كتب – سامي سمعان
نشر المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نص عظة قداسة البابا تواضروس الثاني، في قداس سيامة الأساقفة السبعة الجدد.
 
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين، تحل علينا رحمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين.
هذه السيامة الأولى في هذه الكاتدرائية، كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية، وهذه هي المرة الأولى التي يجتمع معظم أعضاء المجمع المقدس في هذه السيامة المباركة وفي هذه الكاتدرائية التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في عشية عيد الميلاد عام ٢٠١٩ وافتتحها مع افتتاح مسجد الفتاح العليم كأول المنشآت في هذه العاصمة، وكأنه أراد أن يبدأ إنشاء هذه العاصمة بإنشاء المؤسسات الدينية الروحية، وهذه بداية نصلي لله أن ينجح طريقه وعمله ومسؤولياته الواسعة.
 
بنعمة المسيح أقمنا ٧ من الآباء الأساقفة، والأب الأسقف يحمل ألقابًا كثيرة فهو رئيس، ومدبر، ورئيس الكهنة، وعليه المسؤوليات التعليمية والتقديسية والسرائرية وهو مسؤول عن تكريس النفوس وتدبير حال الخدمة سواءًا في دير أو إيبارشية أو منطقة رعوية مسؤولياته واسعة. لكن إن بحثنا أيها الأحباء عن أهم لقب يجب أن يتحلى به الأب الأسقف فهو لقب "أب" فهو صار أبًا كبيرًا في مجال خدمته، وهذه الأبوة هي النعمة الكبيرة التي يصبغها الله علينا، فكنيستنا عامرة بالأبوة وتاريخنا مليء بالآباء القديسين وفي كل بيت ننطق هذا الاسم ونقول أبونا وعندما نقف ونصلي الصلاة الربانية نقول "أبانا الذي في السموات" وكأن الأبوة هي المفتاح وهي الكلمة الأساسية في حياة كنيستنا، إنني أتجاسر وأقول أن كنيستنا القبطية عاشت ٢٠ قرنًا من الزمان بسبب هذه الكلمة، فالرهبنة أبوة والخدمة أبوة والكرازة أبوة وحياتنا الكنسية تدور في مجال الأبوة هذه الكلمة الغنية، وأريد مع سيامة الآباء الأحباء السبعة أن أشرح لكم سبعة أوجه لهذه الأبوة، الأبوة لها وجوه كثيرة تظهر فيها، ونحن لا نتعلم الأبوة في أي معهد علمي على الأرض، الأبوة هي نعمة كبيرة يعطيها الله ويمنحها لمن يطلبها سواءًا أب في أسرة أو كاهن في كنيسة أو أسقف في إيبارشية، هي نعمة يطلبها باستمرار.
 
١-  الأبوة الرعوية: فالأب وظيفته الأولى هي الرعاية لكل إنسان في محيط خدمته والمسؤولية التي يكلف بها، عليه أن يقدم الرعاية لأن السيد المسيح أطلق عليه الكتاب وهو قال عن نفسه "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ" يجب أن تكون الرعاية بداية اهتمامه، وهذه الرعاية يجب أن تصل إلى كل إنسان ويشعر بها كل إنسان، فوقته مخصص ليقدم هذه الرعاية لكل أحد، القريب والبعيد، للأفراد والأسر، ويقدم الرعاية المستمرة المشبعة، لأنك أنت أيها الأسقف صورة المسيح، والمسيح هو الراعي لنا جميعًا، فأنت تمثله في حدود خدمتك أنت راعٍ بالحقيقة، والراعي يتواصل مع الناس ويكون قريبًا منهم ومعهم في الخدمة ويفكر باستمرار كيف يغذي شعبه كما يفعل راعي الخراف بالتمام.
 
٢- الأبوة التعليمية: ليس كالتعليم الذي نتعلمه في معاهدنا، ولكن الذي يقدم لكل إنسان بروح الأبوة مثل الأب الذي يربي ابنه في البيت، والابن يكبر ولا ينسى تعليم أبيه أبدًا، وتعليم الأب يقدمه ليس بفمه أو عقله ولكن من قلبه واختبارته وحياته، وكل أب يريد ابنه أفضل منه وأعظم منه هذه هي الأبوة التعليمية، وتشمل أيضًا نقاوة التعليم وسلامته واستقامته، وكنيستنا ليست كنيسة حديثة ولكنها كنيسة لها سنوات طويلة جدًّا في التاريخ ٢٠٠٠ سنة منذ أن أتى مار مرقس إلى مصر، ولذلك التعليم مستقر فيها لا يوجد جديد والتعليم في نقاوته وسلامته مستقر وتسلمناه من جيل إلى جيل، أمامنا الكتاب المقدس وحياة الآباء وأقوالهم والليتورجيات وكل هذه مخازن التعليم المستقيم، فالأب الأسقف مسؤول عن هذا أن يشبع أبناءه بالتعليم والذي يشبع الإنسان في كنيستنا هو الإنجيل المقدس وسير الآباء وأقوالهم والصلوات والليتورجيات المحفوظة في الكنيسة هذا الذي يشبع ويحفظ نقاوة التعليم، هذه هي الأبوة التعليمية.
 
٣- الأبوة التدبيرية: أنت أيها الأسقف صرت مسؤولًا عن نفوس الناس ولكنك أيضًا مسؤول عن إدارة المكان الذي تخدم فيه سواءًا ماليًّا أو إداريًّا أو روحيًّا، أنت مسؤول عن روح التدبير، وكما قال الكتاب "الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ" ونرى السيد المسيح في خدمته مدبرًا جدًّا، وفي معجزة إشباع الجموع قال لهم أتكئوهم فرقًا فرقًا، وهذه لمحة إدارية شديدة (النظام)، الخدمة تقوم على النظام، وبعد أن أكلوا قال لهم ارفعوا الكسر لأنها تصلح أن تشبع آخرين، وترك المكان نظيفًا فكان يحافظ على البيئة، وكل هذا وتعليم كثيرة في الكتاب المقدس يجعلك تتعلم الأبوة التدبيرية، مثل الأب في البيت الذي يدبر حال بيته، والله يغدق من كنوزه كل صباح بركات كثيرة فلا نحمل الهم ولكن يجب أن تكون مدبرًا في المال وألا تكون مبذرًا ولا شحيحًا، هذا هو الوجه الثالث من وجوه الأبوة المرجوة في حياة الآباء الأساقفة وهي رسالة نقدمها لهم.
 
٤- الأبوة المتضعه: الأب هو الكبير والبعض يظن أن الأسقفية نوع من الترقية، مفهوم الترقية غير موجود في كنيستنا، بل إن الترقية في الخدمة معناها أن ينزل الإنسان حتى إلى خدمة غسل الأرجل التي صنعها السيد المسيح، السيد المسيح عمل معجزات وقدم تعليمًا ولكن في النهاية وقبل الصليب بساعات انحنى ونزل إلى الأرض وغسل أرجل تلاميذه لم يكن أحد فينا يتوقع هذا على الإطلاق، ولكن الله ربنا يسوع المسيح غسل الأرجل لكيما يقدم لنا أن هذه هي الدرجة العليا في كنيستنا بين كل الخدام من أول البطريارك للمطارنة للأسقف للكهنة للخدام هذه هي الدرجة العليا في كنيستنا، فالأب يلعب مع ابنه وتكون النتيجة سعادة متناهية وسوف تجد أن السعادة سببها الابن لأبيه الكبير، الأبوة المتضعه وهذه معادلة صعبة جدًّا لأنه بالطبيعة صرنا أساقفة كبار، ولكن يجب أن أكون متضعًا والاتضاع يعني أن يتخلى الإنسان عن ذاته وهذه هي الحرب الكبرى التي تحارب من يتقلد منصبًا رفيعًا ويكون محتارًا بين المنصب وذاته وبين الاتضاع للناس الذين يخدمهم، أريد أن أقول كلمة في أذنك وفي آذان الآباء أن "الاتضاع هو الذي يحرس النعمة التي أخذناها" لا يحفظ نعمة الخدمة أو الكهنوت إلا اتضاع الشخص ولذلك أيها الآباء الأحباء اطلبوا من الله أن يعطيكم حارس النعمة وتكون أبوتكم أبوة متضعة، وننظر إليك وأنت الأب الأسقف ونراك أنت الروح الوديع، فمسيحنا قال "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ"، وهذا هو نجاح خدمة الأسقف: اتضاعه الذي يجعله يحب كل الرعية ويخدم كل أحد ويستطيع أن يغفر أخطاء الآخرين، هذه هي الأبوة المتضعة.
 
٥- الأبوة المحبة: التي لها القلب الواسع لكل أحد، القلب الواسع يجب أن يكون صفة أساسية في الأب الأسقف، ويقابل كل أحد ببشاشة ويجتاز الظروف الأليمة وهو مبتسم ويعلم أن هذه المحبة هي التي نالها من الله "لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا." كما قال القديس بولس الرسول، الأب الأسقف قلبه مفتوح على الدوام ومتسع ويقبل كل أحد هذه هي وظيفتنا نقبل حتى البعيد وذا السلوكيات غير المرضية، الأبوة المحبة التي يتدفق منها الحب، ولا تنسوا أيها الأحباء العالم يحتاج إلى هذا الحب، فالأب الأسقف هو الأمل مع الآباء الكهنة في أي خدمة أن يكون مصدرًا لهذا الحب الذي يفتقده العالم، اجتهد أن تكون أبوتك هي أبوة المحبة.
 
٦- الأبوة الساترة: ونحن نصلي كل يوم في صلوات الشكر ونكررها "نشكرك يا رب لأنك سترتنا" وأرجو أن تكون هذه الكلمة ماثلة أمام أعيننا باستمرار "لولا ستر الله لا نستطيع أن نعيش"، كلمة "أسقف" أصلها اليوناني "إبيسكوبوس" وترجمت كذلك لأنها من كلمة "سقف" والسقف هو الذي يستر والأب الأسقف يجب أن يكون ساترًا لكل أحد، وليس في الاعتراف فقط، ولكن أتكلم عن طبيعة عمل الأب الأسقف، يستر على الضعف والزلل، ويضع لفمه حارسًا ولا يكثر من الكلام "كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ" ويتذكر أنه يصلي إلى الله "نشكرك لأنك سترتنا" وكلنا تحت الضعف ونحتاج من يستر علينا، الله يستر دائمًا حتى أنهم يقولون أن فترة الليل كل يوم هي فترة ستر على خطايا كل البشر حتى يبدأوا يومًا جديدًا وهذه هي الأبوة الساترة.
 
٧- الأبوة الحامية: أنت أيها الأسقف أقامك الله لكيما تحمي كل أحد، فلا تحمل قلبًا قاسيًا ليكن قلبك ممتلئًا بالرحمة والمحبة وتحمي كل إنسان وفي الكنيسة توجد قطاعات ضعيفة كالأيتام والأرامل ومنكسري القلوب والذين ليس لهم أحد يذكرهم والذين لديهم إعاقات مختلفة سواءًا جسدية أو نفسية أو ذهنية، فأنت الحامي والملجأ، نأتي إليك لتساعدنا في حل مشاكلنا، ولا تكون أنت سبب في مشكلة بل بالروح التي تحملها من أبوة والتي يرسلها الله عليك تستطيع أن تحل كل مشكلة سواءًا بالوقت أو المال أو الأفكار أو المساعدات.
 
هذه أيها الأحباء هي الأوجه السبعة للأبوة، وهذه الأبوة تجعل منه أسقفًا بالحقيقة ويكون بالصورة الجميلة في الرعاية في الكنيسة.