حسام بدراوي
جوابًا عن سؤال إحدى مريضاتى عن الرابط بين المجتمع والمرأة، قلت:

فى العموم، الذى تتغلب فيه نزعات الذكورة، وتُتهم فيه المرأة فى كل الأحوال، حتى لو كانت مغتصبة ومنتهكة حقوقها، وفى الخصوص بين الرجل والمرأة لتعرض المجتمع لموجات جديدة من التخلف بانتهاك حريتها بالتحرش اللفظى، أو لمسها أو النظرة الدونية لها وانتهاك جسدها بما يسمونه طهارة، وهو فى العلم تشويه لأعضائها التناسلية بدون إذنها. أو فرض الزواج عليها فى سن الطفولة وإخفاء هويتها باسم الحماية، وسلبها حقها فى استمرار حياتها الزوجية بإلغاء قانون يمنحها هذا الحق.

وجدتنى أفكر وأقول لنفسى: ما هو الرابط بين المجتمع والمرأة سوى تلازم ثقافى؛ فيه انفصام شخصية جمعى، تُبجِّل وتحترم فيه المرأة الأم، ويتباهى الجميع أن مصر أم الدنيا، وفى الوقت الذى يتهمها وينتهك حقوقها حتى لو كانت مغتصبة ويريد إخفاءها عن العيون؛ لأنها أم الشرور فى نظرة ذكورية متخلفة.

وفكرت فى حقيقة اختراع الذكور؛ فكرة أن الخروج من الجنة كان بسبب إغواء المرأة، والتى ألبستها عقائد القدماء سبب تعاسة البشر؛ فسألت صديقتى المثقفة فى ذلك متشككًا فى أن حواء هى سبب خروج الإنسان من الجنة أساسًا كما تعلمنا الأساطير ومُدَّعو التدين؛ لأنى لم أجد مرجعية لذلك فى القرآن.

قالت لى صديقتى المثقفة والمتدينة:
إن خروج الإنسان يا صديقى من الجنة، ونزوله إلى الأرض كان لاكتمال خلقه، وليس عقابًا لذنب اقترفه. فلو ظل دون ممارسة قدرته على الاختيار لكان مخلوقًا كباقى المخلوقات؛ وما كان له قيمة مضافة أعطاها له الله، وقد طلب من بقية مخلوقاته أن تسجد له. لقد ميَّزه الله بالعقل والقدرة على الاختيار حتى لو أخطأ. وقد كان اكتمال خلقه عندما اختار وأخطأ فأنزله الله إلى الأرض؛ ليكمل ما خُلق له.

قلت: هذا مدخل جديد علىّ يخالف المعتاد من أن نزول آدم إلى الأرض كان عقابًا على مخالفته أمر ربه.

قالت:
هذا هو جمال التفكير واتساع حدوده بمرور الزمن؛ فمثلا، لقد قرأت لك ما كتبته عن الميتوكوندريا، ولم أكن أعلم ما هى، وأذهلنى مدخلك العلمى فى ربط تقديرك لحواء تمييزًا عن آدم، دمجًا مع رؤيتك الاجتماعية والثقافية المتكاملة، وأرجوك أن تعيد شرحك لذلك ببساطة سردك.

قلت لها:
إن مصدر الطاقة فى كل خلية من الستة تريليونات خلية فى كل جسم إنسانى هو جهاز نانوى اسمه الميتوكوندريا وهو الـorganelle الوحيد فى الخلق الذى يٌوَرث من الأم فقط، وليس من الأم والأب؛ لأن الأم هى الأصل، والأم هى مصدر الطاقة وحدها للإنسان ذكرًا كان أو أنثى.

قالت: وأنا أضيف لك، أنى قد بحثت يا سيدى، فلم أجد كلمة حواء فى القرآن كله، ولا فى الأحاديث القدسية المصنفة أنها صحيحة؛ ولكن وجدت أن الله سبحانه خلق نفسًا (وهى كلمة مؤنثة) وخلق منها زوجها (وهى كلمة تحتمل التأنيث والتذكير)، فتصورت خلق الزهرة (وهى مؤنثة) وخلق عضو تذكير فيها نفسها، فتصبح زهرة مزدوجة الجنس تلقح ذاتيًا (والذات مؤنثة أيضًا). وبما أن النفس والذات والزوج كلها مؤنث فتكون هى الأصل، ويكون الزوج المذكر هو الذى خُلق منها، وتكون كلمة (آدم) المذكورة فى القرآن ما هى إلا اسم علم لهذا الكائن المزدوج الذى بدأت منه الخليقة. وفى طفرة چينية انقسم إلى كيانين كما حدث للزهور؛ ويكون تفسير الآية: «وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا» على أنها خطاب موجه للمثنى لهذا الكائن المزدوج الجنس من أصل أنثى. والله أعلم. وللعلم فإن الفكر الذكورى يرى أن المرأة خلقت من ضلع آدم، هو لا يختلف عما أقول سوى أن آدم اسم علم يحتمل أن يكون رجلا أو امرأة أو الإثنين!!

وربما يا صديقى يكون عِلما التشريح والجينات عندك- حسب قولك- فيهما كلام مؤيد أو معارض لهذه الفكرة المبنية على منطق التحليل اللُغوى البحت والله أعلم فأنا لا أقطع ولكنى أفكر!

قلت لها بابتسامة، متذكراً صداقتنا التى دامت خمسين عاماً:

لقد علمتنى جمال الصداقة مع المرأة ونقاءها.

قالت: زيدنى من فكرك...

قلت: الصداقة مع المرأة كلها محبة وسكينة نفس.. الجميل فى الصداقة مع المرأة أنها لا لوم فيها ولا احتياج لتبرير فعل أو غياب.. الصداقة تتخلص من ضغوط ارتباط الزواج، ويمكن الشراكة فيها، ولا تستوجب إرضاء الصديق، بل أن تكون كما أنت..

فى الصداقة بين الرجل والمرأة ثقة لا تختبر فى كل لقطة، وحب لا يدخل امتحانا لأنه لا يحتاج شهادة لإثباته.

أنا أُقدر محبة الصداقة وعفتها وبهجتها، ومعزة الصداقة ودوامها، وحريتها.

قالت وماذا عن المرأة المصرية بالذات؟؟

قلت: عن المرأة المصرية بالذات لا أجد خيرًا من درس التاريخ…

المرأة المصرية عظيمة وغير عادية كونها أما وفلاحة وعاملة؛ ولما أُتيح لها التعليم تفوقت وأجادت، وعندما ترأست البلاد فى تاريخنا الفرعونى ألهمت وقادت. وعندما تزوجت من الأنبياء كإبراهيم ومحمد أنجبت جدّ العرب إسماعيل، وعندما قررت، حمَت موسى من القتل؛ وما كان لليهود وجود لولا امرأة فرعون التى احتضنت وربّت. المرأة المصرية چينات حضارة وقدرات لابد من تحريرها من قيود متخلفة فرضت عليها الانزواء وراء الرجل..

المصريات تراهُن مرفوعات الهامة.. رؤوسهن تناطح السحاب.. تجلس على عرش مصر بجوار ملكها.. وأحيانا تجلس بعظمتها وحيدة على العرش.. محركة بإصبعها جيوشًا ومتحكمة بعقلها الفذ فى مصائر البلاد والعباد بمنتهى الحكمة والقدرة!!!.

– وعندما جلست المصرية على عرش مصر.. حكمت حتشبسوت الدولة المصرية 21 عامًا.. جعلت مصر خلالها أعظم قوة عسكرية فى العالم.. ووصل الاقتصاد المصرى إلى مستوى غير مسبوق.. ويشهد على ذلك معبدها الذى يعتبر قبلة الباحثين عن عظمة مصر وعظيماتها!!!.

– حتى عندما غنت المصرية… أصبحت كوكب الشرق.. أقوى حبال صوتية لامرأة فى العالم.. إنها السيدة أم كلثوم… غنت للعاشقين.. غنت لمصر المحروسة… جابت كل دول العالم لتجمع بصوتها الأموال لبلادها فاستحقت الاحترام والتقدير.

والمرأة المصرية نفسها قادت أول طائرة فى مصر، وصوتها علا فوق صوت الرجال فى ثورة ١٩، وبعدها فى ثورة ٣٠ يونيو، هى الآن العالمة والطبيبة والممرضة والمدرسة والفنانة والكاتبة.

قالت لى شابة من الحالمين بأسى: لكننا نرث نصف الرجل يا دكتور، أليس هذا تمييزًا سلبيًا ضدنا؟

قلت: ترث المرأة نصف الرجل، فتستطيع أن تدَّخره كله لنفسها ولا تنفق منه شيئًا، ويظل الرجل مسؤولًا عن الإنفاق كله، وإلا فلا قوامة له؛ أى أن حقوق الرجل تجاه أهل بيته وأسرته مرهونة بالإنفاق، تدور معه وجودًا وعدمًا؛ فالرجال قوَّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، والتفضيل كما أفهمه هو العلم والمعرفة.

قال شاب آخر: إذًا، هى مزاحمة بين النساء والرجال فيما هو مُتاح من أرزاق.

قلت: بل هو تكامل بين البشر لخلق أرزاق جديدة وقوة للمجتمع؛ ليستخدم طاقاته كاملة وليس نصفها فقط.

قالت شابة أخرى: لكن ما الذى يحمى المرأة فى هذا الزمن من الطغيان الذكورى؟

قلت: العلم العلم، العلم والمعرفة. على كل أسرة أن تسلح بناتها بالعلم والمعرفة؛ فلا سبيل لحماية الحقوق إلا بذلك.

إلى كل سيدات مصر…

…إلى كل آنسات مصر..

إلى كل عظيمات مصر..

ينحنى العالم كله لَكُنّ احترامًا.. ماضيكُنَّ حضارة تسجلها أولى صفحات التاريخ..

وعظمة حاضرِكُنَّ لا تخطئه أعين الناظرين..

والمستقبل تضيئه شمس وجودِكُنَ الجميل؛

فلا تنحين أمام جهالة البعض وضحالة التفكير الذى يريد العودة بكنَّ إلى ظلمات التاريخ.
نقلا عن المصرى اليوم