كتبت - أماني موسى

بثت منصة نيتفلكس فيلم وثائقي جديد وهام للغاية يحمل عنوان "المعضلة الاجتماعية"، إذ يتناول ما فعلته التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي بالبشر وأدمغتهم حول العالم، وحمل الفيلم وصفًا لما يجري في "وادي السيليكون" في ولاية كاليفورنيا، حيث أصبحت هذه المنطقة مشهورة بتسميتها بسبب وجود عدد كبيرٍ من مطوّري الشرائح أو الرقاقات السيليكونية ومنتجيها.

التكنولوجيا وتهديد وجودي للإنسان والحضارة الإنسانية

يتناول الوثائقيّ شخصيتين تعملان في الشركة، يتم فيه الكشف عن التهديد الوجودي الذي تشكّله شركات التكنولوجيا الكبرى على الحضارة الإنسانية ككل، وكيف أن الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات باتت أكبر من مجرد معضلة اجتماعية تفكك العلاقات الأسرية والعلاقات الحقيقية لأكثر من 2 مليار إنسان حول العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، والاستعاضة عنها بالعلاقات الوهمية عبر الإنترنت، وكيف يعيش الأفراد في واقع بديل بداخل غرف مغلقة مغلفة بالكامل بالشاشات بديلاً عن عالم واقعي بأشخاص حقيقيين، بالإضافة إلى عدة شخصيات تعمل في كلاً من تويتر وجوجل وانستغرام وفيسبوك.

"لا يدخل شيء ضخم حياة البشر من دون لعنة"
يبدأ الفيلم بمقولة "لا يدخل شيء ضخم حياة البشر من دون لعنة"، ويلتقي بعدد من العاملين بمؤسسات مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وأنستغرام، تريستان هاريس (خبير سابق في أخلاقيات التصميم في غوغل) وجارون لانير (عالم كمبيوتر)، الذين يروا أن وسائل التواصل الاجتماعي والعاملين في مجال التكنولوجيا قد خلقوا "تهديدًا وجوديًا" لتلك المجتمعات  التي سُمح لهم فيها الازدهار دون رادع، ويعتقدان أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تجرّد عملاءها من إنسانيتهم ​​وتفكّك النسيج الاجتماعي كما أنها تدمر الديموقراطية.

السوشيال ميديا وزيادة تأُثير العنف العرقي والاكتئاب والانتحار
وكشف الفيلم للمشاهدين كيف تستخدم الشبكات الاجتماعية الخوارزميات لجعل المستخدمين يكررون زيارتها، وكذا كيفية تأثير شركات التقنية في الانتخابات، والعنف العرقي، ومعدلات الاكتئاب، والانتحار، كما أن خبراء التجميل لاحظوا إقبال كبير من الفتيات الصغيرات بالعمر على عمليات تجميل ليصبحن شبيهات بفلتر السناب شات الشهير.


معلومات خطيرة.. فخ الإدمان لجذب أكبر قطاع من البشر حول العالم
كما احتوى الوثائقي على المعلومات الداخلية الخطيرة التي يقدمها مبرمجون ومصممون كانوا يعملون في تلك الشركات الضخمة، بل وأشرفوا على تطوير تقنيات من شأنها جذب أكبر قطاع ممكن من البشر، قبل أن يكتشفوا وقوعهم هم أنفسهم في فخ إدمان تلك المواقع وعدم قدرتهم على الاستغناء عنها.

جانب إيجابي أيضًا
قال أحدهم، يجب ألا ننسى الدور الإيجابي للسوشيال ميديا في تواصل الناس مع بعضهم البعض، حيث جمعت شمل أفراد عائلات مفقودين، ووجدت متبرعين بالأعضاء، فكان هناك تغير ديناميكي ذات مغزى ونظام تحدث في جميع أنحاء العالم، بسبب تلك المنصات، لكن على ما يبدو أن جميعنا كان يجهل الجانب الآخر لهذه المواقع.

دراسة: إدمان عشرات الملايين من الأمريكيين لمواقع التواصل الاجتماعي
وكشفت دراسة حديثة إدمان عشرات الملايين من الأمريكيين لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل مستميت، وتفاقم الأمر حتى أصبح بإمكان المرء أن يعزل نفسه عن العالم وعن من حوله، بالإضافة إلى أن هذه المواقع تجعل الأخبار المزيفة أكثر تقدمًا لتهدد المجتمعات حول العالم، إذ انتقل العالم من عصر المعلومات الصحيحة إلى عصر المعلومات المضللة،

جانبين بالفيلم
يتم عرض الفيلم في جانبين، أولهما لمجموعة من المسؤولين السابقين بشركات التواصل الاجتماعي، والذين قاموا بتطوير برامج وتقنيات بهذه المواقع، يحذرون فيه من إدمان هذه المواقع وكيف يتم العمل على تطوير خوارزمياتها لتعاطي عدد أكبر من البشر معها.

والجانب الآخر من الوثائقي يصور أسرة من 5 أفراد، بها 3 أبناء من المراهقين من أعمار مختلفة، وهي الفئة التي تقع فريسة لتلك المواقع بالأكثر.

انهيار أنظمة سياسية واجتماعية وجعل الإنسان سلعة
تنقسم القضية التي يناقشها الفيلم إلى موضوعين رئيسيين وهما الطبيعة الرأسمالية الإعلانية لتلك المواقع، وكيف تجعل من الإنسان نفسه سلعة تتنافس الشركات على كسب اهتمامه وحمله على إدمان مواقعها؟ والجانب الآخر لهذه المواقع يمتد لقضايا سياسية واجتماعية كبرى تسببت بها هذه المواقع، حيث يسهل نشر معلومات وأخبار كاذبة ومضللة على صفحاتها ومن ثم قيام دول وانهيار أنظمة سياسية حاكمة، وتجميع تكتلات يمينية ويسارية تجعل إنقسام المجتمعات أكثر سهولة من ذي قبل، كما أنها تهدد سير العملية الديمقراطية.

سنجعلك تفعل ما نريد
وقال مسؤول آخر، لن نخبرك بأية حقيقة، سنخبرك بكل ما تريد سماعه، نحن نكذب كما نتنفس، نحن نتاجر في الأوهام لكن أنتم تجلسون هنالك يوم بعد يوم، ليلة بعد ليلة من جميع الأعمار وجميع الألوان والأعراق، نحن كل ما تعرفون، بدأتم في تصديق الأوهام التي نغزلها هنا، بدأتم في تصديق أن تلك الشاشة هي الحقيقة، وأن حيواتكم ذاتها غير حقيقية، تفعلون أيا كان ما تخبركم به الشاشة.

مضيفًا أن الفيسبوك يجعلك تنخدع بأن كل الناس يشبهونك، بمرور الوقت ستصدق هذه الخدعة، هذا فقط لأن جميع من ينشرون على صفحتكم الرئيسية يشبهونكم، وحين تدخلون تلك الحالة يمكن التلاعب بكم بسهولة، بالطريقة نفسها التي يتلاعب بكم الساحر بها، يريكم السحر خدعة الأوراق ويقول اختاروا ورقة.. أي ورقة ما لا تدركونه أن لديهم خطة معدة مسبقًا لذا تختارون الورقة التي يريدونكم أن تختاروها، وهكذا يعمل الفيسبوك.