حسام بدراوي
قرأت للأستاذة فاطمة المزروعي:
عندما يقع أحدنا في مشكلة أو تعترض مسيرة حياته عقبة، فإن خير وسيلة للتغلب عليها هو شحن النفس بطاقة من التفاؤل والأمل وملء الروح بهذه المشاعر، لكن الذي يحدث في حياتنا اليوم مختلف تمامًا عن هذا الجانب، فبنظرة سريعة لمواقع التواصل الاجتماعى أو ما يصلنا عبر التطبيقات الذكية في الهواتف، نجد أنها كلمات وأقوال تنم وتدل على حالة من البؤس والقنوط، وتأنيب النفس، كم هائل من الكلمات السوداوية تحيط بالكثير من الناس فتتلبس يومهم وتغذى أوقاتهم، والسبب أنهم أخفقوا أو تعثروا.

وناقشنى شباب الحالمين بالغد في هذا، فقال واحد منهم:

نسمعك تقول إن چيناتك متفائلة، وتبدو مبتسمًا في أحلك الأوقات، وكأن السعادة والتفاؤل أمور موروثة، فلا ذنب إذن على التعساء والمتشائمين، فقد ولدوا هكذا!!!

قلت: يا أبنائى.. السعادة قرار، والتفاؤل ثقافة....

أنا أسأل كل من حولى: ما الذي يسعدك؟

وأطلب منهم ذِكر خمسة أفعال يقومون بها، فتضفى على نفوسهم سعادة وبهجة..

والغريب أن أغلب من أسألهم يجدون صعوبة في ذكر خمسة أفعال تسعدهم!.

السعادة قرار إيجابى، ولها مقومات، إن لم نسع إليها فقد لا نجدها. صحيح أن بعض الناس- وأنا منهم- يرون في الناس أفضل ما فيهم، وفِى الأحداث حولهم أجمل ما فيها. ولكن إن لم يكن الإنسان ساعيا للبهجة، وطالبا للسعادة، فقد تمر الأيام ولا يراها، لأنه لا يبحث عنها.

والعقل الجمعى للأسرة وللمجتمع قد يخلق طاقة إيجابية، والعكس. هذا العقل الجمعى تحركه ثقافة المجتمع وقادة المجتمع وإعلامه وفنونه. والاستعداد الوجدانى له يبدأ من الصغر، في المنزل والمدرسة والجامعة، في النادى والساحة، في بيوت الصلاة: جوامع وكنائس ومعابد..

الحياة نِعمة من الخالق، والبهجة بها شكرٌ لله، وعلينا أن نتوق إليها ونتذوقها، فهى حق من حقوق الإنسان.

أما التفاؤل في الحياة فهو شعور داخلى رائع، هو حالة من الارتياح التي يشعر بها الفرد لإيمانه بأنه دومًا هناك طريقة للخروج من المشكلات في حال حدوثها.

أن نكون متفائلين، يعنى أن نرى النور وسط الظلام، أن نشعر أنه رغم جميع التحديات والمصاعب والآلام لا يزال هناك الكثير نحبه في الحياة، وهو جميل ويستحق أن نعيش ونناضل ونكافح لتحقيقه والوصول إليه.

قال شاب آخر: هل هناك فرق بين المتعة والسعادة؟

قلت: الفرق كبير، فالمتعة مرتبطة بارتفاع نسبة هرمون الدوبامين، وقصيرة المدى.. أما السعادة فطويلة المدى ومرتبطة بهرمون السيروتونين.

هما حالتان مختلفتان.

المتعة حسية، ولكن السعادة وجدانية ونفسية وعقلية.

المتعة- ومنها الجنس ولحظة الفوز أو الحصول على المال- ممكن أن تكون جزءًا من السعادة الأكبر والأعم والأشمل، ولكنها ليست السعادة بذاتها.

ممكن أن نشترى المتعة ولا يمكن شراء السعادة. والمتعة ممكن تتحول إلى إدمان.. أما السعادة فهى حالة صحية تجعل الإنسان أفضل، ويرى في الآخرين فضلًا.

هناك أناس قد يكون عندهم نسبة سيروتونين عالية ووراثية، وچيناتهم تعطيهم هذا الاستعداد للسعادة.. مثلى.. ولكن يمكن لكل واحد أن يعمل على نفسه ليولّد هذا الهرمون بالتفكير الإيجابى.

المتعة في الأغلب أخذ فقط، أما السعادة فهى أخذ وعطاء، وقد يكون ما تفعله للآخرين مصدر سعادتك الحقيقى.

قال شاب آخر: وماذا عن التفاؤل؟

قلت: إن التفاؤل عملية نفسية إرادية، تُولد أفكار ومشاعر الرضا والتحمل والأمل والثقة، وتُبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز.

المتفائل يرى في الأزمات فرصًا، وتفاؤله ينشط أجهزة المناعة النفسية والجسدية لديه، في حين يستنفد التشاؤم طاقة الإنسان ويقلل من نشاطه ويضعف من دوافعه.

إن أسلوب التفسير التشاؤمى هو أحد الأسباب المؤدية للإصابة بالأمراض الجسدية المختلفة، وانخفاض مستوى الأداء الأكاديمى والمهنى. إن الإنسان هو الذي يستطيع أن يقرر مصيره أو مستقبله، التفاؤل ليس هبة أو خصلة في شخصية الإنسان، إنما مهارة يتعلمها الفرد حتى يتقنها ويفكر إيجابيًا.

وأذكركم أن التفاؤل والتشاؤم مُعديان.. بمعنى آخر يمكن اكتسابهما من الاحتكاك بالآخرين.. فملازمة المتشائمين تجعلك مثلهم ذا نظرة سوداوية للحياة ومترددًا وغير مقدام.. ولكن صحبتك للمتفائلين تجعل الحياة بنظرك أبسط وأكثر إثارة ويمكنك مواجهة العثرات بشكل إيجابى.. انظر حولك جيدًا وأحسن اختيار الرفقة والأصدقاء أولًا، ثم غذّى عقلك وروحك بالأفكار الجميلة، واغمر وجدانك بالتفاؤل، وستجد النتائج الإيجابية تنهال عليك تباعًا.

إن هناك عقلًا جمعيًا للمجتمع، يُخلق بمجموع الطاقة الإيجابية أو الإيجابية فيه، ويحفزه التعليم والإعلام والفنون، وهو ما يضع على كاهل قيادات المجتمع مسؤولية كبيرة، لأنهم هم صانعو هذا المناخ والميسرون لوجوده.

يا شباب.. السعادة قرار، عليكم أن تتخذونه وعليكم البحث عنها.. والتفاؤل ثقافة، نتعلمها فتصبح أسلوب حياة.

قالت الشابة المتفائلة: ولكن لابد أن هناك جانبا وراثيا يا دكتور، فأنا في أسرتى ومعى والدى ننظر دائما للأمور بتفاؤل، وأخى ووالدتى يميلان إلى التشاؤم مع أننا نعيش في نفس المنزل.

قلت لها: هناك جزء من الحقيقة في ذلك، ولكن الإرادة الإيجابية والرغبة في السعادة مهمة جدا، وأنصح كل واحد فيكم أن يفكر فيما يسعده ويبحث عنه. وكما قلت لكم إن التفاؤل مهارة نستطيع اكتسابها.

قال شاب آخر: وماذا عن مناخ التشاؤم حولنا، ماذا نفعل فيه؟!.. تهديد من الإرهاب شمالًا، ووجدان سلفى يريد العودة بنا إلى الماضى في الداخل، والعالم كله يقفز للمستقبل، وخوف من أزمة في المياه جنوبًا، وخلاف مع إثيوبيا يزداد عمقًا، وتحدٍّ سكانى وإقتصادى هائل، وفرص توظيف تتلاشى بفعل علوم المستقبل.. كيف تنتظر منا التفاؤل في هذا المناخ؟!.

قلت له: هل تتصور أن الحياة ستسير بلا تحديات.. كأنك تريد لعب مباراة ضامنا المكسب لغياب الخصم.. إن أجمل ما في الحياة هو مواجهة التحديات وتحقيق الفوز لنفسك ولغيرك.. تهديد الإرهاب في كل مكان، وكان من الممكن أن تكون مصر في موقف العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا.. إلا أن شعبنا وجيشنا استطاعا الصمود وتحويل الفوضى إلى استقرار.. نعم، نحتاج إلى أكثر، فهذا حقنا. تعالوا نتذكر أن الحكم الدينى المتطرف لم يتحكم في أي بلد وخرج منها إلا في مصر بموقف حضارى فرض مدنية الدولة ورفض حكم الإخوان.

هل يمكنك تجنب القلق والخوف أحيانا؟.. لا، ولكن سيمكّنك العمل والتفكير الإبداعى الخلاق لتتلاءم مع معطيات المستقبل واحتياجات وظائف الغد.. وأستطيع وبثقة وأنا أزور المدارس في أكثر القرى فقرًا أن أرى أطفال مصر يملكون من المواهب والقدرات ما لا يتخيله العقل الجمعى السلبى.. وأن الشباب المصرى أفضل من الصورة السلبية التي ترسم له.. إننى أرى حولى قوى بشرية عظيمة تحتاج للتوجيه والرعاية، لأنهم وقود طاقة إيجابية جبارة.

ولابد أن نحذر من حروب الجيلين الرابع والخامس التي تهدف إلى قتل الأمل في النفوس، ونشر الشائعات عن كل ما هو سيئ، والتغاضى عن كل ما هو جميل..

يا أولادى.. بلادنا جميلة، وحضارتنا عظيمة، ونستطيع بالأمل والعمل بثقة وتفاؤل أن نحصل على سعادة نستحقها.

السعادة لا تهبط علينا من السماء، بل نحن من نزرعها في الأرض.

وليس الفخر ألا نسقط.. ولكن الفخر أن ننهض كلما سقطنا.

لا تكونوا من الذين يتذمرون من أن للورد شوكًا، بل من الذين يتفاءلون من أن فوق الشوك ورودًا.

وتذكروا قول العظيم إيليا أبوماضى:

أي هذا الشاكى وما بك داء..

كيف تغدو إذا غدوت عليلا

إن شر الجناة في الأرض نفس..

تتوقّى قبل الرحيل رحيلًا

أيا هذا الشاكى وما بك داء..

كن جميلًا ترى الوجود جميلًا.
نقلا عن المصرى اليوم