بقلم : عبد المنعم بدوى
عاش يسخر من العقائد ، لا يعترف بالجنه أو النار ، مؤمن بأن العلم للضروره الحياتيه ، والفن والأدب للضروره الأنسانيه ، أما ماعدا ذلك تراهات ... التاريخ حكايات ، والأديان خيالات ، وكلام المشايخ والقساوسه خرافات .
هو من القاهره ، لكنه عاشق لمدينة الأسكندريه ، بينه وبين البحر مد وجزر .. يسافر دائما إلى أى مكان فيه بحر .. مع رائحته المالحه يستعيد عذوبة وجوده ، هو عاشق للبحر .. وبالذات بحر الأسكندريه .
من داخل المقهى الزجاجى المطل على كورنيش الأسكندريه ، يجلس وحيدا بملامحه المميزه التى أضفى عليها الأسى قدسيه ... شعره أكتسى باللون الأبيض ، ينظر فى شرود إلى مراكب الصيد المتراصه أمامه بالميناء الشرقى ، حيث الشمس تنحسر خلف قلعة قايتباى ، كان المقهى هادئا على غير العاده .. ثم بدأ يصطخب بمرور باعة السودانى ، والمناديل الورقيه .
... رشف رشفتين من فنجانه ثم بدأت عيناه تقودانه الى تلك المرأه التى تجلس على الطاوله التى بجواره ، حيث وجد نفسه مدفوعا ، مشدودا فى مجالها المغناطيسى ...
هى أمرأه شابه ، حاول أن يتبين جنسيتها من ملامح وجهها ، لكنه فشل ، كان وجهها يحمل ملامح كل الجنسيات تقريبا .. وجنتان كاملتا الأستداره كأفروديت الأغريقيه ، ذقنها يكمل أستدارة الوجه الإيطالى العريق ، لكن عينيها فكانت مصريتان سوداوان مفتوحتان ، وشعرها ليل أسود طويل .
ترك المقهى ، وأخذ يتمشى حتى وقف أمام محل متواضع ، بشارع النبى دانيال .. محل بلا واجهات زجاجيه ، ولاعتبات رخام ، بداخله شماعات ورفوف عليها ملابس الشتاء ، قرر الدخول لشراء بلوفر ، وجد أمرأه المقهى واقفه أمام بنطلون جينز أزرق مكتوب عليه ماركه أمريكيه شهيره ، لكن يبدو إنها مزوره ، أبدت المرأه تشككها من صحة الماركه ...
لاحظ ترددها ، أقترب منها وقال لها إن التقليد ثمة العصر ، وأن كل شيىء مغشوش من الماركات التجاريه إلى الشعارات السياسيه ، حتى كلام الرؤساء مغشوش ومزور .
رفرف قلب الرجل خلف المرأه على سلم المحل ، لاحظ تلك الغمضه الباسمه فى عينيها وهى تدير وجهها ، ولاحظ أيضا أنها تستدير نحوه مرة أخرى .
فى هذه اللحظه الحرجه من عمر الرجال ، تتصارع التجاعيد مع فتوة الجسد ونضج التفكير ، عندما تتلمس بإصبعك تفاصيل وجهك وفى نفس الوقت تدرك شباب قلبك ، تكتشف بكل جرأه وتحدى : أنك مازلت صغيرا ... فى تلك اللحظه لن يوقفك شيىء عن فعل ماتحب ، خصوصا إذا لم تحفل بحسابات الربح والخساره ، ولم تعبأ بأفكار العقل والهوس والجنون .
عبد الحليم حافظ يشدو أغنيته : بتلومونى ليه ، لو شفتم عينيه حلوين قد إيه ... حتقولوا إنشغالى وسهد الليالى مش كتير عليه .
مقتطفات من روايتى العجوز والكوز .... والبقيه سأنشرها فى الأيام القادمه .....