازم في نفس النقطة ) . 
 
وحول مساعي الكنيسة للحيلولة دون تدويل قضية القدس ؛ بذل قداسة البابا جهودا متواصلة للحيلولة دون تدويل  المدينة ؛ وأهاب بكنائس العالم لحث حكوماتها علي تأييد  القضية العربية ؛  فأرسل نيافة الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة  مندوبا عن قداسته لمقابلة البابا بولس السادس مع مندوبي الكنائس الأخري في شأن حماية الحيلولة  دون تدويل القدس ؛ وحمله رسالة خاصة إلي قداسة البابا بولس السادس ( راجع النص الكامل للرسالة الي البابا بولس  في المرجع السابق ذكره  صفحة 124 ) . ولقد عقد مجلس الكنائس العالمي إجتماعا خاصا في جنيف يوم 3 أغسطس 1967 ؛ وأرسل الكتاب التالي إلي مجلس الكنائس العالمي جاء فيه " إن العاملين بمجلس الكنائس العالمي يعربون عن قلقهم وإهتمامهم الزائد لإعتداء الصهاينة في الشرق الأوسط  . وأننا نرجو أن  تتخذ الأمم المتحدة موقفا حاسما وسريعا لإيقاف النار تحت الرقابة الدولية ( راجع النص الكامل للكتاب في نفس المرجع ؛ صفحة 128 ) .     
 
ولقد كلف قداسته وفدا لإقامة القداس الإلهي للنازحين  بمديرية التحرير يوم الجمعة الموافق 21 يوليو 1967 ؛تعبيرا عن المحبة التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد ؛ وتكون الوفد من نيافة الأنبا غريغوريوس والقمص بولس غبريال المستشار الديي لمديرية التحرير ؛ وحضره ممثلون عن الأزهر والفاتيكان ؛ وبعد القداس ألقيت كلمات روحية ملتهبة من الجانبين تعبر عن التضامن بين عنصري الأمة في سبيل خير الوطن وصد  العدوان الغاشم ( نفس الكتاب السابق ؛ الصفحات من 131 – 140 ) . 
 
ومع مطلع عام 1969 ؛  صرح قداسته بتصريح نشر في يوم  29 ديسمبر 1968 ؛ جاء فيه " إننا نعبيء شعبنا توعية روحية ؛ونوالي الاتصال بقداسة بابا روما ورؤساء الكنائس في العالم لمواجهة الطغيان الصهيوني ؛ وبذل الجهود لإعادة مدينة القدس المحتلة ؛ ونصلي علي الدوام من أجل نصرة 3قضية بلادنا " ( راجع نص التصريح بالكامل في  نفس المرجع السابق ؛ صفحة 164 ) . 
 
وعندما وقع الأعتداء الغاشم علي  المسجد الأقصي في 21 أغسطس 1969 ؛ أصدر قداسته بيانا هاما نشر في جميع الصحف المصرية جاء فيه " هزتنا من الاعماق نبأ الجريمة النكراء التي وقعت علي المسجد الأقصي العربية ..... وللمرء أن يتساءل ؛ كيف نشب هذا الحريق في هذا الوقت بالذات الذي وقع فيه هذا الجرم الكبير تحت الإحتلال الإسرائيلي ؛ مع  أنه قد مضت مئات السنين ولم يحدث مثل هذا الحادث البشع الذي نعتبره جريمة شنعاء في حق مقدسات العرب ؛ مسلمين ومسيحين  . .... إن الإعتداء  علي المسجد الأقصي هو في قمة الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل علي العالم العربي ؛ وهو إعتداء بالدرجة الأولي علي مدينة القدس التي كانت تسمي  قديما مدينة السلام .... إننا نعلن غضبتنا علي كل من تسبب في هذا الخسران الفادح ؛ ونستنكر بشدة هذا الإهمال الفاضح للمقدسات ؛ ونحمل إسرائيل تبعة هذا العمل الإستفزازي والنتائج المؤسفة التي تنجم عنه " ( راجع النص الكامل للبيان في المرجع السابق ذكره ؛ صفحتي 182 ؛ 183 ) . 
 
كما أدلي قداسته بتصريح  جاء نصه في جريدة الأخبار في عددها الصادر يوم الأحد 24 أغسطس 1969 جاء فيه "إن الآثار المسيحية والإسلامية عاشت جنبا إلي جنب منذ آلاف السنين ولم يحدث أن تعرضت لأي إعتداء أو تخريب منها كنيسة القيامة التي أغلقت لفترة طويلة عقب الإحتلال ؛ وكنيسة المهد التي شهدت ولادة المسيح ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 186 ) . 
 
كما قرر قداسته تشكيل وفدا رسميا يمثل الكنيسة القبطية في المؤتمر المسيحي العالمي الذي عقد في مدينة قبرص في يوم 25 سبتمبر 1969 لبحث مشكلة اللاجئين العرب والمهجرين  ؛ ولقد تكون الوفد من :- نيافة الأنبا غريغوريوس  رئيسا ؛ والدكتور صادق أنطونيوس ؛ والكاتب الصحفي طلعت يونان ؛ والمهندس فايق رياض . كما ضم الوفد نيافة الأنبا صموئيل بأعتباره عضو اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي في مصر ؛ ولقد درس المجلس في جدول أعماله 6 موضوعات هي :- 
 
1-الوصول بالكنائس إلي وعي متجدد نحو المأساة المستمرة والمتزايدة للاجئين الفلسطنين والنازحين ؛ وان تعي حتمية وجوب خدمة إحتياجاتهم وتعضيد مطلبهم الأساسي للعدالة .
 
2- الإعتراف بأنه لا يمكن تحقيق سلام دائم بدون إحترام الحقوق المشروعة لأهالي المنطقة ؛ وبدون ضمانات دولية فعالة . 
 
3-تحميل الدول الكبري مسئولية خاصة لخلق مناخ سياسي يمكن فيها حفظ أراضي كل دولة بالمنطقة . 
 
4-الإهتمام بوجوب مراعاة الأسس الدولية المقررة لحقوق الإنسان ؛ وحث السكرتير العام للأمم المتحدة علي مضاعفة جهوده نحو تحقيق هذا الهدف . 
5-الإتفاق مع كافة المسيحين والمسلمين واليهود في العالم ؛ لحماية الأماكن المقدسة بصفة عامة . ووضع القدس وشعبها بصفة خاصة . 
 
6-إقتراح دراسةى موضوع تفسيرات الكتاب المقدس ؛ تفاديا لإساءة إستخدامه  في تأييد وجهات النظر السياسية المنحازة . ( راجع قرارات المؤتمر وجدول أعماله في المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات من 200 -220 ) . 
 
ولقد كلف قداسة البابا كيرلس نيافة الحبر الجليل الأنبا صموئيل بالقيام بجولات هامة في جميع عواصم العالم لدعم القضية العربية ؛ ولقد قام نيافته بتوثيق هذه الجهود في مقال  هام له نشر في جريدة وطني بتاريخ 8 مارس 1970 ؛حيث قام نيافته بالإتصال بكنائس العالم لشرح  هذه القضية ؛ وقام قداسته بإرسال عدة برقيات في مناسبات مختلفة إلي البابا بولس السادس ومجلس الكنائس العالمي ورؤساء الكنائس المختلفة يشرح لهم فيها عدالة القضية ؛كما أرسل قداسته برقية إلي يوثانت السكرتير العام للامم المتحدة وقتها . وقام نيافته بعدة جولات مكوكية في كل من سويسرا والمانيا وأمريكا ؛ كما أرسل قداسته نيافة الأنبا غريغوريوس إلي حضور عدة مؤتمرات في ألمانيا وتركيا ولبنان ألقي فيها عدة محاضرات . كما أوفد قداسته نيافة الأنبا شنودة ( قداسة البابا شنودة الثالث فيما  بعد ) إلي إنجلترا للقيام بعدة محاضرات لشرح  القضية العربية إلي مجموعات من الإنجليز والعرب المقيمين في أوربا . 
ولقد كان من نتيجة كل هذه الجهود أن بدأ الرأي العام العالمي يتفهم هذا الحق العربي ؛ وأحست إسرائيل بهذا التغيير في الإتجاه الدولي فتخوفت من الموقف وقامت بإجراء دراسة أودعتها وثيقة سرية نشرت جريدة الأهرام جزءا منها في 3 يوليو 1969 . كما أثمرت هذه الجهود قرارات مؤتمر كانتربري الذي عقد في إنجلترا  في أغسطس 1969 ؛ حيث جاء في فقرته الثالثة ( يؤمن مجلس الكنائس العالمي بأن الدول الكبري بدعمها إنشاء دولة إسرائيل دون حماية حقوق الفلسطنيين أوقعت علي الفلسطنيين العرب ظلما يجب إزالته ) . 
 
وجاءت قررات قبرص في أكتوبر 1969 ؛ حيث أكد  أن  برامج  الإغاثة لا تكفي مهما كانت جوهرية ؛ودعت كل كنائس العالم لتستخدم كل ما لها من تأثير في سبيل الحل العادل الذي يستلزم حتما الإعتراف بحقوق الفلسطننين في عودتهم إلي وطنهم ( لمزيد من التفصيل راجع نص مقال الأنبا صموئيل بالكامل في المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات من 227 – 232 ) .
 
بعض مراجع ومصادر المقالة :- 
1-الأنبا غريغوريوس :- الدراسات التاريخية " الجزء الثاني " الوحدة الوطنية ودور الكنيسة في تدعيمها ؛ المجلد 25 ؛جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي . 
 
2-الأنبا غريغوريوس :- الدراسات التاريخية "الجزء الثالث " القدس وفلسطين ودور الكنيسة من  أجل تحريرها ؛ المجلد 26 ؛ جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي . 
 
3- إيريس حبيب المصري :- قصة الكنيسة القبطية ؛ فترة من البهاء من سنة 1959- 1971 ؛ الجزء السابع ؛ مكتبة المحبة . 
4-الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني :- وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها المعاصر : الجزء الثاني ؛ طبعة ثانية مزيدة ومحققة ؛ 2002 .