الكاتب : جى دو موباسان

 
ترجمة : نجيب محفوظ نجيب
فى مهنتنا، غالبًا ما نتلقى رسائل؛ لا يوجد محرر لم ينقل للجمهور بعض رسائل هؤلاء المراسلين الغير معروفين.
 
سأقلد هذا المثال
أه! يوجد جميع الأنواع من هذه الرسائل. البعض يمدحنا، والبعض الآخر ينتقدنا بقسوة . أحيانًا نكون الرجل العظيم الوحيد، و الذكى الوحيد، والعبقرى الوحيد, والفنان الوحيد فى الصحافة المعاصرة، وأحيانًا لا نكون أكثر من مجرد رجل حقير، مضحك لا يوصف، يستحق السجن على الأكثر. 
 
لكي تستحق مثل هذا الثناء أو الإهانات، يكفى أن يكون لديك رأى قارئ أو لا يكون لديك بشأن مسألة الطلاق أو الضرائب النسبية.
 
يحدث غالبًا أن نتلقى عن نفس الموضوع فى نفس الوقت أحر التهانى أو اللوم الشديد ؛ لهذا من الصعب جدًا فى نهاية الامر تكوين رأى عن نفسك.
تحتوي هذه الرسائل أحيانًا على عشرين كلمة، وأحيانًا تحتوى على عشر صفحات.
 
ويكفي قراءة عشرة أسطر منها لفهم قيمتها ومحتواها وإرسالها إلى سلة المهملات مقبرة الأوراق القديمة.
فى بعض الأحيان أيضًا، تمنح هذه الرسائل الكثير للتفكير فيه: و هكذا، الرسائل التى أجعلها حالة ضمير لإيصالها إلى الجمهور.
 
الوعي، من المحتمل أنها ليست الكلمة الصحيحة ، ومن المؤكد تمامًا أن مراسلتى (وهى سيدة تكتب إلى) لا تفترض أننى شديد القسوة. حتى أننى أثبت، من خلال إظهار أننى مكلف بمثل هذه العمولات، و غياب الحس الأخلاقى الذى ربما قد أتعرض للنقد بسببه.
 
كما أننى تساءلت، مع بعض القلق، لماذا قد تم اختيارى من بين آخرين كثيرين. لماذا تم الحكم عليّ أننى أكثر مؤهلا من الجميع لتقديم الخدمة المطلوبة، فكيف استطاعوا أن يعتقدوا أننى لن أثور؟
 
ثم أفتكرت أن الطبيعة الخفيفة لكتاباتى ربما أستطاعت أن تؤثر فى حكم السيدة المتردد، وألقيت باللوم على الأدب.
لكن قبل نسخ الأجزاء هنا، كل الأجزاء الأساسية من الرسالة التى وجهت إلى، من الضرورى أن أخبر قرائى أننى لا أسخر منهم، وأن هذه الرسالة تلقيتها بالبريد، مع طابع على الظرف الذى كان يحمل اسمى، و الذى كان قد تم التوقيع عليه، نعم ، بشكل مقروء للغاية.
 
أنا لست أبحث هنا عن تسلية أو إساءة استخدام العقول الساذجة.
أجعل من نفسى المترجم عديم الضمير، كما أكرر، لرغبة سيدة.

هذه الوثيقة :
سيدي،
لقد ترددت طويلا قبل أن أكتب لك : لم أكن أجرؤ ان أثق فيك كليًا. ومع هذا، أشعر بأنك طيب، كريم، لكن ما يجب أن أخبرك به غريب جدًا ... أخيرًا لقد انتهيت و تخلصت من خوفي الأخير، وكان يجب أن يحدث على هذا النحو.
 
فى مواجهة المحنة المتزايدة باستمرار، في مواجهة الفقر المدقع، لا يوجد خجل يسيطر. سوء الحظ، مثل الخطر، يعطى الشجاعة لمن هم أقل شجاعة.
لا تعتقد و أنت تقرأ هذه الرسالة أننى مجنونة أو مبتهجة. أؤكد لك أن لى أسبابى. أما عن شخصيتى فهى ليست رومانسية، بل على العكس هى شخصية جادة ورائعة للغاية، إذا أستطعت أن أقول هذا. للتخلص من الألم لا أستطيع إلا أن أرى طريقة واحدة، أحاول بهذه الطريقة. أليس هذا طبيعي جدا ومعقول جدا؟
 
إليك من جهة أخرى ماذا يعنى هذا :  بالرغم من فقرى فأنا صادقة وأنتمى إلى عائلة صادقة. ما زلت شابة (لقد بلغت الثانية والعشرين من عمري للتو) حسنًا، سيدى ، سوف أعترف لك بصراحة، أريد أن أتزوج ، و هذا فى أقرب وقت ممكن. ليس الأمر أن حياة الفتاة الشابة تثقل كاهلى ، بعيدًا عن هذا. لكن استمع إلى أسبابي قليلاً وسترى أنني لست مخطئًة تمامًا في رغبتى في التخلى عن حريتى.
 
تتكون عائلتنا من  .....
هنا تفاصيل حزينة جدا عن حياتها الخاصة. إن الدقة نفسها في هذه التفاصيل تمنعنى من نسخها، لأنهم إذا سقطوا أمام اعين والدى مراسلتى، فربما يكونون كافيين لجعلهم يتعرفوا عليها.
 
كل ما تقوله هناك مؤسف للغاية ومحتمل للغاية. أستمر في القول و الأستشهاد بالقول: 
إذا كنت بمفردى، فلن أشكو، سأجد دائمًا لقمة العيش، وأحتاج إلى القليل جدًا لنفسى شخصيًا، لكن، لست وحدى، يجب أن أفكر في عائلتى .....
 
في العام الماضى عرفت فتاة شابة، يتيمة بدون ثروة، كانت قد تزوجت من مليونير عجوز.
أنا لا أوافق على سلوك هذه الفتاة الشابة. كانت في التاسعة عشرة من عمرها، كانت جميلة جدًا ، ثم كان يحبها شاب ساحر، صحفى، كانت هى قد أحبته أيضًا، على ما أعتقد.
 
هذه الفتاة الشابة ألومها وأشفق عليها فى نفس الوقت؛ لقد ضحت، دون أن تكون  مجبرة على هذا، بالسعادة من أجل الثروة.
 
بالنسبة لي، ليس لدي أى سعادة للتضحية (لم يحبني أحد من قبل) لهذا سأكون سعيدًة بأن التقى رجل يريد أن يعتنى بى وبعائلتى، وهذا أمر بديهى.
 
لا يهمني أن يكون هذا الرجل عجوزًا وقبيحًا، فأنا أطلب شيئًا واحدًا فقط ، وهو أن يكون ثريًا. مقابل ماله ، سوف أمنحه شبابى و إخلاصى، وربما حتى امتنانى، إذا كان طيبا.
 
يا سيدى ، أعتقدت أنك برؤية الكثير من الناس، يجب أن تعرف الكثير من العزاب. إذا وجدت من بين هؤلاء شخصًا لا يعرف ماذا يفعل بثروته وهو ليس عدوًا مريرًا للزواج، من فضلك كلمه عنى. من خلال زواجه منى، سوف يقوم بعمل جيد مثل منح شجيرات الورد أو مثل إنشاء مستشفيات للقطط والكلاب.
 
من فضلك ، سيدي ، افعل لي الخدمة التي أطلبها منك، أي أوصي بى لجميع الشباب الكبار الذين تعرفهم وأخبر من سيكون مجنونا بما يكفى أو كريمًا بما يكفي لكى يريد الزواج منى ( للأسف! أخاف أن أبقى شابة عجوز ) قل له أن يراسل الآنسة  .....
الأسم موجود فى كل الرسائل. ثم طلبت منى ألا أكون طائشًا و لا أفشى السر ، لكى يجهل والديها دائما سعيها.
 
ها هو !
لم يتم إرفاق أي صور بهذه الرسالة.
هى مكتوبة على ورق عادي عام. الكتابة جيدة جدًا ، ونقية، ومؤكدة، ومباشر، ومشكلة بشكل يثير للإعجاب، كتابة مدرسة وامرأة حازمة.
 
بعد تلقى هذه الافتتاحية الفريدة، كما نقول بين رجال الأعمال، فكرت في البداية : " بالتأكيد، للخدعة، إنها مسلية للغاية! هناك عدد غير قليل من الاحتمالات، فى الواقع ، لكى تكون مجرد خدعة بسيطة. لكن من من؟
 
من صديق، ربما، أو عدو، لا يشعر بالغضب عندما يعرف مقدار العمولة التي أعتزم أن أخذها من ثروة الخطيب ـ إلا إذا كنت أحب المطالبة بهذا الحق فى السمسرة على رأس مال الفتاة الشابة ؟
 
كانت تعتقد أننى سأرد على الفور، ومن الجيد دائمًا أن يكون لديك مستندات من هذا النوع في جيبك. صحيح أننى استعير من هذا الصديق أو هذا العدو المجهول فكرة محدودة للغاية عن حساسيتى.
 
لكن يجب أن نكون مقتنعين، من حيث المبدأ، بأن الآخرين يحكمون علينا دائمًا أسوأ أو أفضل مما لا نكون.
هذا يحكم على بشكل أسوأ - هذا كل شىء.
 
و بالرغم من هذا كان يجب أن يحكم على أننى كنت غبيًا جدًا. أمام هذا التفكير جاءتني شكوك !!! لهذا كانت تعتقد أنني سوف أسقط بتهور في مثل هذا الفخ الغير مألوف. كانت تأمل أن أسألها عن موعد ، ربما؟ ولكن لماذا لا تستخدم الصيغة القديمة التي لا تزال الأفضل.
 
سيدي ، أنت أعظم كاتب في هذا القرن. لا أستطيع أن أتحدث عن الإعجاب المحموم الذى أشعر به تجاه عبقريتك! كيف احب أن اراك! ألمس يديك! أنظر لعينيك! قل ، هل تريد هذا؟ لدى عشرين عاما، أنا جميلة! الرد على البريد الباقى فى مكتب Madeleine. .
 
ل.ن.
 
بغض النظر عن كونك محصنا، لا يمكنك مقاومة هذه الأشياء، بينما تستطيع أن تتردد أمام صيغة جديدة، غريبة، مريبة مثل تلك المستخدمة في هذه الحالة.
 
إذن ربما أتت الرسالة الغامضة من امرأة؟ لكن لماذا توجه إلى؟ أنا لا أدير شركة زواج، ولا أعرف شباب أكبر من أي شخص آخر؛ لا أعتقد أن لدى سمعة أن أأتى لمساعدة العذارى التى توجد فى محنة أيضًا؟
 
إذن ... نعم ... إذن ... ربما أعطت مراسلتى المجهولة كلمة " يتزوجنى " معنى أوسع بكثير مما يُنسب عمومًا فى البرجوازية.
 
هذا من شأنه أن يفسر كل شىء، في الواقع. لكن، اللعنة! هذه عمولة سيئة السمعة للغاية! السماسرة من هذا النوع لهم اسم خاص!
من الصعب حقًا تخيل أن هذا هو رأى القراء حول كتاب الأعمدة الذين يهتمون بهم!
 
فتاة شابة أو سيد شابة تجد نفسها في وضع دقيق و حرج، فهى تبحث عن زوج أو حبيب، ولا تعرف من تلجأ إليه؛ عندما تخطر ببالها فكرة فجأة : " أستمع، سأكتب إلى كاتب العمود المفضل لدى، سوف يجد هذا من أجلى؛ يجب أن يعرف الكثير من الناس. " وتضيف ذهنيا : " وهؤلاء الناس لديهم القليل من التخوفات . "
 
إذا توقعوا أيها الزملاء الأعزاء أن تتلقوا في اليوم الأول رسالة من هذا النوع: 
 
سيدي، سأحتاج إلى معرفة قابلة خفية لا تهتم بشكل أساسى بتوليد أطفال أحياء فقط.
أعتقدت أنه فى علاقاتك العديدة ...
 
حسنا ! لا، آنسة، إذا كان يجب على أن أقرأ ما بين سطور رسالتك، فلا أستطيع أن اتحمل مسئولية هذه العمولة، وإمكانياتى الشخصية لا تسمح لى بتقديم المساعدة لعائلتك مباشرة.
 
لكن من الممكن أيضًا أن تكون هذه الفتاة الشابة المسكينة قد كتبت هذه الرسالة بصدق! وقالت لنفسها، مدفوعة بالبؤس، و لا تعرف ما يجب أن تقوم به، و تاه عقلها، و لا ترى أى شخص يستطيع أن يساعدها : "ربما يكون هذا الصحفى رجلًا صالحًا سوف يتفهم وضعى ويمد يده إلى؟   "
 
السيدات لديهن مثل هذه النفوس المعقدة، مثل هذه الأفكار غير المتوقعة، مثل هذه الوسائل المذهلة، مثل هذه النبضات التلقائية ! أحيانًا تكون جذورهم عميقة جدًا، وأحيانًا تكون مكائدهم بسيطة جدًا لدرجة أنها تربكنا بسذاجتهم.
 
بالتأكيد، من الممكن، من المحتمل جدًا أن تكون هذه الفتاة الشابة، بعد قراءة إحدى هذه المقالات حيث كنت أبدو كأننى أمتلك قلبًا كبيرًا، قد قالت لنفسها، "ها هو منقذى. "
 
حتى هذه الفرضية التي توقفت عندها. إنها ليست الأكثر احتمالا، لكنها الأكثر كرما.
 
إذا حاولت أن أنقذ مراسلتى الفريدة ، وسألت نفس السؤال لجميع العزاب من حولى.
 
 - أنت لا تريد أن تتزوج ، أنت ؟ أعرف فتاة شابة ستفعل خيرًا من أجلك.
وأجاب الجميع: "هل المهر جميل؟ "
 
ثم توجهت إلى الأقدم والأقبح والمشوهين. على الفور أخذوا نفسا عميقا يكفى وهمسوا بابتسامة : "هل هي غنية؟ " 
عندها خطرت ببالى الفكرة ،
 
... الرجاء الأسمى والفكر الأسمى ... ،
كما قال فيكتور هوجو، عن نداء عام للشباب الكبار.
 
أنا لا أذكر الفتاة الشابة، ولا شىء يستطيع أن يجعلها معروفة؛ إذا، سأظل متحفظًا تمامًا، وسأنقل إليها، دون ان أفتحها، المقترحات المختومة التي ستُرسل إلى من أجلها.
 
تعالوا نرى، أيها السادة، هل يوجد منكم من يشعر بقلب كريم حقًا ؟ لا يهم أن يكون أحدب أو سلحفاة أو يبلغ الثمانين من العمر !
 
في النهاية ، لا أستطيع أن أفعل أفضل من أن أستشهد بنفس جملة مراسلتى ..... " فى مقابل ماله، سأمنحه شبابى وإخلاصى، وربما حتى إمتنانى، إذا كان طيبا " ... .. من خلال زواجه منى، سوف يقوم بعمل جيد مثل منح شجيرات الورد أو مثل انشاء مستشفيات للقطط والكلاب ... "
 
تعالوا هيا يا سادة!
 
١٢ يونيو ١٨٨٥