محمود العلايلي
للشهادات الجامعية أهمية كبيرة فى حياة الأفراد تختلف بحسب الحالة أو الحاجة، فالشهادة الجامعية هى رخصة للعمل فى بعض المجالات المتخصصة مثل الطب والهندسة والحقوق وبعض العلوم التطبيقية، إلا أنها تعتبر مؤشرا للمعرفة فى بعض المجالات مثل التسويق والمبيعات والسياسة والصحافة والإعلام ومجالات الفنون المختلفة، كما تعتبر الشهادة الجامعية فى بعض الأحيان رخصة لبعض الوظائف حتى وإن لم تتطابق الشهادة مع الوظيفة، وتعد فى مواقف أخرى شرطا للترشح لبعض المناصب أو حتى لعضوية المنتديات الخاصة والنوادى الرياضية، كما أن الشهادات الجامعية عنوان للرقى الاجتماعى ودليل على وضعية رفيعة المستوى.

وإن كان ما ذكرت واقعيا، فالواقع أيضا أن ما ذكرت يمكن أن يكون غير حقيقى على الإطلاق فيما عدا ما يخص الطب والهندسة والحقوق وبعض العلوم التطبيقية، لأن الكثير من المجالات الأخرى قد لا تحتاج إلى شهادات عليا لإتقانها بقدر ما تعتمد على الموهبة والخبرة والتعلم إلا أنه فى أحيان لا غنى عن الشهادة لإعطاء الفرصة لإظهار الموهبة والخبرة، ولا يعنى هذا أن يفهم من كلامى أننى لا أشجع على الالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا لنيل شهاداتهم المرموقة، وإنما أقرر الواقع بأن أهم ما فى مسألة التعليم العالى أن يكون متوافقا مع احتياجات سوق العمل حتى لا نجد جيوشًا من العاطلين المتخرجين من الكليات النظرية- بالذات- يحاولون الالتحاق بأى وظيفة بدافع أن لديهم «شهادة عليا»، وبالطبع يغلف هذا النوع من البحث عن العمل بكل أنواع المظلومية والاتهام للدولة بانعدام العدل وعدم القدرة على توفير فرص العمل، بينما الحقيقة أن الالتحاق بالتعليم الجامعى كان اختيار حر للمتقدم للعمل أو بضغط من الأهل رغبة فى المحافظة على الشكل الاجتماعى للأسرة أو رغبة فى الترقى بالنسبة لحالات أخرى، اعتمادا على أن الحصول على الشهادة مرحلة لها أهميتها للوصول لمرحلة البحث عن العمل بآلياتها سواء بالإلحاح، أو استدعاء المظلومية، أو بالوساطة للمحظوظين وأصحاب العلاقات، بينما نجد بعض الإيجابيين يناطحون أصحاب الشهادات العليا بخبراتهم العملية وقدرتهم على الترقى والمعرفة من خلال التعلم العملى أو بالإطلاع الحر على الإنترنت مما يساهم فى دخول شريحة مهمة إلى أسواق العمل اكتسبت معارفها بطرق غير تقليدية وقد تكون غير موثقة إلا أنها مؤهلة لخوض سباق العمل والتفوق على ذوى الشهادات وخريجى الجامعات.

ومن المهم فى هذا االمجال أيضا توضيح أن هناك فارقا كبيرا بين التعليم والبحث العلمى، حتى لا يفهم أن المتعلمين أو الحاصلين على الشهادات العليا هم باحثون أكاديميون بالضرورة أو أنهم مساهمون فى التطور العلمى بمجرد حصولهم على شهاداتهم، لأن البحث العلمى الصحيح له شروطه أيضا، حيث يجب أن تتوفر له الميزانيات اللازمة لإنجازه من حيث المبدأ، والأهم أن يرتبط البحث العلمى بالتطبيق العملى سواء فى الصناعة أو الزراعة أو التشييد، وهو البحث العلمى الفعال ذو القيمة الحقيقية على أرض الواقع، وليس بدافع المباهاة الاجتماعية أو الترقى الأكاديمى فقط.

إن الحصول على الشهادات العليا من أجل تزيين جدران المنازل، أو إجراء الأبحاث العلمية من أجل إضافتها إلى رفوف مكتبات الجامعات والمعاهد دون أن يكون للطريقين تأثير مباشر على اقتصاديات الدولة لهو من باب العبث وإضاعة الوقت والمال والمجهود، لأن الشهادة إن لم تؤثر على مردود العمل فلا معنى لها، وإن لم يؤثر البحث العلمى على جودة الحياة فمن الأجدى عدم القيام به، أما المثير للأسى أنه مازال فى مجتمعنا من يترك ذلك كله ليتخذ من عدم الحصول على شهادة عليا وسيلة للحط من قدر الناس دون النظر لإنجازهم العملى أو لكيفية استغلال مواهبهم وتطوعها لصناعة مستقبلهم.
نقلا عن المصرى اليوم