بقلم : الدكتور مجدى شحاته
كان اقتحامه للبيت الابيض بمثابة عاصفة سياسية غير متوقعة ، كما جاء رحيله أيضا من البيت الابيض ، فى شكل عاصفة مدوية . فى منتصف ليلة الثامن والتاسع من نوفمبر 2016 حقق الملياردير دونالد ترامب فوزا على منافسته هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية السابقة . ذلك الفوز الذى جاء مفاجأة لقطاع كبير من الامريكيين وكذلك الرأى العام العالمى . وفى منتصف نهار العشرون من يناير 2021 رحل ترامب من البيت الابيض كما جاء فى جو عاصف أيضا وربما بشكل أقوى وأعنف . رفض ترامب الاعتراف بهزيمته فى الانتخابات الرئاسية امام منافسه الرئيس الحالى جو بايدن ، معلنا مرارا انه يعتزم قلب النتائج عبر تقديم طعون قضائية وذلك على الرغم من عدم ظهور دلائل قوية على حدوث تزوير واسع النطاق قد يكون له تأثير فعلى على نتائج الانتخابات .  تلى ذلك أحداث 6 يناير ، التى اقتحم خلالها جماهير صاخبة هادرة ، من مؤيدى ترامب ، وليس بالضرورة بتحريض منه ، مبنى الكابيتول فى العاصمة واشنطن . بعدها برأ مجلس الشيوخ الرئيس السابق دونالد ترامب من تهمة الحض على التمرد فى أحداث 6 يناير ، وكان ترامب قد أمتنع عن حضور كافة جلسات مجلس الشيوخ والتى استمرت خمسة أيام . 
 
وأصبح هناك جدلا كبيرا حول المستقبل السياسى للرئيس السابق ترامب ، خاصة فى ضوء الصعوبة من اجراء تقييم موضوعى للسياسة الامريكية فى عهد ترامب . يرجع ذلك الى الخلط واللبس بين مواقف ترامب الشخصية وبين حقيقة دور مؤسسات الدولة على أرض الواقع . وحتى يمكن فهم وادراك مخرجات هذه الفترة الزمنية من حكم ترامب , لابد لنا من فصل تصرفات ترامب الفردية او الشخصية عن السياسات العامة للدولة .
 
بعيدا عن هذا اللبث والدخول فى متاهات سياسية ، لابد ان نضع فى الاعتبار ان الرئيس السابق ترامب ، يمثل بدون أدنى شك القوة المهيمنة فى الحزب الجمهورى بجانب التلميحات نحو نيته  بتأسيس حزب سياسى جديد . من هذا المنطلق ، يرى قطاعا كبيرا من الامريكيين والمحللين السياسيين أن ترامب لن يتراجع من المشهد السياسى بسهولة ، بل ترامب متواجد وقائم ومستمر وبقوة لا يستهان بها . لا يمكن بأى حال من الاحوال تجاهل القاعدة الشعبية العريضة التى يتمتع بها ترامب ، حيث نال ثقة ما يقرب من 50% من الامريكيين الذين صوتوا لصالحه ( حوالى 75 مليون ناخب ) الامر الذى يرجح ان يقوم بالترشح مجددا فى الانتخابات المقبلة عام 2024 ، وكان من شأن أى ادانة فى مجلس الشيوخ أن تقف حائلا تمنعه من تولى أى منصب فدرالى مجددا ، وهذا الامر فشل خصوم ترامب من تحقيقه . 
 
ومن خلال قراءة المشهد خلال العام السابق للانتخابات ، والذى كان يشير الى نجاح ترامب على منافسه جو بايدن وبفارق كبير ، لولا سؤ تعامل ترامب مع جائحة كورونا ، وتصريحاته السلبية ايزاء وباء خطير ، مما أدى الى ارتفاع كبير فى عدد المصابين والوفيات . الامر الذى كشف النقاب ان ترامب يفتقر الى الكفاءة والقدرة فى التعامل مع الازمات وحالات الطوارئ الخطيرة . وعلى جانب آخر ، بالرغم من ان الملياردير ترامب يفتقر الى أى ماض سياسى يمكن القياس عليه ، كما انه لم يتمكن من تنفيذ كل السياسات الى تبناها فى برنامجه الانتخابى أو الوفاء بكل العهود الى قطعها على نفسه اثناء حملته الانتخابية ، الا ان ترامب لن يتخلى عن مشواره السياسى بما لديه من خبرة فى عالم الاقتصاد والمال ، بجانب قاعدة جماهيرية لا يستهان بها وفوق كل ذلك انه يتمتع بشخصية مقاومة ، ليست من السهل التخلى عن أى مكتسبات او الفرص المتاحة لديه بسهولة .